الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

احذر من البقرة البنفسجية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يمكنك أن تبحث كثيرًا عن تلك البقرة البنفسجية. إنها زاهية الألوان. تستطيع أن تطير. يمكنها أن تقدم حليبًا كثيرًا مكثفًا ومحلىً. بل إن هذه البقرة لا تحتاج لمن يساعدها على الرعي إذ أنها تتغذى على أطعمة متنوعة، أيًا ما تقدمه لها يفيدها. هي بقرة ذكية تستطيع الاستجابة لك حين تناديها باسمها، وهي سريعة لذا يمكنك أن تستبدل فرسك بها لكن ليس لمسافات طويلة. هي رشيقة الحركة وخوارها هاديء لا يزعج كثيرًا. يمكنك أن تستثمر فيها استثمارًا جيدًا، حين تشتريها صغيرة وتبيعها في سن أكبر لتشتري بثمن بيعها بقرتين صغيرتين تكرر بهما الكرة. إنها بقرة يريد كل شخص أن يمتلك واحدة من نظيرتها، لكنها ببساطة غير موجودة. 

  يعد هذا التقديم للبقرة البنفسجية تعبير عن نوع من أنواع التسويق يُسمى "تسويق البقرة البنفسجية". ويقوم المسوق ببساطة بما ذكرناه في التقديم. إذ لا توجد بقرة لونها بنفسجي في الأساس، ولا توجد بقرة تجد فيها ما ذكرناه، لكن يوجد وسيط إعلامي يمكن من خلاله أن تقول ما تشاء عن أي شيء، ويمكن أن تقول الأشياء الغير معقولة بطريقة معقولة، وهذا ما يُخشى منه، فمثلًا حين تقول إن البقرة بنفسجية تكون هذه المعلومة معقولة لتبرير مصداقية ما ذكر بعدها، إذ لو جدت في الأساس بقرة بهذا اللون يصبح وجود المواصفات الأخرى بعد ذلك مقبولًا بعد قبولك فكرة وجود هذا اللون بين الأبقار.

   تم اللجوء لهذا التسويق بشكل واسع فيما يخص ترويج أفكار حول وجود كائنات فضائية. لم تنتشر هذه الأفكار كثيرًا قدر انتشارها في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة سباق اقتحام الفضاء بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية. فهناك آلة أمريكية إعلامية دعائية ذات كفاءة عالية الانتشار، وهناك حماس لدى الجمهور للتعرف على الكائنات الفضائية التي نريد الصعود إليها، فما بالكم لو هبطت لنا؟. ربما كانت أكبر بقرة بنفسجية هي أوصاف هذه الكائنات التي انتشرت دعائيًا من أجل بيع بعض المنتجات التي دعمت الشائعات أنها تحمي من تلك الكائنات المعتدية التي حلت بالأرض من أجل القضاء على البشر، وتروي الشائعة أن هذه الكائنات يمكنها التنكر.. لا تشبه البشر تمامًا لكن قريبة الشبه منهم، إلا أن هناك شيئًا واحدًا لا يمكنها أن تغيره، ألا وهو أن لها ستة أصابع في كل يد. وكان المواطنون في الشارع بالفعل يعدون أصابع كل من لا يعرفونه بنظرة خاطفة قبل التعامل معه. فالحق أنك لو صدقت وجود كائنات فضائية على الأرض، لمَ لا تصدق أوصافها؟ ولمَ لا تصدق أن منتجًا معينًا يحميك من وصول ترددات خوفك إليها؟!. كل الأمور تبدأ ببقرة بنفسجية واحدة. 

   يمكن أن تقيس ذلك على الكثير من أشكال الدعاية لتتحرى الصدق فيما يحيط بك. يمكن رؤية أبقار بنفسجية أكثر قدرة على الانتشار في حكايا الدعايات السياسية، لا سيما الصراعات بين الأحزاب المختلفة، إذ أن زعيم كل حزب هو شيطان مقرن، ويفعل الأفاعيل في كل مكان لا تريد أن تتواجد فيه، وهو غير صالح إلا للعزل عن المجتمع. وهو أمر متداول في أكثر الدول تطورًا أيضًا. لأنك إن صدقت فساد شخص ما لمَ لا تصدق ملامح ذلك الفساد. والبقرة البنفسجية عاطفية وسياسية في ذات الآن. إذ أن كرهك أو حبك أو خوفك تجاه شيء ما يجعلك مستعدًا للسير وراء ما يناسب عاطفتك، ومن ثم تبدأ الأرجحة السياسية لأفكارك بين مواءمات تساير عواطفك وتخلق أمورًا لا معقولة بطريقة تكون معقولة أمام عواطفك.

إن ما ذكرناه حول الأبقار البنفسجية يمكنك أن تتبعها للتعرف على الصحيح وغير الصحيح فيما يحيط بك، تستطيع أن ترى المبالغات الكبرى لتضعها في مختبر البنفسجيات قبل أن تنساق نحوها. إن علامات المبالغة ذاتها هي التي تقود عقلك للتعرف على كذب البنفسجيات، إذ أن وجود عدد ضخم من المبالغات لا يستقيم أحيانًا ليشكل قصة صحيحة بطريقة مناسبة. لكن لا يمكننا أن نرى ذلك إلا حين ننظر للأمور من خارج صندوق ذواتنا بما نحب ونكره ونأمل شخصيًا. فلنحذر في كل وقت لا سيما أوقات الصراعات والحروب حتى لا تعظم الخسائر.