الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

المسلم بين الإيمان الحق .. والتأسلم (17)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وكان إنهاء الخلافة التركية مثاراً لخلافات جسيمة فى مصر . فهناك من صمموا على الدفاع عن مقام الخلافة باعتبارها ركن من أركان الدين ، لكنهم ما لبثوا أن حولوا اهتماماتهم بها الى سعى فى خدمة الملك فؤاد الذى تعلق بوهم أن يكون خليفة المسلمين . وتشكلت لجنة لدعوة ممثلى جميع الأمم الإسلامية إلى مؤتمر يعقد فى القاهرة برئاسة شيخ الأزهر للبحث فى من يجب أن تسند إليه الخلافة ومقر وجوده وتحدد شهر شعبان من العام التالى لانعقاده .[المنار – المجلد 25- 19 شعبان 1342هـ - 25 مارس 1924] . والمثير للدهشة أن أكثر المتحمسين لعقد هذا المؤتمر طموحاً نحو إرضاء الملك فؤاد وهم بعض كبار شيوخ الأزهر كانوا هم أنفسهم من اجتمعوا بعد أربعة أيام فقط من إعلان قرار أتاتورك بإلغاء الخلافة وأصدروا بياناً أكدوا فيه بطلان ما قام به الكماليون لأن الخليفة قد بويع من المسلمين ولا يمكن خلعه“,”[ محمد حسين – الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر – الجزء الأول – صـ47] . أما خصوم فكرة الخلافة فقد قاوموا الدعوة لهذا المؤتمر مستندين الى تراث من الفكر المناهض للخلافة والملتزم بشعار مصر للمصريين . واستعاد هؤلاء كتابات لقاسم أمين تقول “,”إن الخلافة تقوم على أساس خليفة أو سلطان غير مقيد يحكم موظفين غير مقيدين ، وربما يقال أن هذا الخليفة يستمد سلطته من الشعب الذى بايعه ، لكن هذه السلطة التى لا يتمتع بها الشعب إلا بضع دقائق هى سلطة لفظية ، أما الحقيقة فهى أن الخليفة هو وحده صاحب الأمر والنهى والحقيقة أن من أسباب نكبتنا أننا نسند حياتنا على التقاليد التى لم نعد نفهمها ، ونحافظ عليها فقط لأنها أتت من الماضى“,” [محمد كامل ضاهر – الصراع بين التيارين الدينى والعلمانى فى الفكر العربى المعاصر – صـ210] أما الأستاذ الإمام محمد عبده فقد رفض من حيث المبدأ القول بوجود خليفة يتحدث باسم السماء قائلاً “,”إن السيادة قسمان : سيادة عليا يختص بها الله تعالى ، وسيادة أقل درجة يختص بها الشعب وعليه ممارستها ، ومن هذه السيادة تكتسب الأمة شرعية دورها كمصدر للسلطة . امام الحاكم فيستمر سلطته من الشعب| ثم يقول “,”ومن ضلال القول بتوحيد الإسلام للسلطتين المدنية والدينية فهذه الفكرة خطأ محض ودخيله على الإسلام ومن الخطأ القول أن السلطان هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها ، فليس من الاسلام ما يسمى عند قوم بالسلطة الدينية او المؤسسة الدينية بوجه من الوجوه ، ولم يعرف المسلمون فى عصر من العصور تلك السلطة الدينية“,” [الشيخ محمد عبده – الأعمال الكاملة – الجزء الثانى – صـ125 وما بعدها] . وفى ظل هذا التراث من الاختلاف احتشد السلفيون وعلى رأسهم الشيخ رشيد رضا تلميذ محمد عبده الذى تخلى عن تعاليم أستاذه مع شيوخ الأزهر من أنصار الملك فؤاد . وكان هناك الشيخ عبد الباقى سرور ومحب الدين الخطيب اللذين أصدرا مجلة الفتح ثم أسسا جمعية الشبان المسلمين فى غرة جماد الآخر 1346هـ [25 نوفمبر1927]وأنشأوا لها فروعاً فى يافا