السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

دعم استخدام تكنولوجيا الاتصال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الاستثمار في التكنولوجيا من حيث البنية التحتية والتربية الرقمية يعد أحد المجالات التي يجب أن تحظى باهتمام المجتمع بكل قطاعاته الحكومية والخاصة والمدنية. ولا أبالغ أذا قلت إنه يجب على الدولة أن تفكر جديا في اقتطاع جزء من الدعم المخصص للمواد الغذائية لدعم الوصول واستخدام تكنولوجيا الاتصال خاصة للفقراء والمناطق المهمشة والمحرومة من الاستخدام الفاعل للتكنولوجيا. الأرقام والإحصاءات المتاحة تشير إلى فجوة رقمية Digital divide مركبة تعاني منها المجتمعات والفئات الفقيرة. فمعدلات الوصول إلى التكنولوجيا وتطبيقاتها وكفاءة الوصول وطريقة استخدام التكنولوجيا في المناطق المحرومة لا تؤسس لاندماج وشمول تكنولوجي يحقق أهداف تنموية.  

لا نريد أن ندخل في جدل لا ينتهي حول تغطية التكنولوجيا ووسائل التواصل لكل شبر من ارض الوطن، ولا الجدال القائل بأولوية إشباع الاحتياجات الغذائية للمواطنين بدلا من الحديث عن تخصيص جزء من موازنة الدعم لتقديمها لتوطين تكنولوجيا الاتصال والإعلام في المناطق الريفية والحضرية البعيدة عن المركز. فلا التغطية التكنولوجية عادلة، حيث انها تتركز في مناطق جغرافية قريبة من المركز، وأن الهوامش لا تتمتع إلا بإمكانيات الوصول السطحي أو الرمزي (وفقا لسياسة ال "توكنزم "Tokenism) التي لا تحقق مساواة ولا تفيد الفقراء والمهمشون مثل غيرهم من الفئات. هذا الاستخدام المظهري لا يمكن أن يحقق الغايات المنشودة من استخدام التكنولوجيا للتمكين المجتمعي وتحقيق التنمية المستدامة. كما أن دعم الغذاء، وبالرغم من أهميته القصوى، لم يساعد في القضاء على الفقر والفجوات التنموية. 

لا أنطلق في هذا الاطروحة من حتمية التغيير والتنمية المبني على التكنولوجيا digital determinism approach، ولكن من طرح توطين التكنولوجيا Technology domestication approach وتطويعها لظروف المواطنين الأكثر احتياجا في المناطق المهمشة. حيث إن نتائج البحوث التي نجريها على توطين تكنولوجيا الاتصال والإعلام في المناطق المعزولة (مثل الجزر النيلية في مصر وعددها 144 جزيرة) تثبت أن المناطق المعزولة جغرافيا واجتماعيا تتفاعل مع التكنولوجيا في سياقاتها الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والذاتية. وأصبحت التكنولوجيا جزء من روتين الحياة اليومية، ولكنها مكلفة جدا لضعف البنية الأساسية التحتية للإنترنت في هذه الجزر وغيرها من المناطق الفقيرة، إضافة إلى عدم الوعي أحيانا ببعض الاستخدامات التي يمكن أن تزيد من الفوائد المتحققة من استخدامات التكنولوجيا. 

يمكن أن تبدأ التجربة في القرى الأكثر احتياجا والتي تتبناها المبادرة الرئاسية " حياة كريمة". ويجب أن يركز المشروع على تطوير بينية الاتصال الرقمي في هذه المناطق حتى يمكن الوصول إلى التطبيقات والمحتوى والخدمات بكفاءة تضارع الوصول اليها في المناطق الغنية في القاهرة وعواصم المحافظات. يرتبط بذلك مشروع تدريب وتربية رقمية داخل المناطق المستهدفة حتى يمكن سد فجوة الاستخدام والتحول من الاستخدام الترفيهي للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى الاستخدام الهادف وإلى تمكين المستخدمين معرفيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وذاتيا. تمويل هذا المشروع يعتمد في الأساس على الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وربما أيضا بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل اليونسكو والتي تهتم باستخدامات التكنولوجيا للتنمية المستدامة والتمكين المجتمعي. المراكز المحلية المقترحة لتوطين التكنولوجيا يجب أن تقوم على أبناء هذه المناطق من المتدربين جيدا على مساعدة السكان المحليين في الوصول إلى التكنولوجيا واستخداماتها الهادفة. 

اعلم أن طرح دعم الوصول إلى التكنولوجيا بديلا عن دعم الغذاء يمثل أحد الاطروحات المثيرة للجدال، ولكننا ندعو إلى تبني هذه الأفكار الرائدة التي يتم تبنها في دول لها نفس ظروفنا مثل الهند لاقتناعهم بأن الاستثمار في توطين تكنولوجيا الاتصال والإعلام هو استثمار في المستقبل ويمكن أن يقود إلى تمكين معرفي ونفسي واجتماعي واقتصادي وسياسي سعيا لتحقيق تنمية مستدامة تماشيا مع رؤية مصر 2030. 

*أستاذ الاتصال السياسي – الجامعة البريطانية في مصر