الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مدينة العلمين.. من الألغام إلى الأنغام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مدينة العلمين الساحرة بشاطئها الممتد برماله الذهبية الناعمة، وهى تحتضن بحر رائق بمياهه الزرقاء التى تشعرها تقبل السماء، كعاشقان يلتقيان بشوق ويجذبا أعين الناظرين، وكشقى مغناطيس لا مفر ولا فكاك منه.. مدينة العلمين أو ما كان يطلق عليها البعض حدائق الشيطان، الأرض البائسة المهجورة، مساحة شاسعة من أرض بلدى المعشوق، قدرت من البعض بما يقترب من ربع مساحة مصر الغالية، ظلت تلك المساحة حبيسة أكثر من ثلاثة ارباع قرن، تحاوطها وتسكن قلبها ملايين الألغام والذخائر القابلة للإنفجار، والتى قدرت بحوالى 22 مليون لغم، ولم يعرف أحد أماكنها بدقة.

 تلك الألغام أودت بحياة الآلاف، وظلت تهدد كل من يفكر فى الإقتراب منها، وبسبب هذه المدينة تربعت مصر على قمة الدول الأكثر تضررا من الألغام فى العالم!.. ظلمت هذه المدينة وسجنت وأستبيح جمالها وبحرها ورمالها، بعد أن إستخدمت مسرحا لأهم معارك الحرب العالمية الثانية، الحرب التى شنت بين قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا التى كانت تستعمر مصر، وبين قوات المحور بقيادة ألمانيا، دارت الحرب بين قائد الجيش الألمانى إيرفين روميل وبين قائد الجيش الثامن البريطانى المارشال برنارد مونتجمرى، وهزم روميل وكانت هزيمته أحد أهم الأسباب الحاسمة للحرب العالمية الثانية، وكانت نتيجتها إخفاق هتلر وحليفه موسولينى فى تحقيق طموحاتهما بإحتلال الأسكندرية وقناة السويس.. ورغم مرور هذا الزمن الطويل، وصعوبة تطهير أرض بهذه المساحة الشاسعة من الألغام، إلا أن رجالات مصر أصحاب العزيمة التى لا تلين أخذوا القرار، فقام المختصون وهم مزودون بأجهزة الكشف بعمليات دقيقة، مع إستخدام كاسحة ألغام مصفحة، وبها إسطوانة مزودة بسلاسل تقتحم الرمال، وتطهرها بنزع الألغام عنها.. هذا الكابوس الذى ظل جاسما على قلوب المصريين، يحرمهم من الإستمتاع بهذا الجمال الرباني!.. وأخيرا وبعد عناء وبتكاليف باهظة نجح المصريون، وتوضأت العلمين من دنس حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل!.. ولكن بعد هذا الحرمان الطويل من هذه البقعة البكر، وأرضها المتعطشة للأمان وونس الزوار وهم يتجولون فى أرجائها، وأنفاسهم الهادئة المطمئنة تمحو رائحة الدم والموت، خرجت العلمين من الأسر وتحررت، وبالجهد والعرق وعزيمة الرجال أصبحت جوهرة الشرق، ليست كمنطقة سياحية فحسب، ولكن مدينة مبهرة متلألئة بأنوار أبراجها الشاهقة، ومبانيها الحضارية الجميلة، ومولات ومحلات وكافيهات على أحدث طراز، ومبان مزينة بالورود ترحب بالزائرين وتبعث فى نفوسهم الأمل والتفاؤل وحب الحياة.. خططت العلمين لتكون مدينة متفردة فى كل دقائقها، مدينة صديقة للبيئة، وبيئة حاضنة للسلام والطمأنينة والإستقرار، مدينة تفتح ذراعيها للعالم تحكى حكاية الأمس، وترسم مستقبل مشرق للأجيال القادمة.. خرجت العلمين من الأسر إلى القصر، المدينة بأكملها كالقصر فى الأناقة والرقى والإبداع، تبدلت الأحوال وبدلا من صوت الذخائر والألغام ورائحة الموت، أصبحت تسبح فى الأنغام، حفلات وسهرات ممتعة، ممتلئة بالموسيقى والفنون، ورائحة الزهور والعطور تنعش الحضور، حفلات موسيقية وغنائية وأنشطة ثقافية ورياضية، أماكن آمنة للأطفال، وغيرها صاخبة متحررة للشباب، ومتعة بصرية وروحية للكبار الذين عاصروا زمن الألغام واليوم يستمتعون بالأنغام.. بوركت يا أرض مصر يا بلدى المعشوق، يا مهد الحضارة والفنون والجمال وعزيمة الرجال.