وحيفا والقدس والعراق ووصل عدد فروعها فى 1930 الى عشرين فرعاً“,” [لمزيد من التفاصيل حول الخلافات الفقهية والشرعية فى موضوع الخلافة راجع : د. رفعت السعيد – المتأسلمون ماذا فعلوا بالإسلام وبنا] وامتدت الخلافات وتصاعدت بعد إسقاط الخلافة . وعندما حضر الى القاهرة شيخ الإسلام [التركى] مصطفى صبرى توقادى هارباً من الكماليين أستقبله المسلمون أسوأ استقبال متهمين إياه بالعمالة للانجليز لأنه أصدر فتوى بتفكير كمال أتاتورك ، وكانت الصحف فى أغلبها تكيل الثناء للكماليين“,” [السيد يوسف – الإخوان المسلمون وجذور العنف والإرهاب فى مصر– صـ45] وانبرى الشيخ محمد شاكر وكيل جامع الأزهر ليشن هجوماً عاصفاً على الخليفة المخلوع الذى لجأ إلى الانجليز معلناً انه بصفته خليفة للمسلمين يطلب الحماية البريطانية وأضاف أنه “,”لا يستحى فى ذلك من تاريخ أجداده ، ولا من الأمم الإسلامية التى يزعم انه يتكلم باسمها كخليفة للرسول الأعظم ولا من التاج الذى دنسه بالالتجاء الى الحماية الأجنبية فسحقاً لهذا الذى دنس شرف الإسلام“,” ثم “,”أفلا يجدر بالمسلمين أن يفكروا فى قلب هذا النظام العتيق رأساً على عقب حتى ينقذوا الإسلام والمسلمين من هذه الكوارث وحتى يضعوا حداً لتصرفات البلاط الشاهانى والباب العالى فى الشئون الإسلامية العامة“,” ثم قارن الشيخ شاكر بين “,”الخسائر التى ابتلى بها المسلمون على يد الخلفاء العثمانيون فخسروا كل عواصم الإسلام والجزائر ومراكش وطرابلس وعواصم أخرى لا تعد ولا تحصى فى مشارق الأرض ومغاربها وبين الانتصارات التى حققها أتاتورك فى تحرير الأستانة مقدماً القدوة للمسلمين“,” [الأهرام 5-12-1922 – مقال لفضيلة الشيخ محمد شاكر بعنوان “,”ما شأن الخلافة بعد التغيير“,”] ويرد عليه الشيخ التركى توقادى بكتاب عاصف أثار مزيداً من الهجوم عليه وعلى الخليفة الذى باع كل شئ للانجليز . [شيخ الإسلام مصطفى صبرى توقادى – النكير على منكرى النعمة من الدين والخلافة والأمة] ثم نشأ تيار ثالث ألتمس الحل فى الأخذ بالفكر الكمالية التى نادت بما أسمته “,”الخلافة الروحية“,” وتقوم على أساس نزع أيه سلطة مدنية أو تنفيذية من هذا الذى يسميه البعض خليفة هذا إذا أصروا على الاستمرار فى التمسك بفكرة الخلافة . وينشر الأهرام بياناً للسيد أحمد السنوسى بعنوان “,”بيان خطير الشأن للسيد السنوسى الأكبر يقول فيه “,”بتأييد قصر الخلافة على الجانب الروحى فقط“,” [الأهرام 28-9-1923] .
وعبر صراعات ممتدة تكونت اللجنة المشكلة للدعوة لعقد مؤتمر الخلافة بالقاهرة . وإذ أعلن فؤاد رغبته فى تولى حتى تراجع الكثيرون ومنهم الشيخ محمد شاكر نفسه الذى نشر مقالاً فى المقطم معتذراً عن سابق مدحه للكماليين معرباً عن خيبة أمله فيهم“,” وتعالى صوت مصطفى صادق الرافعى مهاجماً الكماليين واصفاً كمال أتاتورك بأنه ذبابة وبعوضه وقملة ويستحق لعنة جميع المسلمين .[مصطفى صادق الرافعى – وحى القلب – صـ12].
.. وفيما تتعثر عملية الإعداد لمؤتمر الخلافة ويتهرب الكثيرون من الحضور ويظهر منافسون منهم الشريف حسين وملك الأفغان أمان الله . جاءت الضربة القاصمة من الشيخ على عبد الرازق عضو هيئة كبار العلماء .. وكانت قاصمة بالفعل .