الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د.على الدين هلال يكتب: انفجار مرفأ بيروت.. البحث عن الحقيقة والعدالة فى لبنان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بمناسبة الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت فى ٤ أغسطس ٢٠٢٠، خرجت مسيرة حاشدة فى شوارع بيروت من أسر الضحايا الذين يشعرون بالظلم والغضب، يرفعون شعار «نريد الحقيقة والعدالة». وانتقدت وزارتا الخارجية الأمريكية والفرنسية التأخر فى إجراءات التحقيق، وطالبتا بضرورة الإسراع فى توجيه الاتهام للمسئولين عن الانفجار. وذكرت منظمة العفو الدولية أن السلطات فى لبنان تستخدم القانون لحماية المسئولين الذين ينبغى محاسبتهم
كان حادث انفجار المرفأ مروعًا بكل المعايير، ويعتبر واحدًا من أعنف التفجيرات غير النووية التى شهدها العالم، فقد أودى بحياة ٢٢٠ شخصًا، وإصابة قرابة سبعة آلاف شخص، منهم ألف طفل وتدمير الآلاف من المبانى والممتلكات والسيارات.


ورغم أن حادثة بهذا الحجم لا يمكن إخفاؤها أو تحويل الأنظار عن أسبابها والمتسببين فيها، ورغم أن روسيا قدمت لسلطات الادعاء اللُبنانى الصور التى التقطتها الأقمار الصناعية الروسية، فقد تم انقلاب سياسى ضد التحقيق، ترتب عليه أن الادعاء اللبنانى لم يكمل مهمته حتى الآن. فلم يتم توجيه الاتهام إلى أحد، وتوقف التحقيق ثلاثة عشر شهرا ليعود مرة أخرى لفترة قصيرة توقف بعدها مرة أخرى.
ويرجع ذلك إلى الاعتراضات والمعوقات التى فرضتها بعض القوى السياسية اللبنانية لمنع التحقيق من أن يأخذ مجراه، فامتنع مجلس النواب عن رفع الحصانة البرلمانية عن أعضائه من النواب والوزراء السابقين الذين تم توجيه الادعاء لهم. ورفضت وزارة الداخلية إعطاء الأذن لكبار رجال الأمن للإدلاء بشهاداتهم أمام المُحقق العدلى المُكلف بالتحقيق.
وعندما أصدر المحقق أمر ضبط واستدعاء د. حسان دياب رئيس الوزراء الأسبق للإدلاء بشهادته وتم إبلاغه بالتاريخ، ففى هذا اليوم تبين أنه غادر البلاد إلى الولايات المتحدة رغم علم جهات الأمن بقرار المحقق. 
ومنذ البداية، أطلقت هذه القوى حملات التشكيك فى مقاصد المحقق العدلي. بدأت هذه الاتهامات مع القاضى فادى صوان حتى تم تنحيته عن القضية فى فبراير ٢٠٢١، فتولاها القاضى طارق بيطار، الذى استمر على منوال سلفه فى تعقب المسئولين عن الحادث. فتم توجيه الاتهامات له ورفعت ضده أكثر من عشرين قضية أمام هيئة القضاء العليا لإبعاده عن النظر فى قضية المرفأ.
وتوقف التحقيق أكثر من مرة، كان آخرها لمدة أكثر من عام، حتى يناير ٢٠٢٣ عندما أعلن القاضى بيطار عودة التحقيق، ووجه الادعاء لعدد من المسئولين، كان من بينهم النائب العام التمييزى القاضى غسان عويدات بسبب قرابته لأحد المتهمين.
وكرد فعل لقرارات القاضى بيطار، أصدر عويدات قرارا بالإفراج عن جميع الموقوفين رهن التحقيق فى القضية، وأبطل قرارات بيطار بدعوى أنها مخالفة للقانون متهما إياه باغتصاب السلطة. لم تتوقف قرارات عويدات عند هذا الحد، بل أصدر قرارا بمنع سفر بيطار وطلب إبعاده عن التحقيق. وترتب على ذلك، إعلان بيطار فى فبراير إرجاء جلسات التحقيق وبدأ عراك قانونى، وتبادل للاتهامات بين بيطار وعويدات، مما يشير إلى أن التحقيق قد دخل فى نفق مظلم لا تبدو نهاية له. 
من الناحية القانونية هناك سؤالان، يسعى المحقق العدلى للوصول إلى إجابة لهما. الأول، من اتخذ قرار حجز السفينة روسوس التى وصلت مرفأ بيروت نوفمبر ٢٠١٣، وحملت كمية هائلة من نترات الأمونيوم قدرت ب ٢٧٥٠ طنًا، وكانت متجهة إلى موزمبيق، ثم أمر بتفريغ حمولتها إلى العنبر رقم ١٢ بالمرفأ بعد ذلك، ولصالح من تم اتخاذ هذا الإجراء؟
والثانى هو، ما هى مسئولية الإدارات المختلفة التى تعاقبت على إدارة المرفأ عن استمرار وجود هذه المواد لعدة سنوات دون نقلها إلى مكان آمن، رغم معرفتها بان الميناء هو موقع مدنى لا ينبغى أن يتم تخزين مواد قابلة للاشتعال فيه؟ ومن الواضح، أن هناك أشخاص وهيئات سياسية نافذه نجحت فى منع المحقق من استكمال تحقيقاته والاستماع إلى الشهود للإجابة على هذين السؤالين.
لذلك، تبنت لجنة أسر ضحايا الحادث وعدد من جمعيات حقوق الإنسان فكرة إنشاء لجنة دولية للتحقيق فى انفجار المرفأ، مثلما حدث من قبل فى جريمة اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري. يرى المؤيدون لهذه الدعوة أنه لا بديل عنها، ففى ظل الأوضاع السياسية المأزومة فى لبنان، وغياب رئيس الجمهورية ووجود حكومة لتصريف الأعمال لا تمتلك صلاحيات كاملة، فإن القضاء اللبنانى عاجز عن استكمال التحقيق والكشف عن الحقيقة.
أما المعارضون، فيتخوفون من تدويل التحقيق ويشيرون إلى أن الدول الكبرى ليست «حِملان وديعة»، وأن لها أهداف واتصالات مع بعض الأطراف اللبنانية، مما لا يضمن نزاهة التحقيقات التى سوف تجريها هذه اللجنة. وظهرت أراء للتقريب بين وجهتى النظر، مثل تكوين لجنة تحقيق مختلطة من قضاة لبنانيين وأجانب أو تكوين لجنة تقصى حقائق دولية يقتصر دورها على تقديم الأدلة الموضوعية وتعمل جنبًا إلى جنب مع القضاء اللبناني. 
يعلمنا التاريخ أن الإفلات من العقاب له نهاية، وأن العدالة تأتى ولو بعد حين، طالما استمر النضال من أجل كشف الحقيقة.