السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

الملكة حتشبسوت.. أعظم امرأة جلست على عرش مصر

أظهرت شخصية قوية خلال حكمها

الملكة حتشبسوت
الملكة حتشبسوت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تميز عصرها بالسلام والازدهار وتحسن قوة الجيش وتأمين الحدود المصرية وتوطيد وتنمية العلاقات والصلات الدبلوماسية والتجارية مع دول مصر المجاورة، إنها  حتشبسوت الملكة المصرية الوحيدة التي حكمت مصر في ظروف سياسية واقتصادية مستقرة‏،‏ خلال العصر الذهبي، في الفترة بين عامي 1473 و1458 ق م، على‏ عكس الملكات السابقات اللواتي كان الاضطراب سمة أساسية خلال فترة توليهن العرش.

حتشبسوت

نعلم عن الملكة حتشبسوت القليل من حياتها الشخصية، حيث لا يوجد سوى القليل من الوثائق الخاصة التي كتبتها هي، أو كتبت عنها، وتتفق هذه الفجوة في معرفتنا مع حقيقة أنه تم تدمير الكثير من آثارها ونقوشها، بعد موتها بفترة وجيزة جدًا.

وفي كتابه "ملكات مصر" يصف الدكتور ممدوح الدماطي أستاذ الآثار المصرية وزير الآثار الأسبق، الملكة حتشبسوت بأنها أعظم نساء عصرها، امرأة قوية طموحة ذكية تثق من مكانتها وقدرتها، مكنت لها الظروف فمكنت نفسها.

وحتشبسوت هي بنت الملك تحتمس الأول وأمها الملكة أحمس، تزوجت من أخيها غير الشقيق الملك تحتمس الثاني، ولقبت بالزوجة الملكية العظمى، وعند موته كانت الوصية على عرش ابنه الملك الطفل تحتمس الثالث، والذي كان عمره تسع سنوات آنذاك، فحكمت الى جواره من 1479 الى 1457 ق م.

الملكة حتشبسوت لم تكن الأبنة الشرعية لتحتمس الأول فحسب، بل كانت أيضا زوجة مقدسة للإله آمون، وهي وظيفة كهنوتية مهمة ظهرت مع بداية الأسرة الـ18 وكانت تشغلها عادة إحدى بنات الملك وإخوته.

فترة حكمها

طموح حتشبسوت ورغبتها في الحكم مع صغر سن تحتمس الثالث، أعدت لها ظروفًا مناسبة مكنت لها الاستقلالية بالحكم، خاصة وأنها كانت تشعر في قرارة نفسها بأنها صاحبة الدم الملكي وصاحبة الحق في ورثة العرش، ونظرًا لكون تحتمس الثالث طفلا صغيرا، وكانت أمه إحدى محظيات الملك تحتمس الثاني، زمع ذكاء حتشبسوت وطموحها للحكم، الذى ربما بدأت في ممارسته في فترة حكم أخيها وزوجها الضعيف تحتمس الثاني، هيأت الظروف السياسية في البيت الحاكم لها فرصة التربع على العرش والانفراد بالحكم حتى وإن كانت شراكة رسمية مع الملك الصغير.

ومع نهاية العام الثاني من حكم الملك الطفل تحتمس الثالث قامت حتشبسوت بتغيير وضعها من وصية على العرش إلى ملكة حاكمة بالمشاركة مع تحتمس الثالث، وبالطبع كانت هي الحاكم الفعلي للبلاد.

وطبقا للتقاليد الدينية المصرية في تلك الفترة اعتبرت حتشبسوت، خارجة على الشرعية الدينية للحكم، اذ أن الملك الحاكم يجب أن يكون ذكراً ممثلاً للمعبود "حورس" رب الملكية، حتى يمنح الشرعية الدينية والقبول لدى الشعب، لذا تطلب وضع حتشبسوت بعض معالجات سياسية دينية لتحمى جلوسها على العرش، خاصة أنها بدأت وصية على عرش ملك رسمي هو تحتمس الثالث.

