الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"البيئة والمناخ" وعلاقتها بالعمارة وتغير الطبيعة

حسن فتحي
حسن فتحي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يشغل ملف التغيرات المناخية الكثير من دول العالم لما لها من تاثيرات بالغة على الدول ، فيسعى العالم اجمع الى ايجاد الحلول في سبيل التغلب التأثيرات السلبية الناتجة عن التغير المناخي ، وبالتزامن مع "قمة المناخ الإفريقية" الذي تم انعقاده  في العاصمة الكينية نيروبي نجد ان هناك من تحدث عن البيئة والمناخ وعلاقة ذلك بالعمارة فللراحل حسن فتحي كتابة تحت عنوان " العمارة والبيئة  ناقش فيه كيف اختص الله سبحانه وتعالى الإنسان في تغيير الطبيعة وحده دون باقي المخلوقات بتغيير الطبيعة إلى حد كبير ووضع تكويناته المعمارية وتشكيلاته التخطيطة إلى جانب التكوينات التي هي من صنع الله، كما يجيب عن تأثير البيئة في الظروف المحيطة بها  وإلى التقرير.. 
 

القدماء راعوا الظروف البيئة في عمارة معابدهم 
ذكر المهندس المعماري الراحل حسن فتحي في كتابه " العمارة والبيئة " مفهوم البيئة قائلا: إن البيئة تعتبر هي الظروف المحيطة التي تؤثر في النمو والحياة ، وهناك بيئتين ، أما الأولى فهي البيئة الطبيعة التي هي من صنع الله وتشمل كل ما يقع على السطح الجغرافي ويكون المنظر الطبيعي من جبال وأدوية وأنهار وبحيرات ، وما عليه من نبات وحيوان ، كما تشمل أيضا الجو المحيط بالأرض من حيث المناخ البارد أو الحار والرطب أو الجاف وما وراء هذا الجو من الكون الكبير بنجومه وأبراجه  الفلكية الذي دخل في وعي الإنسان منذ القدم بأن له تأثيرات في الحياة على سطح الأرض مما جعلهم يراعونها في عمارة معابدهم، وبدأ يدخل في وعي الإنسان الحديث بتقدم علوم الفلك والطبيعة التي تكاملت في علم واحد يسمى " استروفيزيقا" ، وخاصة الطبيعة النووية وعلوم الحياة والنبات. 
وأضاف فتحي: إن البيئة الأخرى هي البيئة الحضرية التي من صنع الإنسان من منشآت في البيئة الطبيعية من مبان وعمارات ومنشأت وطرق وساحات وحدائق وأشجار وأدوات وإضاءة وعربات وعلامات مرور واعلانات والإنسان نفسه بملابسه ، وأزيائه المختلفة ، وبالإختصار كل ما تتكون منه المدينة وما تأويه من إنسان وحيوان ونبات.
أشار فتحي إلى أنه على المعماري أن يحترم البيئتين فيما يضعه فيهما من منشآت فإذا لم يحترم البيئة الأولى _ التي هي من صنع الله _ كانت خطيئة ، وإذا لم يحترم الثانية مكانت قلة إحترام لمن سبقوه؛ شريطة أن يكون من سبقه قد احترم البيئة الأولى. 
بيّن فتحي أن التغير هو من سنن الحياة التي تشمل كل ما في الكون وما يكون البيئة بمنا في ذلك الإنسان نفسه ، وهو الأمر الذي يحتم عليه أن يجتهد باستمرار في تشغيل ذكائه في تفاعله مع البيئة لمسايرة التغير والتحول الحادثين فيها وذلك فيما يقوم بعمله ؛ وإلا كان ذلك نشازا أو جمودا ، فالتغير نفسه محايد ، فإذا لم يكن للأحسن فسيكون للأسوأ بطبيعة الحال.
أوضح فتحي أن التغير في العمارة هو نوعين ، إما تطور في نفس الإتجاه والملامح على دورات متكاملة يمكن الإنسان تتبع حلقاتها وأن يربط ببينها كما هو الحال في تطور مختلف الطرز المعمارية ، وإما تغير كلي بلا رابط بين السابق واللاحق .
يشير فتحي أيضا إلى أننا إذا سرنا على هذا النمط الأخير في عمليات التغير إلى أقصى الحدود فسوف نصل إلى العماء ؛ لأنه لن يجد الإنسان حينئذ أي نقطة ثابتة يرجع إليها ليحدد مكانه في الزمن أو لكي يدرك أي معنى للتغير، وأن التغير أو التطور في نفس الإتجاه ييستلزم وجود بعض العناصر سواء من الأشكال المعمارية أو من مبادئ التصميم مما يعتبر من الثوابت أو الحتميات مع بعض التغيير تبعا لرؤية المجدد في موائمة الظروف المستجدة ، إما لاستكمال حلول لم تتبلور وتكتما حلقاتها بعد، وإما وجود تباديل وتوافيق لنفس الحلول مما يستحق الاخراج والتجربة ، مما يعتبر من التلقائيات ، ولكل دورة من دورات التطور بداية وذروة ونهاية ، فإن الحيوية والضمور ليكمنان كما يكمن السالب والموجب في كل الكائنات الحية بحسب معدلات ونسب تتقرر بما وضعه الخالق في مخلوقاته من حيوية منذ البداية ومنها الإنسان نفسه ثم ما يقوم به هذا الإنسان من نفسه من مختلف نواحي نشاطاته الثقافية ومنها العمارة .
وتابع فتحي : تتميز البداية دائما بالبساطة والقوة وتغلب نسبة الحيوية على الضمور وتتغير هذه النسبة شيئا فشيئا مع الزمن بشكل يمكن التعبير عنه بخط بياني على شكل منحنى قطع مكافئ، مما يطلق عليه علماء الرياضة " منحنى الاحتمال" الذي تخضع له كل دورات الحياة ، حيث تزداد معدلات التطور ونسبة الحخيوية من البداية حتى الذروة تقل وتنحدر إلى أن تصل إلى الضمور والفناء في النهاية ؛ وإننا لنرى ذلك ممثلا في تطور الطرز المعمارية التاريخية كالفرعونية والإغريقية. 
 

