الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

اعتصام المثقفين «الطريق إلى 30 يونيو».. المخرج عصام السيد يتذكر أيام الثورة على الإخوان في كتابه الجديد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُعد اعتصام المثقفين من الكبار والشباب ضد أخونة وزارة الثقافة على يد الدكتور علاء عبدالعزيز، بمثابة التمهيد الأول لثورة 30 يونيو 2013، وعندما تحل ذكرى الثلاثين من يونيو من الصعب أن تتجاهل ذلك الاعتصام أمام وزارة الثقافة قبل انطلاق الثورة بعدة أيام، والذي استمر في مظهر حضاري رائع، فقد شهدت تلك الأيام توافدًا كبيرًا من المواطنين والفنانين للتضامن مع المثقفين في اعتصامهم والمشاركة في فعاليات الاعتصام، وفي الوقت الذي قامت فيه قوات الجيش والشرطة بتأمين الاعتصام، وصد كل المحاولات الإخوانية للإضرار بالمعتصمين أو تفرقتهم.

وفي الواحدة ظهر يوم الأربعاء، الموافق الخامس من يونيو ٢٠١٣، بدأ اعتصام المثقفين بعد تمكنهم من الدخول لمكتب وزير الثقافة، مطالبين برحيل الوزير الإخواني، وكان من بين أول مجموعة من المثقفين هم: بهاء طاهر، وسيد حجاب، وصنع الله إبراهيم، وعصام السيد، وناصر عبدالمنعم، ومها عفت، فتحية العسال، ومحمد العدل وآخرون، وبدأ المثقفون في التوافد إلى أن هرب الوزير الإخواني بلا رجعة.

وبعد أن استولى التيار الإسلامي على أغلبية مقاعد انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠١٢، التي أجريت عقب ثورة ٢٥ يناير، بنسبة ٨١٪ من المقاعد، فلم يتبق سوى الفتات للتيار المدني، وعندما جاءت انتخابات الرئاسة في نفس العام، فقد اختار المصريون مرشح الإخوان في الرئاسة الدكتور محمد مرسي العياط، لأسباب أخرى كان أولها: تصوير الطرف الآخر الفريق أحمد شفيق في بعض وسائل الإعلام أنه ممثل النظام السابق، وثانيها: عن طريق الحشد والمال السياسي، وثالثها: منع بعض اللجان المناصرة للخصم من التصويت، بالإضافة إلى اتهامات بالتزوير لم يحسم نتيجتها التحقيق، هكذا أشار المخرج القدير عصام السيد، في كتابه "اعتصام المثقفين.. الطريق إلى ٣٠ يونيو" الصادر حديثا عن دار سما للنشر والتوزيع في النصف الثاني من يونيو ٢٠٢٣، لافتًا إلى العديد من الكوارث، والمشاكل، واتخاذ القرارات الخاطئة، التي ارتكبها التيار الإخواني خلال تلك الفترة.

ظلت الجماعة بعيدة عن مجال الثقافة والفن، فلم يحالوا أخونته مثلما فعلوا في أجهزة الدولة، لكن لجأوا إلى أساليب أخرى تحد من حركته وتأثيره، ربما تأخروا في اختراقه، لأن المثقفين والفنانين هم الفئة الأكثر تأثيرًا والأعلى صوتًا محليًا وعلميًا، فقد جاء الدكتور علاء عبدالعزيز، وزير الثقافة، في حكومة هشام قنديل، عقب أداء اليمين الدستورية، محملًا بمجموعة من التصريحات التي تفيد بتطهير وزارة الثقافة وأكاديمية الفنون من الفساد الذي يلاحقهما كما يدعي، والتي برمتها أثارت ردود أفعال غاضبة اعتراضًا عليها، وكأنه جاء للانتقام وتصفية حسابات شخصية من قبل مع الدكتور سامح مهران، ثم أتبعها عدة تصريحات أخرى بشأن تغيير اسم "مكتبة الأسرة" إلى مكتبة الثورة المصرية، إلى جانب إعداد فيلم وثائقي، ومتحف للثورة المصرية، وغيرها من التصريحات، التي تؤكد أنه لا يحمل رؤية استراتيجية ثقافية، فهل إنتاج الفيلم وإقامة المتحف من أجل إثبات أن الإخوان هم من قاموا بالثورة؟ أم هي عملية تزوير للتاريخ؟