سننموت

استخلصت حتشبسوت لنفسها بعض رجال الدولة الذين اخلصوا لها ومكنوا لها بالطبع مع الحصول على المقابل برفع مكانتهم في الدولة، وكان من أهم هؤلاء الرجال "سننموت"، مدير بيت أمون، وكان رجلا طموحًا يعرف كيف يدير الأمور لملكيته ولنفسه.

منذ بداية وصاية حتشبسوت على العرش، وبدأ صعود نجم "سننموت" وارتبط اسمه بكثير من أعمال وتكليفات حتشبسوت، فأصبح المربي الأول لأبنة حتشبسوت الأميرة "نفرو رع"، والمشرف على أعمال أمون، ومدير أشغال الملك في معبد أمون، وأشرف بعد ذلك على عمائر حتشبسوت، وكان المهندس المعماري لمعبدها بالدير البحري.

جميع هذه الوظائف مكنت لـ"سننموت" لكي يكون ذا قرار في حكم البلاد وربما منفردا في بعض قرارته دون الرجوع لمليكته، وأكثر من هذا فقد مثل نفسه في أوضاع تعبدية خلف أبواب بعض المقاصير الداخلية في معبد الدير البحري، وهو تجرؤ لا نظير له، وكان يفاخر بحظوته لدى حتشبسوت وبأنه يطلع على الغرف الخاصة بالقصر الملكي، وربما كان هذا سببًا في اختفائه بشكل مثير في أواخر عهد حتشبسوت إذ أنها لم تقبل بمثل هذا التعدي من خادم لها مهما بلغت مكانته التي هي منحتها إياه، خاصة وأنه كان قد أدى الدور الذي كُلّف به من قبلها.

اختفاء حتشبسوت 

عاشت مصر في عهد الملكة حتشبسوت عصرًا من أزهى عصور الحضارة المصرية، لتخلد اسمها بين أعظم حكام الدنيا، إلا أنها اختفت من على العرش في ظروف غامضة لم يستطع علماء الآثار حتى الآن معرفتها على وجه اليقين.

وعثر على أغلب آثار حتشبسوت وقد تهشمت، كأنها هشمت بفعل فاعل ليعتقد كثير من المتخصصين أنها كانت قد دمرت بأمر من الملك تحتمس الثالث انتقاما منه لحتشبسوت التي اغتصبت عرشه قرابة 22 عاما.

مومياء حتشبسوت 

في عام 1903 كشف عالم الآثار هوارد كارتر عن مقبرة 60 بوادي الملوك بالأقصر عثر بداخله على مومياوتين، الأولى لسيدة داخل تابوت وجد عليه بقايا نص هيروغليفي يذكر "المرضعة الملكية إين"، وهو اسم مختصر من اسم "ساترع ـ إين"، أي مرضعة حتشبسوت وبذلك نسبت هذه المومياء والمقبرة 60 بوادي الملوك بالأقصر إلى مرضعة حتشبسوت.

أما المومياء الثانية فكانت لسيدة بدينة لا يصاحبها أي نقوش ملقاه على الأرض، وظلت المومياء مجهولة حتى اقترحت عالمة الآثار الأمريكية إليزابيث توماس بأنها مومياء للملكة حتشبسوت، وفي عام 2007 قام عالم المصريات الدكتور زاهي حواس مع فريق مصري بإجراء دراسة خاصة على 4 مومياوات مجهولة لـ 4 سيدات من عصر الأسرة الـ18، اثنتان كان قد عثر عليهما في خبيئة الدير البحري ومحفوظتان في المتحف المصري بالتحرير، والأخيرتان من مقبرة مرضعة حتشبسوت رقم 60 بوادي الملوك، وكانت قد نقلت في وقت سابق إلى متحف التحرير أيضًا.

وأجريت الدراسة باستخدام بالأشعة المقطعية للمومياوات الأربعة، وكذلك لصندوق صغير من الخشب والعاج محفوظ بالمتحف المصري، وكان قد عثر عليه في خبيئة الدير البحري، وهو صندوق لأحشاء الملكة حتشبسوت إذا اسم الملكة على هذا الصندوق.

