الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدس يكتب: رسالة القيامة

المطران د. سني ابراهيم
المطران د. سني ابراهيم عازر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رسالة القيامة 

المطران د. سني ابراهيم عازر رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدس 

فَقَالَ لَهُنَّ: "لَا تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ ٱلْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا. هُوَذَا ٱلْمَوْضِعُ ٱلَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ." مَرْقُسَ ١٦:‏٦

 إخوتي وأخواتي الأعزاء، نعمة لكم وسلام من ربنا ومخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات.

 إن ما تشهده بلادنا المقدسة اليوم، وما مر على شعبنا الفلسطيني الصامد خلال الأشهر القليلة الماضية يعتبر من أحلك الظروف وأصعبها. فلم نشهد من ذي قبل مثيلا لما يحدث اليوم من إبادة جماعية رهيبة يتعرض لها أهلنا في قطاع غزة، ومن اعتداءات وقتل واعتقالات موجهة ضد أبناء شعبنا في الضفة الغربية، ومن حياة مليئة بالخوف والاضطهاد والعنصرية يعيشها أبناء شعبنا في مدينتنا المقدسة. وبالرغم من كل الصعوبات، والمستقبل المبهم، والامل الخافت، فإن شعبنا لا يزال صامد ويناضل من أجل العيش بحرية وكرامة. 

قد لا تكون هذه الطريقة الامثل لبدء عظة عيد الفصح، ولكن لم يكن صباح عيد الفصح الأول مختلف عما نمر به اليوم. فهو لم يكن وقت احتفال وفرح، بل وقت ساد به الحزن، والشك وانعدام الأمن والأمان لاسيما مع حلول يوم الجمعة العظيمة والتي شهدت موت يسوع المسيح على الصليب والذي بموته ساد الخوف وعدم اليقين بين التلاميذ. واستمر هذا الحال لثلاث أيام. وكان كل يوم يمر على تلاميذ المسيح أصعب من اليوم الذي قبله. ونحن كفلسطينيون نفهم هذا الظرف أكثر من غيرنا. فقد شهدنا أشهر طويلة ملئها الحزن والالم وعدم اليقين والخوف من القادم. وهذا ما شهده التلاميذ في الجمعة العظيمة وللأيام الثلاثة ليسوع في القبر. 

وكفلسطينيين، فإننا نواجه صعوبات جديدة كل يوم، حيث نشهد مزيدا من موت الأبرياء من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ومزيدا من الجوع والعطش، ومزيدا من الدمار وانعدام الأمان والخوف من المستقبل، ومزيدا من العنصرية والتمييز. ونحن نفهم خوف التلاميذ لأننا نختبر الخوف يوميا. وبالرغم من الخوف والحزن والألم الذي سيطر على التلاميذ، نسمع أن النساء ذهبن مبكرا إلى القبر صباح الأحد متحلين بالقوة والصبر والصمود في وجه الخوف والصعاب. وبسبب اصرارهن وعزمهن، كانوا أول من قابل ملاك الرب. وكانوا أول من سمع الأخبار السارة: " قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا". وكانوا أول المبشرات " وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا. "(مت 28: 7).". وبينما هموا مسرعات لمشاركة هذه الأخبار السارة، بخوف وفرح عظيم، كانوا أيضا أول من التقى بالمسيح القائم من بين الأموات. سلم عليهن يسوع وقال لهن ألا يخافوا. أرسلهن يسوع بنفسه ليذهبن ويخبرن الأخبار السارة عن القيامة. وهذا ما نختبره في المرأة الفلسطينية المناضلة التي تتحمل كافة الصعاب، وتتحمل موت أبنائها وهي صامدة، وقوية، لتمنحنا الامل وتبشرنا بمستقبل أفضل.

 أخوتي وخواتي الاعزاء، قصة عيد القيامة هذا العام أكثر أهمية من أي وقت مضى. فمستقبل الشعب الفلسطيني غير مؤكد، ومستقبل الوجود المسيحي الفلسطيني مُهدد، والموت يحيط بنا من كل مكان. لكن حقيقة عيد القيامة تفوق الواقع الذي نراه ونحياه. فالقيامة تعني أن الموت ليس النهاية، وأن القيامة موجودة حقا! فالمسيح قام، حقا قام من بين الأموات وقهر الموت. ونحن، كجسد واحد في المسيح، لا يمكن تدميرنا حتى عندما نموت، فإننا نحيا على رجاء القيامة. 

القيامة تعني أنه على الرغم من أننا خائفون، فإن يسوع المسيح يقول لنا "لا تخافوا". والقيامة تعني أنه حتى عندما يتغاضى الآخرون عن معاناتنا، فإن الله لن يتخلى عنا أبدا. وبهذا تصبح القيامة مصدر قوتنا وصمودنا وجوهر عمل كنيستنا. فمن خلال برامجنا ومؤسساتنا التربوية والاجتماعية والبيئية ومكتب الشبيبة ومكتب المساواة بين الجنسين، فإننا نعزز من صمود مجتمعنا وشعبنا ولاسيما نسائنا، وشبابنا ليكونوا نموذجاً للإيمان والصمود والامل. وفي كنائسنا وطوائفنا، نعلن عن قيامة يسوع المسيح حتى يعرف شعبنا الحقيقة: فعندما يتغاضى العالم عن حقنا في الحرية، يعلن مخلصنا يسوع المسيح بأننا أحرار، وعندما يقول العالم أن ارواح شعبنا في غزة والضفة غير مهمة، يعلن يسوع أننا أبناؤه الأحباء، وعندما يقول العالم أن الشعب الفلسطيني ليس له مستقبل، يعلن يسوع أننا المستقبل المنشود. 

وبهذا نحن نعلن مرة أخرى حقيقة القيامة. فمثل النساء عند القبر، اللواتي لم ييأسن، بل بقين صامدات، ومثل تلاميذ المسيح، الذين تقبلوا وفرحوا بالأخبار السارة وبشروا بها لكل البشر وصمدوا في وجه الصعاب. كذلك نحن، يجب علينا أن نتكاتف مع بعضنا البعض ونصمد في وجه التحديات وألا نخاف من قبول المساعدة والدعم من الآخرين. عندما نكون وحيدين ومعزولين، لنتذكر أن يسوع يوحدنا ويجمعنا ليمنحنا القوة. وعندما نواجه الموت، دعونا نتذكر القيامة.

 فأقبلوا بركة ونعمة وسلام مخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات من الآن وإلى الأبد. آمين. المسيح قام، حقا قام. كل عام وأنتم بخير. أخوكم، المطران د. سني ابراهيم عازر مطران الكنيسة الانجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة