الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فوانيس رمضان رسالة فرح من مصر إلى العالم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

احتفت كل الحضارات الكبيرة بالضوء. إذ جعلته إشارة للخير والبركة والأمان. إذ إن الإنسان لا يخبئ عادة الأشياء الجميلة التي يفرح بوجودها ويفتخر بذلك الوجود أيضًا. إنه إعلان فرح وإعلان حياة لأن النور يختفي حين نتوقف عن الحركة والحياة. حين ننام وحين نموت وحين نترك الأماكن ونرحل ولو مؤقتًا. 
حمل المصريون المصابيح في مناسبة دينية للمرة الأولى في عيد المصابيح قبل البشرية كلها. كان المصريون يضيئون المصابيح أمام منازلهم وفي معبد الإله أوزوريس في صان الحجر (بمحافظة الشرقية حاليًا). يستمر ذلك في شهر كيهك من التقويم القبطي (من اليوم العاشر من شهر ديسمبر إلى اليوم الثامن شهر يناير). إن الاحتفاء بالضوء والنور والنار كان علاقة دينية مقدسة في كثير من الحضارات القديمة.
حمل المصريون المصابيح في رمضان احتفاء بالمعز لدين الله الفاطمي يوم ١٥ رمضان ٣٦٢ هـ. حضر المعز للقاهرة ليتخذها عاصمة لدولته فخرج المصريون بالضوء له. كان الضوء تعبيرًا عن الفرح والمحبة وبداية عهد مضيء لا ألم فيه. وأصبحت الفوانيس عادة فاطمية في مصر منذ ذلك اليوم. إن الفانوس على أبواب المنازل ليلًا في رمضان يشيع السهر والأمان في شهر يقام فيه الليل ويتسحر فيه الناس متأخرًا.. يطرد الفانوس شر الظلام. 
إنني دائمًا أقول "الشعوب السعيدة هي الشعوب التي تغني أغنية جميلة". عاشت أغنية المصريين للفانوس منذ القدم "وحوي يا وحوي إيوحا". كانت ومازالت أغنية تحتفي بالقمر. معناها "اطمنوا القمر جاي". فالمصريون شعب متوسطي حار الدم. يتفاءل كثيرًا رغم ارتباط حضارتهم باحترام الموت. نقلت الحضارة المصرية للعالم للمرة الأولى فكرة التوحيد، والإيمان بحياة بعد الحياة تعد لها أثناء وقتك على الأرض. ربما كان هذا محاولة للتفاؤل بأنك تعيش أكثر من ذلك الوقت الذي تراه على الأرض، وأن هناك أملا كبيرا في القادم حين تحيا حياة طيبة تنشر فيها الخير والفرح. إننا شعب يجيد الصبر ويجيد التصرف بعد انتهاء الصبر. إننا شعب يحب الحياة.
يظهر حب المصريين للحياة في مظاهر رمضان هنا. يحب الكثير من المسلمين قضاء جزء من رمضان في مصر. يرحلون حاملين معهم ملامحه في فانوس أو لوحة أو رائحة الطعام المميز في إفطار تحت سماء مفتوحة في بلد جوها جميل "صيف شتا" مع ابتسامة المصريين على وجوهم السمراء الراضية الجميلة المستبشرة بالضوء. وعرف الصانع المصري كيف يحول كل ذلك لفانوس له صنعة مميزة خرجت من مصر وعرف بها حرفيوها. رأيت أشقاء عرب في رمضاننا هذا ككل رمضان يشترون فوانيس لأولادهم قبل السفر. رأيت كيف كانوا سعداء وكيف فتحوا كاميرات هواتفهم في اتصالات مرئية كي يختار الأولاد الفانوس الذي يريدونه. ورأيت كيف انتشر الفرح من هذه التفاصيل البسيطة.
كل سنة ونحن بخير على أرضنا الطيبة. كل عام ونحن "مطمنين إن القمر موجود وجاي".. كل عام والمصري "أبو دم خفيف الأسمراني" ينشر الفرح والضوء للعالم. 
*أستاذة بقسم الإعلام - آداب المنصورة