وكشفت الأشعة المقطعية عن مفاجأة مهمة، ساعدت على معرفة صاحبة المومياء البدينة، حيث أظهرت وجود ضرس محفوظ مع أحشاء حتشبسوت في الصندوق الصغير، وكما كان متبعا عند المصري القديم أن يحتفظ المحنط بكل ما يقع من المومياء أثناء التحنيط لقدسيته، وهنا عاد الباحثون لدراسة الأشعة المقطعية لمومياوات الإناث المجهولة، ليجدوا  أن موضع الضرس وجد في فك السيدة البدينة التي أتت من المقبرة 60 بوادي الملوك، وبذلك تأكد لهم أن هذه هي مومياء الملكة حتشبسوت.

وتم نقل مومياء الملكة حتشبسوت ضمن 22 مومياء ملكية أخرى في موكب ضخم من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية يوم 3 إبريل 2021.

آثار حتشبسوت

تميز عصر حتشبسوت بالعديد من الإنشاءات المعمارية، التي توضح مدى ازدهار عصرها، كما تمدنا  المناظر والنقوش التي دلّت عليها بفكرة واضحة عن تاريخ وإنجازات الملكة حتشبسوت، وكعادة ملوك الدولة الحديثة أسهمت حتشبسوت أيضًا في مباني الكرنك، بإقامة الصرح الثامن بالكرنك، وإقامة مقصورة للزورق المقدس لأمون رع.

لحتشبسوت العديد من الآثار في كوم أمبو والكوم الأحمر والكاب وأرمنت وإلفنتين، إلا أن أهم آثارها على الإطلاق هو معبدها الجنائزي الشهير في الدير البحري، والذي يُعد من أخلد أعمالها بتصميمه الفريد ونقوشه الرائعة.

معبد الدير البحري

قام "سننموت" ببناء معبد ضخم في الدير البحري، على الضفة الغربية في الأقصر، للملكة حتشبسوت مواجها لمعبد الكرنك الحرم الرئيسي لآمون الموجود على الضفة الشرقية، وقد سُمّي المعبد بالمصرية القديمة "جسر جسرو" أي أقدس المقدسات. 

يُعتبر "جسر جسرو" معبدًا جنائزيًا للملكة حتشبسوت، حيث تقام الطقوس لها بعد وفاتها حينما تتحول إلى حالة المعبود أوزير، ولم يكن المعبد مخصصا لها فقط، فقد كان المعبد يتضمن أجزاء مكرسة لوالدها الملك تحتمس الأول، والمعبودة حتحور، وكذلك  المعبود أنوبيس، كما خصصت مقصورة مكشوفة للسماء، مكرسة لمعبود الشمس "رع حور آختي"، وهناك مكانًا عظيما مكرسًا لآمون، وفي نهاية الفناء العلوي، على المحور الرئيسي للمعبد تم قطع ممر في الجبل ينتهي بقدس الأقداس.

تم تغطية جدران المعبد بمناظر تمثل طقوس المعبد، والأعياد الدينية، وكذلك نقل المسلات من المحاجر إلى معبد الكرنك، ولعل أكثر المناظر تميزًا تلك الموجودة بالشرفة الوسطى، والذي يمثل بعثة حتشبسوت إلى بلاد بونت التي ربما تقع حاليًا بالقرب من إريتريا، وقد تم تصوير سكانها، ومنازلها وكذلك البيئة المحيطة، بالإضافة إلى الثروات والحيوانات الغريبة التي جلبها المصريون معهم من هناك، وفي الجانب الآخر، تم تصوير كيف أصبحت حتشبسوت ملكًا شرعيا للبلاد، ليس فقط عن طريق تأكيد تعيين والدها تحتمس الأول لها كوريث شرعي له، بل أن والدها هو المعبود آمون نفسه. 

