الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

فريديريك إبارفييه يكتب: «بوصلة» لتحديد الاتجاهات.. الاتحاد الأوروبى وسياسة فرض السيادة الجيوستراتيجية على الدول القومية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أعلنت أورسولا فون ديرلاين، التى أصبحت رئيسة المفوضية الأوروبية منذ عام ٢٠١٩، أن المفوضية يجب أن تصبح لجنة جيوسياسية. وهى هنا تتحدث عن اللجنة بقدر ما تتحدث عن مدة ولايتها. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة للاتحاد الأوروبي: غموض المفردات يسمح بانحراف الفعل، وبالتالى ممارسة لعبة القوة على حساب الأمم.
فبعد ٤ سنوات من العمل انتهى المجلس الأوروبى فى ٢١ مارس ٢٠٢٢ بولادة عمله العظيم: «البوصلة الاستراتيجية». وثيقة سميكة من ٤٧ صفحة مكتوبة بشكل سيئ، ثقيلة محشوة بالتكرار مليئة بالتنازلات الموحلة.
عند تصميم «البوصلة» كانت فرنسا تركز سياستها الخاصه «بالمحيطين الهندى والهادئ». ولكى تحصل على دعم الإسبان الذين لا يستطيعون مساعدتها وافقت فرنسا على إدراج إشارة إلى أمريكا اللاتينية التى تهم الإسبان بينما ظلت منطقة المحيطين الهندى والهادئ.
وقد حددت «البوصلة» الأولويات. إليك بعض الفقرات «١»: «لن يتحقق الأمن والاستقرار فى منطقة غرب البلقان.. فى جوارنا الشرقى بينما تتعرض أوكرانيا لهجوم مباشر من قبل القوات المسلحة الروسية.. منطقة القطب الشمالى تتغير بسرعة».
أزمات ليبيا وسوريا ما زالت دون حل
الاستفزازات فى شرق البحر المتوسط وكذلك الإجراءات أحادية الجانب ضد الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.. لأفريقيا أهمية استراتيجية.. وفى الشرق الأوسط وفى منطقة الخليج.. وظهرت مساحة جديدة من المنافسة العالمية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، حيث تهدد التوترات الجيوسياسية النظام القائم على القواعد «من الملاحظ أننا نتحدث عن القواعد وليس عن القانون». وكذلك فى آسيا.. وأخيرًا لنا روابط تاريخية وثقافية وثيقة مع أمريكا اللاتينية.
نحن أمام لعبة من الألعاب النارية، حيث يتم وزن كل كلمة بالمليجرام. فبينما نتحدث عن كل شيء فإننا نتحدث عن لا شيء. نحن بعيدون عن أن نصبح قوة عظمى. هذا هو الحال فى بروكسل. كل شيء قابل للتسوية والتفاوض وهو مجال يبرع فيه الفرنسيون فهم أكثر اهتمامًا بإلقاء الخطب الجيدة أكثر من الحصول على النتائج فهم دائما فى وضع رد الفعل.
لقد تم نشر الوثيقة المرجعية باللغة الإنجليزية بعنوان A Strategic Compass for Security and Defence، ونلاحظ أنها أستخدمت مصطلح «Compass»، وهو يشير إلى المكان الذى يريد أن يتجه إليه الشخص ولم تستخدم مصطلح boussole الذى استخدمته النسخة الفرنسية، وهو يشير إلى الشمال فقط، وهذا يعنى أن النسخة الفرنسية كانت أقل دلالة ودقة.
لكن كتابة «البوصلة» بشكل سيئ لا يهم فى الواقع.. بالنسبة إلى اللجنة فإن ما يهم هو إثبات القدرة عن الدفاع والاهتمام به حتى لو كان بطريقة فوضوية ومتناقضة ٢. وعندما نتعامل مع محتوى هذا النص نكتشف أن الاتحاد الأوروبى فى طريقه لاتخاذ الإجراءات والميزانية والوسائل اللازمة مما يسمح لها على المدى الطويل بالأمل باستبدال الدول القومية فيما يقع ضمن نطاق سيادتها.. ألا وهي:
- سياسة للأمن السيبرانى والمعلومات لعام ٢٠٢٢.
- تعزيز الاستثمارات الأجنبية لعام ٢٠٢٢. 
- قدرة تحليل استخبارات مشتركة وفريدة من نوعها «خاصة بالمفوضية الأوروبية» لعام ٢٠٢٢، وقدرة استخبارات الأقمار الصناعية الخاصة بها لعام ٢٠٢٥.
