الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"مصرية" تلفت أنظار مؤتمر المناخ بمبادرة "مقايضة الديون"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقترب مؤتمر المناخ (كوب28) من نهايته مع استكمال أسبوعه الثاني يوم الثلاثاء المقبل، الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي لدبي، وذلك وفقًا للتوقعات المتفائلة التي ترى أن القمة ستنتهي في الوقت المحدد لها. لكن احتمال أن تمتد المفاوضات ليوم الجمعة المقبل أمر وارد أيضًا، وهذا يتوقف على مدى التقدم الذي يتم إحرازه في المفاوضات حول التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أو الاكتفاء بعزل الكربون بالتقنيات المتطورة. والحل الأخير قد يراه الكثيرون إخفاقًا "محبطًا" إلى حد كبير. أما النجاح في القمة فيتصدره إعلان الرئاسة جمع 83 مليار دولار من التعهدات والمساهمات المالية لصندوق الخسائر والأضرار حتى الآن، منها 30 مليارًا مساهمات إماراتية؛ ويطمح المنظمون أن يصل المبلغ إلى 100 مليار دولار مع نهاية المؤتمر، وهي الحزمة التي كانت قد وعدت بها الدول المتقدمة في مؤتمر شرم الشيخ العام الماضي، رغم أن التمويلات المطلوبة تتعدى الـ400 مليار دولار.   

ولعلَّ أجمل المفاجآت التي أسعدتني ولفتت الأنظار في المؤتمر تمثلت في مبادرة "أوبونتو"، خاصة أنها جاءت من شابة مصرية برلمانية تدعو للفخر. المبادرة تتعلق بـ"مقايضة الديون بالمناخ". ودارت حولها جلسة نقاشية شديدة الأهمية بعنوان "حوار حول مبادرة أوبونتو: استخدام الديون في تمويل التكيف مع تغير المناخ". قصة المبادرة بدأت منذ أكثر من عام، أطلقتها سحر البازار، نائبة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب المصري. وعلى ضوء المبادرة المصرية جاءت الدعوة لهذه الجلسة النقاشية في مؤتمر المناخ من الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) وبرلمان المناخ، حيث ناقشت السبل التي يمكن من خلالها التفاوض على الديون الخارجية للبلدان الفقيرة والنامية من أجل تحقيق مزيد من التطوير، وخاصة في مجال التكيف المناخي. شارك في الجلسة إلى جانب سحر البازار، اللورد فاكافانوا رئيس برلمان تونغا، وأفيناش برسود المبعوث الخاص لرئيس وزراء بربادوس لتغير المناخ، إضافة إلى الدكتور محمود محيي الدين رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي COP27 والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وعدد من المتحدثين رفيعي المستوى.

والحقيقة أن سحر البازار لديها مؤهلات الإقناع من حضور رائع وثقة بالنفس وطلاقة لسان. وعرضت فكرة المبادرة وكيف وُلدت في إطار اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد في واشنطن، مارس 2022، حيث طرح قادة البنك قضية المساعدات التي يمكن تقديمها للدول النامية من أجل التكيف المناخي، لكن الأجندة خلت من الحديث عن الديون. ومن هنا جاءت المبادرة، ثم تمت بلورتها بالتعاون مع برلمانيين من غانا والسنغال وإندونيسيا. وتقدم أربعتُهم بعريضة تطالب مؤسسات التمويل بمبادلة الديون بالمشاريع الخاصة بالمناخ، وإسقاط خدمة الدين والبالغة نحو 60 مليار دولار هذا العام، في إفريقيا فقط، وهي أكثر قليلا مما تحتاجه من تمويلات لمشروعات التكيف المناخي. وقاد البرلمانيون الأربعة المبادرة وأطلقوا عليها "أوبونتو" لتمويل المناخ. وقد تم عرضها تفصيليا في مراكش في اجتماعات البنك والصندوق الصيف الماضي. وكلمة (Ubuntu) هي عبارة جنوب أفريقية تعني "أنا لأنك أنت"، وتعكس النضالات المشتركة للبشرية للدلالة على أهمية العمل معًا لمواجهة مخاطر تغير المناخ. وتطالب سحر وزملاؤها بدعم أكبر لدول الجنوب لدفع أجندة تغير المناخ، مع إنشاء هيكل مالي جديد يخفف من الديون التي تواجه هذه البلدان ويضعها على الطريق المؤدي إلى اقتصاد مستدام وأكثر نموًا. وحظيت المبادرة بدعم 42 دولة. وتغطي المبادرة ثلاث خطوات رئيسية؛ أولها، تنفيذ عمليات مبادلة الديون باستثمارات توجه لمشاريع صديقة للمناخ، مما يحرر الدول من ضغوط الديون ويشجع مسارات التنمية المستدامة. ثانيها، الإيقاف المؤقت لخدمة الدين مما يسمح للبلدان بدلًا من ذلك بتوجيه مواردها المالية للتخفيف من آثار المناخ والاستثمار في الطاقة المتجددة. أما الخطوة الأخيرة فهي إنشاء إطار شفاف لتخفيف أعباء الديون.

ومن جانبه، حذر اللورد فاكافانوا رئيس برلمان تونغا من المخاطر الناتجة عن آثار تغير المناخ على تونغا وبقية جزر المحيط الهادئ، من ذلك الكوارث والنزوح والهجرة القسرية، على الرغم من كونها ضحية لانبعاثات الغازات الدفيئة ولم تساهم فيها. وشدد على ضرورة تمثيل الدول النامية والجزرية الصغيرة في إدارة صندوق الخسائر والأضرار والصناديق التمويلية بشكل عام.

أما الدكتور محمود محي الدين فكانت دعوته لإصلاح مؤسسات التمويل مفاجأة سارة للحاضرين؛ فرغم خلفية عمله السابق في صندوق النقد "سيء السمعة" لدى الكثير من الشعوب إلا أنه أكد على ضرورة تبني سياسات جديدة من جهات التمويل لتقديم التمويلات المُيسّرة للدول النامية والفقيرة، مشددا على أهمية التمويل "العادل" والفعال لأنشطة المناخ والتنمية في هذه الدول وما يستلزمه ذلك من خفض الاعتماد على الديون وتوفير التمويل الميسر، مع ضرورة توفر "المفاوض الشاطر" في مواجهة جهات التمويل.

وأوضح أيضًا أن سد فجوة تمويل التكيف المناخي في الدول النامية يتطلب 2.4 تريليون دولار سنويًا مما يستدعي حشدًا للتمويل من مصادره المحلية و"إصلاح مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف"، بزيادة رؤوس أموالها حتى تتمكن من أداء دورها في تمويل العمل المناخي والتنموي. وأشار في هذا السياق إلى المنصة الخاصة ببنجلاديش لتمويل أنشطة تخفيف الانبعاثات والتكيف المناخي، وهي نموذج جيد للشراكات المطلوبة بين الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف، مشددا على ضرورة ربط الموازنات العامة للدول بأهداف التنمية المستدامة.