الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بدل السكوت.. اللون الرمادى فى نهضة محمد على

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يغيب عن معظم مؤرخينا ومفكرينا اللون الرمادي، يستريح البعض إلى اللون الأبيض، يجدونه مناسبا لتعظيم الماضى وتمجيد جميع الحكام والساسة، ويهوى آخرون اللون الأسود لإحصاء أخطاء وخطايا القادة وكأن الظلام هو الطبيعى وأن بارقات النور قليلة نادرة، وبين اللونين تغيب الحقيقة وتغلب العاطفة ويخسر العقل ويتشوه التاريخ. 

فى اللون الرمادى يستريح الضمير وتقاس الأحداث بمقياس عصرها وظروفها، لذلك لا يمكن أن نمجد محمد على باشا ونعتبره وحده صانع مصر الحديثة، كما أنه لا يمكن أن ننكر أثر مشروعه النهضوى فى تحديث وتغيير مصر تغييرا عظيما، لقد تولى الباشا حكم مصر فى يوليو عام 1805 بناء على رغبة شعبية حقيقية نادرة فى تاريخ مصر الحديث وتوفى فى أغسطس 1949.

حديث الحسنات يقول لنا إن محمد على أنشأ جيشا مصريا أصيلا بعد قرون ظل فيها شرف حماية الوطن من نصيب أجانب من مختلف بقاع الأرض، كذلك فقد حقق الرجل نهضة صناعية  عظيمة لم تعرفها مصر فأدخل صناعة الأسلحة والسفن والطباعة، كما أنه أنشأ الجسور والترع وأقام بنية تحتية عظيمة وقاد حركة عمران واسعة، ويقول حديث الحسنات إن الرجل اهتم بالتعليم وأرسل بعثات غلى اوروبا وأقام مدارس متخصصة وعنى بالترجمة ونقل العلوم والاستعانة بالخبرات العلمية النادرة . وقبل كل ذلك حقق محمد على اكبر انتصارات فى تاريخ العسكرية المصرية ووصلت جيوشه إلى الشام والحجاز والسودان وتركيا نفسها، ولولا تحالف الدول الأوروبية ضده عام 1840 لأنهى الخلافة العثمانية واستولى على كافة ممتلكات الدولة المريضة. 

وعلى الرغم من ذلك لم يكن محمد على باشا نموذجا للحاكم العادل الأمين المحب للشعب المصرى، و إنما كانت نهضته تعبر عن طموح شخصى ورغبة فى إقامة مملكة عائلية يتوارثها ابناؤه، لذا فإن شيم الغدر والخيانة والاستبداد ظلت دستورا غير مكتوب لأهل الحكم، وليس أدل على ذلك من مذبحة المماليك عام 1911، حيث دعا الرجل قادة وأمراء المماليك إلى مأدبة وأبادهم، وطاح رجاله بعد ذلك فى كل من رأوه وعرفوه قتلا ونهبا، وتحكى كتب التاريخ أن ثلاثة من الأمراء لم يشهدوا المذبحة لجأوا إلى بيت الشيخ السادات وطلبوا الأمان وتوسط الرجل لدى محمد على وأعطاه الأمان، ثم ذبحهم ذبحا. وكان من أقسى وقائع الغدر ما جرى مع القبطان أحمد باشا فوزى قائد الأسطول التركى الذى انضم باسطوله الى محمد على خلال الحرب ضد العثمانيين ، فقد اضطر والى مصر الى قتله ارضاء للسلطان العثمانى بعد اتفاقية لندن . كذلك غدر محمد على بالزعيم عمر مكرم بعد ان سانده وساعده فى الوصول الى الحكم ووقف الى جواره فى صد حملة فريزر على رشيد ، وعاش الزعيم منفيا مبعدا وحيدا .ورغم كل فضائل محمد على فإن سمة الغدر والظلم جعلت من تاريخه وتاريخ أبنائه من بعده حقبة ظلام على مصر. 

هكذا فكرت وأنا أستمع كل يوم عن استشهادات بنهضة محمد على تارة وعبدالناصر تارة أخرى.