الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

رحلة في عالم «الكفتجية».. من وحي تحف متحف الفن الإسلامي

معروضات متحف الفن
معروضات متحف الفن الإسلامي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُعد متحف الفن الإسلامي أحد أكبر المتاحف المتخصصة في العالم، حيث يضم ما يزيد عن 100 ألف قطعة أثرية تخص حضارة واحدة، وتلك القطع تعبر عن تطور الفنون في فترة زومنية تزيد عن الألف عام، وتضم مختلف الفنون والعلوم، ويستطيع المتحف أن يأخذك في رحلة طويلة تبدأ من العصر الأموي وحتى عصر أسرة محمد علي باشا. 
ومن نوادر متحف الفن الإسلامي التحف التي استطاع فيها الفنان أن يُظهر قدراته في فن "التكفيت"، وهو الفن الذي فيه يضيف الصانع معدنًا أرقى على معدن أدنى منه، لكي يصنع مزيجًا فريدأ ما بين القوة والمتانة، والقيمة الفنية الجمالية والمادية، حيث يستطيع من يحترف فن التكفيت والذي يُلقب بالمكفت أن يزرع خيوط الذهب والفضة فوق النحاس مما يجعل التحفة ذات قيمة عالية. 
ويزخر متحف الفن الإسلامي بعدد من التحف المكفتة الرائعة الجمال إحداها تخص عائلة أو قبيلة بني رسول اليمنية، وهي عبارة عن صينية تقديم، وتشير الكتابات عليها إلى أنها صُنعت للسلطان مالك مظفر محمد شمس الدين يوسف الذي حكم اليمن بين عامي 648 – 695هـ/ 1250 -1295 هـ، وبالطبع التحفة وصلت إلى مصر قد يكون عن طريق الشراء أو الإهداء.

مشاهد متعددة
نجد أن تلك التحفة عليها زخارف رائعة تمثل مشاهد من الحياة اليومية، وزخارف حيوانية، وزخارف كتابية وزخارف نباتية، حيث نقش الفنان زهرة اللوتس الخماسية فهي شعار بني رسول الذين ينتمي إليهم السلطان مالك مظفر، حيث استطاع الفنان بدقة شديدة أن ينقش تلك الرسومات على النحاس ثم يزينها بالذهب والفضة. 
والحقيقة أن فن التكفيت من الفنون الراقية والصعبة والتي تتطلب دقة واحترافية عالية، وقبلهما موهبة عميقة متمكنة، حيث يقوم الفنان الصانع برسم ما يتخيله من نقوش على النحاس أولًا، وهنا لنا وقفة، فكل ما نراه من تصاوير على الفنون الإسلامية هي من إبداع قريحة الفنان الصانع، الذي استطاع أن يبتكر أشكل لا حصر لها من الزخارف سواء نباتية أو حيوانية أو هندسية أو إنسانية.

الحفر الغائر
بعد أن يُتم الفنان الرسم يبدأ بأدواته الدقيقة مرحلة الحفر الغائر على سطح التحفة النحاسية، ويجب أن يكون النحاس جيدًا قليل الشوائب، حتى يتقبل الدق والطرق ثم الحفر، وهنا يصنع الفنان على الخطوط التي رسمها مجاري دقيقة غائرة بعمق مناسب، أصبحت أنامله الحساسة تجيدها، وتجيد تقدير عمقها اللازم. 
وبعد أن يفرغ من حفر كامل الرسمة أو النقوش يبدأ في مرحلة تنزيل الذهب والفضة داخل تلك المجاري، حيث يأتي بخيوط الذهب والفضة، وتكون من عيار مرتفع حتى تتقبل أن ترقد في تلك المجاري، ولا تتسب الشوائب المرتفعة في أن تسقط من فراغاتها، ثم يدق بشكل دقيق محترف على تلك الخيوط فتندمج مع الرسومات المحفورة، ويصبح هنا المعدن مكفت بمعدن آخر. 
وهنا لدينا في تلك الصينية التي تخص السلطان مالك، نموذج راق من تكفيت النحاس بالذهب والفضة، ومن أشهر الصناع الذين سجلوا أسمائهم على التحف المكفتة هو محمد بن سنقر البغدادي السنكري، حيث صنع كرسي عشاء يخص السلطان المملوكي المنصور قلاوون.

الـ "سنكري" والـ "تكفيت"
هي كلمة يعود أصلها إلى مهنة "السنكرة"، وهي تساوي كلمة "التكفيت"، حيث أن تطويع السطح بالدق والطرق يسمى "سنكرة"، ويُطلق على الصانع "سنكري".

وعن أصل كلمة التكفيت نجد ذلك في كتاب الدكتور عبد العزيز صلاح أستاذ الفنون الإسلامية بجامعة القاهرة، حيث يقول، إن كلمة «تكفيت» مشتقة من الكلمة الفارسية «كفتن»، والتي تعني الدق، وهي أصل المهنة، وكان يُلقب ممتهن التكفيت أيضًا بكلمة المُطَعِم. 
وعن المثل الدارج «دا يعرف الكفت»، أوردت الدكتور شادية الدسوقي في كتابها عن الفنون العثمانية، إن هذا المثل كان يُطلق على ممتهن مهنة التكفيت، حيث صارت نادرة في العصر العثماني في مصر وهو عصر تميز بالتدهور الاقتصادي، واقتصرت التحف المكفتة على قصور الحكام وبيوت الأمراء.
ولمهارة هؤلاء الصناع صار من يحترف مهنة التكفيت مضربًا للمثل، «دا يعرف الكفت»، ويُطلق على الجمع من المكفتين كلمة «كوفتجية» وكان لهم سوقًا مشهورة في القاهرة وهي "سوق الكوفتجية".
ومفرد الكلمة كوفتجي، و"جي" هنا للملكية فصانع الكفت "كفتجي"، وصانع الأويمة "أويمجي"، وحامل البلطة السلطانية" بلطجي" وهكذا.