الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

برافو دولة جنوب أفريقيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الخميس 11 يناير الجارى، يوم مشهود في محكمة العدل الدولية.. جنوب أفريقيا قدمت نفسها كدولة تتحدث باسم ضمير الإنسانية.. دفوع قانونية محددة، أدلة دامغة، وغلق لكل الدفوع التي قد تستخدمها إسرائيل.

لقد لفتت دولة جنوب أفريقيا الأنظار إليها بعد إقدامها على رفع قضية أمام محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاى فى هولندا، ضد دولة إسرائيل لما ارتكبه جيشها فى قطاع غزة، من أعمال وحشية تعادل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. دولة جنوب أفريقيا ليست دولة إسلامية، وعدد المسلمين فيها حوالى ٢ مليون من أصل ٦٠ مليون مواطن،  ولكنها اكتوت بنيران الاحتلال الانجليزى منذ العام ١٨٨٠، والفصل العنصرى وتمييز الأوروبيين، حتى العام ١٩٩٣، إلى ان تخلصت من الفصل العنصرى (الابرتيد) وعاد الحكم إلى الأفارقة أصحاب الأرض، وتولى نيلسون مانديلا الحكم كأول رئيس منتخب لجنوب أفريقيا سنة ١٩٩٤.

 أقدمت دولة جنوب أفريقيا على هذه الخطوة الجريئة بعد فشل مجلس الأمن الدولى فى اتخاذ قرار بوقف الحرب وإدانة إسرائيل مرتين، بسبب الفيتو الأمريكي. أقدمت جنوب أفريقيا على رفع القضية أمام المحكمة الدولية والتى لايوجد فيها حق النقض (الفيتو)، ونظرت المحكمة يومى ١١-١٢ يناير الجارى القضية. هذه الخطوة الشجاعة من جنوب أفريقيا، حتى ولو انتهت بحفظ القضية، قد يكون لها تأثير سياسى ومعنوى كبير على صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولى كدولة معتدية، ارتكبت جرائم  ضد المواطنين العُزّل فى قطاع غزة، تدمى لها القلوب، وتقترب من جرائم النازى فى الحرب العالمية الثانية، والتى استغلتها إسرائيل لابتزاز العالم على مدى العقود الماضية. ماقامت به دولة جنوب أفريقيا أعاد إلى ذاكرتى الكثير عن هذا البلد الأفريقى الذى يتشابه مع مصر فى الكثير من الخصائص المشتركة. تذكرت زيارة الرئيس الفائز بجائزة نوبل للسلام نيلسون مانديلا، الى جامعة اكسفورد فى انجلترا فى شهر يوليو سنة ١٩٩٧. أثناء الزيارة شهدت جامعة أكسفورد العريقة تجمعًا كبيرا من كل دول العالم، جاءوا للاحتفاء بنيلسون مانديلا، مع لافتات ترحيب بالرجل الذى كان يُمثل الضمير العالمى (Man of the world).

الاحترام والتقدير الذى قُوبل به مانديلا فى اكسفورد، جعل الجامعة العريقة تسمح للطلاب والطالبات من جنوب افريقيا الحضور وإلقاء كلمة للترحيب بالرئيس مانديلا، وكانت المرة الأولى التى تسمح فيها الجامعة العريقة بكسر البروتوكول والسماح للطلاب (بالرقص  الأفريقى مع مانديلا) داخل الجامعة، فى إشارة إلى تخلى الجامعة عن تقاليدها العريقة احترامًا وتقديرًا للضيف العظيم. كلمات مانديلا كانت مؤثرة جدا خاصة قوله "إن الغنى الفاحش هنا (يقصد فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية)، والفقر الشديد هناك (يقصد فى الجنوب) يحمل خطورة على السلم والأمن الدوليين. مانديلا تحدث بشجاعة وصراحة عن القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطينى فى العيش بكرامة داخل دولة فلسطينية حسب قرارات الأمم المتحدة، مثله مثل باقى شعوب العالم. شجاعة مانديلا ظهرت فى ردوده على أسئلة الصحفيين عندما سألوه عن الإرهاب وقال إن تصنيف الغرب للإرهاب مخالف لفهمه لمعنى كلمة الإرهاب، وضرورة التفرقة بين الإرهاب وحق الشعوب فى الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها المشروعة. وكان صريحًا ومباشرًا عندما قام بشكر البلاد والشخصيات التى وقفت مع بلاده وساعدتها للتخلص من التفرقة العنصرية، خاصةً ليبيا والعقيد معمر القذافي، رغم اتهام ليبيا فى وقتها بالإرهاب. ربما يكون نيلسون مانديلا هو أشهر من حصلوا على جائزة نوبل، من بين عشر شخصيات من جنوب أفريقيا حصلت على الجائزة الكبرى فى السلام والأدب والطب. ولجنوب أفريقيا جامعات مرموقة ترتيبها متقدم بين جامعات العالم (من بين أول ٢٠٠ جامعة على المستوى الدولي)، كما أن لها مشاركة فاعلة فى كل المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية، واستضافت كأس العالم لكرة القدم سنة ٢٠١٠. وعلى المستوى الشخصي، تعرفت على العديد من الزملاء الأفاضل من دولة جنوب أفريقيا  أثناء دراستى وعملى فى انجلترا، وبعد عودتى إلى أرض الوطن. كانت المناقشات مع الزملاء تدور حول واجب كل من مصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا (الدول الثلاث الأكثر أهمية فى القارة) فى النهوض بالقارة الأفريقية فى مجال تطوير وتحديث الخدمات الصحية فى أفريقيا. الملفت للنظر أن مصر وجنوب أفريقيا تجمعهما خصائص مشتركة مثل التاريخ العريق، والجغرافيا المتميزة والتعدد الديموجرافى للسكان. فمصر تقع عند التقاء قارات أفريقيا وآسيا، وتتحكم فى قناة السويس الهامة جدا للاقتصاد العالمى والتجارة الدولية. وجنوب أفريقيا تقع فى جنوب القارة وتطل على المحيطين الهندى والأطلسي، وتتحكم فى طريق رأس الرجاء الصالح، ومركز هام للسياحة والترانزيت بين أفريقيا وآسيا واستراليا ونيوزيلاندا. 

فى لقاءات الزملاء الأفارقة، كنا نقترح أن تكون مصر هى مركز التدريب والتعليم فى منطقة شمال أفريقيا، وأن تكون نيجيريا مسئولة عن غرب القارة، وجنوب أفريقيا عن جنوب القارة تحت الصحراء. 

المصادفة أن تخصصى الدقيق، وعملى كرئيس للمنظمة المصرية للأورام النسائية، أن تقابلت مع رئيسة المنظمة الدولية للأورام النسائية السابقة والحالية والاثنتين من جامعة جوهانسبرج. آخر زيارة للرئيسة الحالية كانت يومى ٧-٨ ديسمبر فى القاهرة، وتحدثنا عن التعاون المصرى مع جنوب أفريقيا، ومع المنظمة الدولية لتحسين جودة التدريب للمتخصصين فى مجال علاج الأورام النسائية، ووعدت بزيارة جامعة المنصورة فى شهر أبريل القادم.

مرحبا بالتعاون مع الزملاء الأفارقة، وبرافو لشجاعة وقوة مواقف دولة جنوب أفريقيا.

*رئيس جامعة حورس