بلاد بونت

شهد عهد حتشبسوت فترة الهدوء والاستقرار والسلم الداخلي في كل ربوع مصر القديمة، مما أتاح المجال للازدهار التجاري، فخرجت القوافل والأساطيل البحرية التجارية المصرية، وهي تحمل المنتجات والمصنوعات المصرية إلى الدول  الأخرى في أقصى الشمال وأقصى الجنوب، لتعود وهي مُحمّلة بمنتجات تلك الدول، ومن  أهمها  بعثة حتشبسوت إلى بلاد "بونت"، حيث أمرت حتشبسوت في العام التاسع من حكمها إعداد خمس سفن كبيرة للرحلة إلى بلاد "بونت" وذلك تنفيذا لوحي الإله آمون، وجعلت حامل اختام دولتها "نحسي" قائد لهذا الرحلة، وتم تزويد السفن بالهدايا الكثيرة لرؤساء القبائل القاطنة هناك، وتمثلت الهدايا في النبيذ واللحوم والفواكه، كما حملت أيضاً مصنوعات مصر من حلي وأدوات وأسلحة. 

 وبتتبع الحركة التجارية البحرية في عهد الملكة حتشبسوت ولا سيما رحلتها إلى بلاد "بونت"، يتبين أنها استطاعت أن تزيد من ازدهار مصر بالداخل، وتأكيد سيطرتها بالخارج، ولا سيما بعد النجاحات العسكرية التي حققها أسلافها. 

بعثات حتشبسوت 

ومن الأحداث المهمة الأخرى التي وثقتها آثار الملكة حتشبسوت إرسال بعثة سلمية الى وادي مغارة في سيناء، وأنها فتحت مناجم الفيروز في سيناء، وأرسلت حملتين عسكريتين الى بلاد النوبة، الأولى في بداية عهدها، والثانية ضد تمرد في النوبة في العام 20 وكانت تحت قيادة الملك تحتمس الثالث، وحملة ثالثة الى فلسطين وسوريا قام بها أيضاً تحتمس الثالث وقد تم له فيها الاستيلاء على غزة. 

المسلة الناقصة

 تُعتبر المسلة الناقصة من أطول المسلات المصرية على الإطلاق، حيث يصل طولها إلى ٤٢ مترا وتزن 1168 طنا تقريبًا لو قدر الانتهاء منها ونصبها وتم اكتشافها في أوائل القرن العشرين بعد أن غطتها الرمال لآلاف السنوات في إحدى محاجر أسوان الشهيرة بصلادتها وجودتها العالية.

ويرجح علماء الآثار أنه بدأ نحت هذه المسلة غير المكتملة بتكليف من الملكة حتشبسوت "حوالي 1473-1458 ق م" لنصبها أمام معبد آمون في الكرنك، لكن توقف العمل بالمسلة الراقدة بعد ظهور العديد من التشققات في الحجر. 

مسلة الكرنك 

نجح فريق العمل من أثريي ومرممي ومهندسي المجلس الأعلى للآثار العام الماضي في ترميم وإقامة مسلة الملكة حتشبسوت الراقدة قرب البحيرة المقدسة بمعابد الكرنك، ويبلغ ارتفاع المسلة المنحوتة من حجر الجرانيت الوردي حوالي 11 مترا ووزنها قرابة 90 طنا، وهي مزينة بنقوش تصور الملكة حتشبسوت وعلاقتها بالمعبود آمون، وكذلك بها نقش لمناظر وأسماء المعبود آمون.

كانت هذه المسلة قد سقطت في العصور القديمة ربما بفعل زلزال مُدمّر اجتاح البلاد، وتركت بقاياها أعلى الرديم المتراكم فوق "صالة الوادجيت" التي أقامها الملك تحتمس الأول والد الملكة حتشبسوت، إلى أن قام الأثري الفرنسي جورج ليجران في مطلع القرن 20 بتحريك الجزء العلوي منها، ووضعها راقدة في مكانها الحالي قرب البحيرة المقدسة ليتمكن من إزالة الرديم الذي يغطي أعمدة وتماثيل وجدران هذا الجزء من المعبد.