لقد دعا الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون، بجلسة ضمت الدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا المصرية، والدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والمهندس محمد أبو سعدة، ومسئولي الوزارة من بينهم: المخرج السينمائي حامد سعيد، والمخرج المسرحي عصام السيد، لدراسة الموقف خاصة بعد كل تصريحات الوزير الإخواني، وانصب الحوار لعدة نقاط الأولى: موقف وزير الثقافة من أكاديمية الفنون ومنه شخصيا ليس خلافا مبني على أساس موضوعي، لكنه خطوة في سلسلة أخونة مفاصل الدولة، والثانية: إزاحة كل من يعرقل خطوات أخونة الوزارة وإحلال قيادات بديلة تسارع في تنفيذ هذا المخطط، أما الثالثة: الوزارة فتمثل الحصن الأخير للحفاظ على الهوية المصرية، فإذا سقطت في يد الإخوان ستمحو تلك الهوية، لذا تصدى الجميع أمام وجه الأخونة أيًا كانت النتائج، وذلك من أجل الحفاظ على الهوية المصرية، وجاء في بيان المثقفين: إن حكومة هشام قنديل فشلت فشلا فاضحا في إدارة مؤسسات الدولة، وتخبطه وعجزه عن اختيار وزراء مناسبين...، وأعلن المثقفون رفضهم لتلك الحكومة.

وفي صباح الثاني عشر من مايو ٢٠١٣، شهدت وزارة الثقافة يومًا ساخنًا، فقد قام العاملون بالهيئة المصرية العامة للكتاب، بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الهيئة اعتراضًا على قرار وزير الثقافة الدكتور علاء عبدالعزيز بإنهاء انتداب الدكتور أحمد مجاهد كرئيس للهيئة المصرية العامة للكتاب، فقاموا بقطع طريق الكورنيش، ثم اتجهوا إلى مقر الوزارة بالزمالك لمعرفة ملابسات الأمر، واصفين هذا القرار بتصفية الحسابات، وعندما وصلوا لمقر الوزارة منعهم الأمن من الدخول وإغلاق كل الأبواب، تفاقمت الأزمة والأحداث، وادعى وزير الثقافة في إحدى الصحف أن الدكتور مجاهد كان ينتهي انتدابه في ٢٧ مايو من نفس العام، وأيضا "أنه قاعد في بيته ومش جاي"، الأمر الذي دعا هؤلاء الموظفين والمثقفين إلى إصدار بيان أعلنوا فيه رفضهم لإقالة الدكتور مجاهد، مطالبين بإقالة الوزير، لأنه وزير الإخوان الجديد أتى لأخونة الثقافة المصرية، وإقصاء أبناء الجماعة الثقافية الوطنية، فقد وقع على هذا البيان مجموعة من الشعراء على رأسهم: سيد حجاب، ومحمد هاشم، وجمال القصاص، وسعد القرشي، وأسامة عفيفي، وعصام السيد وغيرهم، إلى جانب رفض الفنانين أيضًا احتجاجًا على وزير الثقافة.