- إعادة كتابة المادة ٤٤ من المعاهدات، لتكون قادرة على القيام بعمليات عسكرية مشتركة.
- قدرة انتشار ٥٠٠٠ جندى لعام ٢٠٢٥ مع وسائل انتشارها المعدات «كطائرات وقطارات، إلخ».
- القدرة على التخطيط والتنفيذ العسكرى «مخطط لهيئة الأركان العامة».
كل شيء مصحوب بزيادة فى الموارد مع الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على المشاريع المشتركة «من اختصاص الاتحاد الأوروبى». فيما يخص هذه النقطة لم تجد المفوضية الأوروبية بعد الحل التقنى لجعل هذا الإجراء قابلًا للتطبيق وفعالًا.


واستنادًا إلى قوة «البوصلة» التى سمحت لها بالتعامل مع قضايا الدفاع اقترحت اللجنة على المجلس الذى اجتمع يومى ٢٨ و٢٩ يونيو الماضى لائحة ASAP التى تسمح بتعبئة ٥٠٠ مليون يورو من موازنة المجتمع لتكثيف الإنتاج فى مجال الذخيرة والصواريخ من خلال دعم الاستثمار فى القدرات الصناعية.
تم وضع هذه الأحكام فى أعقاب جولة قام بها المفوض الأوروبى بريتون فى أوروبا حيث زار مواقع تصنيع الذخائر والصواريخ الأوروبية ولكن دون أى تشاور مع سلطات الدولة والشركات المصنعة المعنية.
كان القصد من مشروع اللائحة هذا منح المفوضية الحق فى تنفيذ الإجراءات أو إعطاء تعليمات للمصانع التى تتبع الدول: إجراءات الاستحواذ وتمويل الاستثمار فى المعدات ورسم خرائط القدرات الإنتاجية وتكوين المخزون وتأمين التوريد وتحديد الأولويات.
من خلال منح المفوضية الأوروبية إمكانية إعطاء الأوامر التى يتعين على الشركات المصنعة تنفيذها أعطى النص الأولوية فى السيادة للمفوضية قبل سيادة الدولة. من الواضح أن هذا النص قد تعرض لمعارضة من قبل المجلس الأوروبى فى نهاية يونيو، ولكن بالنسبة للمفوضية فإن هذا لا يهم فقد منحت الحق فى اقتراح نصوص ستحاول من خلالها زيادة سلطتها وصلاحياتها والنقاش ما زال مفتوحا بما أن المفوضية الأوروبية هى إدارة غير مسئولة فإن أمامها متسع من الوقت لتغيير مواقف السياسيين.
كونى مؤيدًا لفكرة أوروبا القوية والحضارية، فإن هذا لا يمنع قبولى الفكرة، فأنا لست ضد نقل السلطات إلى هيئة كونفدرالية ولكن على أن يتم هذا بشكل مدروس ودون إنكار ديمقراطى لأن هذا التطور تم دون موافقة واضحة من الشعب وبفضل التخلى الجبان للسياسيين الوطنيين.
إنكار ديمقراطى ثان لأن هذا الانتقال تم انطلاقا من مؤسسات منتخبة ديمقراطيا: رئاسة الجمهورية والحكومة الفرنسية والبرلمان وممثلوها المسؤولون أمام الشعب وسار نحو مؤسسة غير منتخبة وغير مسئولة وغير كفء.
الخلاصة
إذا انتهى الأمر بالاتحاد الأوروبى إلى أن يصبح لاعبًا عسكريًا «بوسائل»، فلن يكون أبدًا قوة عسكرية «قوة سياسية لديها إرادة فى خدمة رؤية». أولًا لأنه لا يُنظر إليه إلا على أنه مكمل للقوة الأمريكية من خلال الناتو، ولم يُنظر إليه على أنه أداة قوة. لخص سيجمار جابرييل، وزير الخارجية الألمانى الأسبق فى ٢٠١٧/ ٢٠١٨ هذه الفكرة بقوله: «فى عالم من آكلات اللحوم الجيوسياسية فإن الأوروبيين آخر النباتيين.. بدون إنجلترا سنصبح نباتيين، ومن ثم سيتم افتراسنا».
معلومات عن الكاتب: 
فريديريك إيبارفييه.. مدير تنفيذى فى شركة فرنسية استراتيجية كبرى، ينضم للحوار بهذا المقال الذى يؤكد خلاله ضرورة ضبط المصطلحات المتعلقة بالاتحاد الأوروبى.