العمارة الأوربية لم تراعي العوامل البيئية المحيطة 
 

قال  المهندس حسن فتحي: إن مصر تعاقبت عليها عدة عصور معمارية هي الفرعونية والمسيحية الأولى والإسلامية وأخيرا العصر الحاضر ‘ إلا أن العمارة في العصور الثلاثة الأولى كانت مصرية صميمة حيث كانت الأشكال المعمارية نلبعة من وجدان المعماري وصاحب الحرفة المصريين في تفاعلات ذكائهما مع البيئة المصرية ، أما من حيث العمارة الفرعونية فإن هذه التفاعلات قد تعدت البيئة الجغرافية وأمتدت إلى البيئة الفلكية واستمرت في حركة تطورها الطبيعية إلى أن تغيرت العقيدة الدينية بدخول المسيحية.
وأضاف فتحي: دخلت العمارة الأوربية على يد إسماعيل باشا من طراز النهضة الإيطالية إلى البلاد مبتدئا بقصوره وبدور الجكومة ولجأ المعماريون الأجانب من فرنسيين وايطاليين لعمل التصميمات التي نفذها أهل الحرف المصريون في المعظم والغالب ، ولما كانت التحولات  لا تحدث طفرة واحدة فقد أصبحت العمارة المصرية خليطا من الطرز الأوربية التي فيها العلم البناء المصري بين الكرانيش الكلاسيكية والمقرنصات الإسلامية وقد امتزجت بذلك خطوط التحليل النفساني التي رسمها الأوروبيون من وحي وجدانهم والخطوط التي رسمتها مصر على مر الأجيال والقرون إلى أن زالت تلك الخطوط المصرية والأوربية على السواء بدخول العمارة الأوربية التي تدعى حديثة إلى البلاد منذ حوالي الأربعينات وشمول استعمالها للمباني العامة والخاصة في جميع أنحاء العالم من الجنوب إلى الشمال ، وفي الواحات دون مراعاة للعوامل الجوية والبيئية والطبيعية .
بيّن فتحي أنه من المشاهد المؤسفة عدم وجود ردود فعل سليمة وشعور بالألم من جراء عملية فقدان الشخصية في العمارة التي تعتبر من أهم أركان الثقافة ، وهي ظاهرة خطيرة بالنسبة لحيوية الأمة العربية الأمر الذي لا يمكن علاجه سواء بالنقد والبحث والدراسة وتطبيق آخر ما وصلت إليه من العلوم الطبيعية والإنسانية ، وبالنشر والتعريف بطبيعة المشكلات وحقيقة الأمور التي تؤخذ على علاتها على أوسع نطاق وعلى المستويات كافة.