الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

زراعة الرقائق الدماغية للمصابين بالشلل.. بين الآمال والمخاوف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليس هذا الخبر من قبيل الخيال العلمي أو حتى المزحة الثقيلة بل هو الأكثر إثارة للجدل حاليًا في الدوائر الطبية والمؤسسات الصحية في العالم بأسره. وهو بالتأكيد الموضوع الأول في دائرة اهتمام المصابين بالشلل وأسرهم. إنها شركة نيورالينك الأمريكية التي يملكها إيلون ماسك، الملياردير الأغنى في العالم، تعلن أنها أصبحت مستعدة تمامًا للقيام بما كان مستحيلًا تصوره من قبل بدخول أدمغة البشر وزراعة شريحة إليكترونية داخلها تتولى نقل الأوامر لأعضاء الجسم لتؤدي أدوارها الطبيعية وجعل الروبوتات الآلية حقيقة واقعة بينما نحن على قيد الحياة.

الشركة أعلنت أنها تبحث عن تجنيد أشخاص مصابين بالشلل لاختبار جهازها التجريبي كجزء من دراسة سريرية مدتها ست سنوات، وذلك بعد أن طوّرت جهازًا إلكترونيًا يمكن زراعته داخل الجمجمة ليساعد البشر على التفاعل مع أجهزة الكمبيوتر لتلقي أوامر الحركة بعد أن انهت التجارب على الحيوانات. يُطلق على الجهاز اسم «Brain-Computer Implant (BCI)»، ويتطلب عملية جراحية معقدة يديرها روبوت، حيث يتم وضع الجهاز في تلك المنطقة المحددة من الدماغ المسؤولة عن الحركة.

صحيح أن هذا الجهاز ليس الأول من نوعه الذي يتم زراعته في جسم الإنسان، حيث سبق أن حققت أجهزة تنظيم ضربات القلب أداءً جيدًا لمرضى القلب، غير أن تقنية الرقائق الدماغية «BCI» ترفع التوقعات إلى مستوى أعلى بكثير مما تحقق من قبل من خلال تمكين جزء داخلي من الجسم من التواصل مع جهاز خارج الجسم. لذلك، فالذكاء المتاح في هذا الجهاز مثير للإعجاب لأنه يجعل التفاعل مع أجهزة الكمبيوتر بطريقة طبيعية.

الموافقة التي حصلت عليها الشركة تمكّنها من إجراء تجارب بشرية على المصابين بالشلل وتضم إصابات الشلل الرباعي والنخاع الشوكي والتصلب الجانبي الضموري، ومن المأمول أن تمكّنهم هذه الشريحة في نهاية المطاف من استعادة السيطرة على حركتهم.

هذا الاكتشاف سيفتح طاقة أمل للبشرية لو صح أنه لا يعالج فقط المصابين بالشلل، ولكن أيضًا المصابين بالتوحد والفصام والاكتئاب والسمنة، وقد شاهدتُ عددًا من الفيديوهات المصورة في أمريكا والتي ترصد ردود فعل أفراد من عائلات المصابين ولم أتمالك نفسي من البكاء تأثرًا بأحد أولياء الأمور وهو يعتبر الرقائق الدماغية أهم هدية تمسح دموع ابنته بينما العالم يحتفل بأسبوع التوعية بالشلل الرباعي وإصابات الحبل الشوكي العنقي والتوحد والتثلث الصبغي وصعوبات الإعاقة المركبة. إن أي أسرة لديها شخص يعاني من هذه الإعاقات تعتبر هذا الكشف الطبي بمثابة المعجزة التي تبعث فيها الحياة من جديد!.

لكن هذا يقودنا لسؤال أهم: هل هذا الرقائق آمنة تمامًا أم تنطوي على مخاطر تهدد حياة الإنسان؟

يتخوف بعض العلماء وناشطو المجتمع المدني حول مدى «شفافية» النتائج التي تم الإعلان عنها بعد التجارب على الحيوان، ويدّعون بأن بعض الحيوانات التي كانت جزء من التجارب السابقة قد ماتت أثناء هذه العملية، مما يثير المخاوف حول ما إذا كان الأشخاص المشاركون في التجربة سيواجهون نفس المصير أيضًا.

وقد نفى إيلون ماسك هذه المزاعم، مؤكدًا أن جميع الحيوانات نجت بالفعل، رغم اعترافه بأن بعضها كان على وشك الموت أثناء العملية. لكنّ بعض التقارير أشارت بالتحديد إلى مجموعة من المشكلات الصحية التي عانت منها بعض القرود والخنازير على إثر تلقيها الشريحة.

وشمل ذلك الالتهابات وتورم الدماغ والنوبات الانفعالية والإسهال الدموي قبل القتل الرحيم. ناهيك عن مشكلات أخرى محتملة مثل بطارية الليثيوم الخاصة بالجهاز، وإمكانية انتقال أسلاك الشريحة داخل الدماغ، والتحدي المتمثل في استخراج الجهاز بأمان دون الإضرار بأنسجة المخ.

أما أهم المخاوف التي يتوقف عندها خبراء في أخلاقيات التقنيات العصبية -وهم بمثابة ضمير الناس والمدافعين عن حقوقهم أمام تغول العلم- فتتعلق بتضارب المصالح لدى "ماسك" وكيف أنه لا يصلح أخلاقيًا لهذا المشروع العلمي لأنه يرأس منصة تويتر التي تجمع بيانات أكثر من ٣٠٠ مليون مستخدمًا.

ولا ينبغي أن يرتبط بعمليات لتقييم الدماغ والتأثير عليه. كما أن سلوكه على المنصة يوحي بأنه يستخدمها للتأثير في الرأي العام من خلال توجيه أداء شركاته في أسواق المال والتأثير على الناخبين مثلما كان يوجههم للتصويت للجمهوريين قبل الانتخابات النصفية الأمريكية كما رأيناه يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ناتنياهو المتورط في جرائم قتل وتعذيب الفلسطينيين!

ماذا بعد وكيف يمكن الاستفادة من هذا الجهاز وكيف سيغير حياة الإنسان؟ لم يتضح بعد كيف ستغير تقنية (BCI) الحضارة الإنسانية وتجعلها تتوافق بشكل جيد مع الذكاء الاصطناعي والآلات دون ضرر عميق. وسواء كنا سنحصل على تكنولوجيا مخيفة تفتقد للأخلاق، أو سنكون على ما يرام في أن نصبح إنسانًا آليًا، فهذا أمر لم تتضح بعد تفاصيله. ومع ذلك، يمكننا أن نقول على وجه اليقين إن إيلون ماسك وشركته يغيران الطريقة التي نتخيل بها التفاعل البشري مع الكمبيوتر. دعونا لننتظر ونرى كيف يتم ذلك في المستقبل القريب!

ألفة السلامى: صحفية متخصصة في الشئون الدولية