موجات الغضب

لم يكتف وزير الثقافة بما يفعله بإلغاء انتداب بعض رؤساء قطاعات والهيئات التابعة للوزارة، ففي صباح الثلاثاء ٢٨ مايو من نفس العام، كانت الدكتورة إيناس عبد الدايم بمكتبها بالأوبرا تستعد للذهاب إلى مجلس الشوري لمناقشة ميزانية الدار، ففوجئت بقرار وزير الثقافة الإخواني بإلغاء انتدابها من معهد الكونسرفتوار إلى دار الأوبرا المصرية، ازداد الموقف اشتعالا وخرج العديد من الفنانين غاضبين مما يفعله الوزير الإخواني، ومجابهة هذا القرار المخالف لقانون الانتداب والجامعات، إذ طالب عضو لحزب النور في المجلس بإلغاء فن الباليه، لأنه فن "عراة" وغير أخلاقي، إضافة إلى تخفيض ميزانية دار الأوبرا، مما أثبت لجميع الفنانين والمثقفين وأنصار الدولة المدنية أنهم في طريقهم لحقبة مظلمة ورجعية على يد الإخوان وأنصارهم، فأعلن جموع الفنانين إلغاء كل حفلاتهم تضامنا مع الدكتورة إيناس عبدالديم، والمطالبة بإقالة وزير الثقافة الإخواني، كما ألغى الشعراء أمسياتهم الشعرية وعلى رأسهم الشاعر فاروق شوشة، وكذلك قدم الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي استقالته من رئاسة تحرير مجلة إبداع، وبيت الشعر، وغيرهم من المثقفين والمبدعين اعتراضًا عما يفعله الوزير الإخواني.

الساعات الأخيرة

تتوالى أفعال وزير الثقافة الإخواني وقراراته المُشينة بقيادات الهيئات التابعة للوزارة، ففي الثالثة ظهر يوم ٣٠ مايو بدأ اجتماع الأدباء والمثقفين والفنانين بالمجلس الأعلى للثقافة في قاعة المؤتمرات، وهو المؤتمر الذي دعت له جبهة الإبداع وفنانون وأدباء من أجل التغيير للمطالبة بإقالة وزير الثقافة بعد قراراته التي أنهى بها انتداب أغلب قيادات الوزارة، وناشدت اللجنة كل القوى المناصرة لحرية الرأي والتعبير والإبداع التصدي لها المخطط، كما تدعو جميع المثقفين إلى التكاتف والاصطفاف للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة، وأن تأخذ مصر مكانتها، وألا تخسر ما تبقى لها من قوة تأثير ثقافي قام على أكتاف أجيال متعاقبة من المبدعين والكتاب والفنانين، جعلوا من مصر على الدوام قلعة للاستنارة وحائط صد ضد جحافل التخلف، وقد بدأ الاعتصام يوم الأربعاء ٥ يونيو في الواحدة ظهرا بعد أن تمكن المثقفون من الدخول إلى مكتب الوزير في الزمالك، وطالبوا برحيل الوزير الإخواني وكانت أول مجموعة من المثقفين دخلت الوزارة هم: صنع الله إبراهيم، وبهاء طاهر، وسيد حجاب، وفتحية العسال، وعصام السيد، وناصر عبدالمنعم، ومها عفت، ومحمد العدل، وآخرون، فكانت بمثابة الشرارة الأولى لثورة ٣٠ يونيو.

كثير من الوثائق والتفاصيل يرويها المخرج عصام السيد داخل هذه المجلد الثري والفريد، الذي يحمل بين دفتيه العديد من الأحداث الشاهدة على حركة المثقفين ضد وزير الثقافة الإخواني، ومجابهة قراراته بشأن أخونة الوزارة بكل قطاعاتها ومؤسساتها، والتصدي لها حتى تمت إقالته وانتهاء عهد الإخوان الذي كان سيتجه بالدولة إلى مصير دامٍ.

شكر واجب

توجه المخرج عصام السيد بالشكر والتقدير والعرفان لكل من كانت له يد في صنع هذه الأحداث، أو شارك في تلك الوقائع، فلقد رسموا لمصر طريقا مختلفا، فغيروا مستقبلها، ولولاهم ما تخلصت مصر من حكم الإخوان، فمن وجهة نظر كثيرين أن حركة المثقفين والفنانين ضد وزير ثقافة الإخوان، ومجابهة محاولة طمس الهوية المصرية، ودفاعهم المستميت عن قوة مصر الناعمة، الذي أدى لاعتصامهم داخل مبنى وزارة الثقافة، كانت أقوى الأسباب في نجاح ٣٠ يونيو، كما توجه بالشكر للفنانة مها عفت، التي احتفظت بكثير من الوثائق التي ساعدت على رواية الأحداث بدقة.