الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران سعد سيروب يجيب عن سؤال «لماذا الاعتراف عند الكاهن؟»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقول المطران سعد سيروب لماذا  الاعتراف عند الكاهن؟

سألني أحدهم عن الاعتراف لدى الكاهن: لماذا يجب الاعتراف لدى الكاهن؟ ألا نستطيع أن نذهب إلى الله مباشرة؟ أليس الله قادر على أن يغفر خطايانا وهو يعرف دواخلنا ويقرأها؟ يمثل هذا السؤال قضية كبيرة في إيماننا المسيحي وهي قضية الغفران.. وأريد أن أجلب الانتباه الى نقطتين أساسيتين فيه:

المسألة الأولى هي أن إيمان الكنيسة اليقيني يقول أنك إذا ركعت وسجدت وطلبت بمحبة شديدة لله الغفران من كلّ قلبك نادمًا على خطاياك، فإن الله مستعد أن يغفر لك خطاياك. تؤمن الكنيسة أنه إذا تاب الشخص بصدق، أي توبة صادقة وحقيقية، وليس مجرد هروب من القصاص أو العقاب، بل توبة ملئها الحب لله وللخير وطلب الغفران في قلبه على خطاياه، فإن الله سيغفر له خطاياه.

أكيد أن هذه التوبة يجب أن يُصاحبها معرفة وإدراك حقيقي وصادق للخطايا المرتكبة والشرّ المقترف، فإذا ولدت التوبة فيَّ حبّا داخليا ونمت في داخلي إرادة الخير والحبّ، وتوجهت إلى إله العطاء والخير والجودة فأن الله بالتأكيد يعطيني الغفران.

ولكن دعوني أشير الى مسألة ثانية ومهمة في هذه القضية وهي أن الخطيئة ليست أمرا شخصيا وفرديا فحسب، أي بيني وبين الله وحدنا. الخطيئة تملك بُعدا اجتماعيا، أفقيا. فمهما كانت خطيئتي شخصية وفردية إلا أنني بارتكابها أهين جسد الكنيسة وشركة الجماعة فيها، والبشرية جمعاء. وهذا البعد الاجتماعي أو الافقي يحتاج إلى الإصغاء على مستوى الجماعة أيضا (في القرون الأربعة الأولى كان سرّ التوبة يمارس علنيا وأمام الجماعة الكنسية).

فالغفران يجب أن يأتي من الجماعة أيضا. فكما قلت أن الخطيئة لا نقترفها تجاه الله وحده، بل تجاه أخوتنا البشر، وبالتالي هي إهانة إلى الشركة والجسد الكنسي ككل. ومن هنا الحاجة إلى سرّ التوبة والمصالحة في الكنيسة الذي يمثل دمجا جديدًا وحقيقيًا للإنسان الخاطىء في الجماعة.

سرّ الاعتراف أذن هو نعمة كبيرة أعطيت ليّ من الرب يسوع المسيح من خلال رسله كنيسته بها استطيع التحرّر من الخطيئة ببعدها الاجتماعي وأجد الغفران من الأخوة من جديد، واندمج مرّة أخرى في الجماعة، جماعة أبناء الله، التي هي جسد المسيح السرّي. ومن هنا أهمية الاعتراف لدى الكاهن. الكاهن يمثل الجماعة التي تعيش الغفران. والسرّ ليس نوعا من التحديد والشرط الذي تضعه الكنيسة على محبة الله، لا ابدا.

السرّ هو التعبير والعلامة الخارجية والواقعية التي تمثل محبة الله وغفرانه ومحبته اللامحدودة واللامشروطة. هذه المحبة التي تعبّر عن ذاتها واقعيا في شخص الكاهن، في شركة الكنيسة، التي منا ايضا استلم الغفران واستطيع أن ابدأ من جديد.

فحلّة الكاهن من الخطايا ضرورية بطبيعتها لكي أتخلص من قيود الخطيئة واندمج مرّة اخرى من جديد في إرادة الله، وأدخل في شركة جديدة مع الكنيسة، التي تمثل اليقين، الى حدّ الملموس، ان الله غفر ليّ خطيئتي وأنه يقبلني مرّ أخرى في شركة معه ومع أخوتي ابنائه في المسيح. فسرّ الاعتراف هو فرصة لاكتشاف جودة الله ومحبته بشكل ملموس ويقيني.

المسيح بعد قيامته من بين الأموات وضع بيد الرسل سلطة غفران الخطايا قائلا لهم: "نفخَ فيهم وقال لهم: "خُذوا الروحَ القُدس. مَن غفرتم لهم خَطاياهم تُغفر لهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم" (يوحنا 20: 22-23)؛ أعطى المسيح الكنيسة من خلال شخص الرسول بطرس وتلاميذه خدمة المصالحة وغفران الخطايا (متى 16: 19).

أفضل نص لفهم الغفران والمصالحة موجود عن بولس الرسول الذي يقول: "هذا كلّه من الله الذي صالحنا بالمسيح وأعطانا خدمة المصالحة" (2 كور 5: 18-20)، ولهذا يطلب من المسيحيين أن "بِاسمِ المسيح أَن تَدَعوا اللّهَ يُصالِحُكُم". لم يقول تصالحوا انتم مع الله؛ بل قال: "دعوا الله يصالحكم"، بالطريقة التي ارادها وشائها منذ الأزل في يسوع المسيح.

من هنا تأتي ضرورة الكاهن الذي يمثل واقعيا وجسديا غفران المسيح الذي يمنح لنا. أعتقد أن من يعتقد أن الغفران يجب ان يكون شخصيا، بيني وبين الله وحده، يقع في تجربة كبيرة: انه يحول الغفران الى نوع من التبرير الذاتي، وعندها يطرح السؤال مرّة اخرى علينا: من قال اننا اعترفنا بإدراك ومعرفة حقيقية بخطايانا؟ أليس من الممكن أن نكون ارتكبنا منها المميت والشنيع وبررنا أنفسنا على اعتبارات ذاتية وشخصية؟ أليس من الممكن ان نكون قد حولنا الاعتراف الى نوع من التعلق بالذات اكثر منه التعلق بالله ووصاياه ومحبته؟ وكيف نعرف أن الله غفر له؟ الكاهن يمثل هذا الجانب الواقعي المتجسد للغفران الذي أعطانا إياه الله في المسيح.

اترككم مع صيغة الحلّة في سرّ الاعتراف في كنيستنا الكلدانية: "يا الهنا المملوء رحمة أفض حنانك على خادمك هذا، واغفر خطاياه وخلصه منها، وليجدده روحك القدوس وليثبته في سلوك طريق البر والقداسة".