الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

فورين بوليسى: يجب قبول البوسنة في حلف "الناتو" الآن قبل فوات الأوان

البوسنة
البوسنة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد شهر من العملية الروسية لأوكرانيا، هدد السفير الروسي في سراييفو "إيكور كالبوخوف" البوسنة والهرسك بمصير أوكرانيا نفسه إذا قررت الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وتم تأسيس الحلف في الرابع من أبريل عام 1949 بمشاركة 12 دولة، هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والدانمارك وإيطاليا وكندا ولوكسمبورج وهولندا والنرويج والبرتغال وآيسلندا. وشهد الحلف 8 موجات توسعية منذ تأسيسه ارتفع نتيجتها عدد أعضائه إلى 30 دولة، وسط توقعات أن يشهد في المستقبل القريب موجة جديدة للتوسع، (هي السادسة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي أوائل تسعينيات القرن الماضي)، بعدما أعلنت فنلندا والسويد نيتهما الانضمام إلى الحلف.
وتصر روسيا على أن توسع الناتو بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991 يخالف التعهدات الشفهية التي قدمها الغرب إلى موسكو أوائل التسعينيات، بالإضافة إلى مبدأ الأمن المتكافئ غير القابل للتجزئة المنصوص عليه فى "ميثاق الأمن الأوروبي" الذي تم تبنيه ضمن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الولايات المتحدة استثمرت بكثافة في بناء السلام في البوسنة والهرسك عقب إنهائها في عام 1995 الحرب التي استمرت هناك ثلاث سنوات ونصف، غير أن الجهات المؤيدة لروسيا داخل البوسنة تهدد بإخراج مستقبل البلاد عن مساره مع المؤسسات الغربية من خلال منع انضمامها إلى الناتو. 
واعتبرت المجلة الأمريكية أن نافذة الفرصة أمام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للعمل والترحيب بالبوسنة في الحلف، لا تزال مفتوحة، وإن كانت قد بدأت في الإغلاق، داعية إلى اغتنام حالة الزخم الحالية للناتو الناتجة عن حرب أوكرانيا وتوسيع الحلف ليشمل البوسنة.
بلا شك، أسهمت المهمة التي قادها الناتو، بقوة قوامها 60 ألف جندي لتنفيذ الجوانب العسكرية لاتفاقية دايتون (الإطار العام لاتفاق السلام في البوسنة والهرسك الذي أنهى الحرب وقسم البلد إلى نصفين)، خلال الفترة من أواخر عام 1995 إلى عام 2004، في عدم انزلاق البلاد مرة أخرى إلى الصراع. 
ولعقود ممتدة، كان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أهم أهداف البوسنة الاستراتيجية، خاصة وأن الخلافات الداخلية والتدخل الخارجي من دول مثل صربيا وكرواتيا المجاورتين في التسعينيات، شكلا دافعا رئيسيا لسراييفو للسعي من أجل الحصول على مظلة أمنية (عضوية الناتو).
وقد أوضحت البوسنة بصورة لا لبس فيها رغبتها القوية في الانضمام للناتو عام 2005 عندما تبنت قانون الدفاع، الذي تنص المادة 84 منه على أن جميع المؤسسات على مستوى الدولة، بما في ذلك الرئاسة والحكومة والبرلمان، ستعمل على الحصول على عضوية كاملة في الناتو.
ولكن القوات المناهضة لحلف شمال الأطلسي تعمل -وفقا لمجلة "فورين بوليسي"- على ضمان بقاء البوسنة هشة، والحيلولة دون تلبية متطلبات العضوية الكاملة للحلف الأطلسي، فيما ساعد النظام السياسي لدولة تعدادها نحو 3 ملايين نسمة المكون من (هيئة تشريعية من مجلسين، ورئاسة من ثلاثة أعضاء يمثل كل واحد منهم مجموعة عرقية رئيسية)هذه القوات في مهمتها المناهضة للحلف. 
ورغم تطلعات مواطني البوسنة نحو مستقبل أكثر إشراقا، الأمر الذي تلاقى مع توصيف عدد من الأحزاب السياسية نفسها هناك قبل الانتخابات العامة الأخيرة شهر أكتوبر الماضي بأنها إصلاحية ووعدها بتغييرات كبيرة في بلد تهيمن عليه الانتماءات العرقية، إلا أنه عندما تم تشكيل الحكومة الجديدة في شهر يناير الماضي، أصبح كل من التغيير والمسار الموالي للغرب موضع شك الآن.
وأوضحت "فورين بوليسي" أن الدولة لا يزال يسيطر عليها سياسيا حزبين "متشددين" هما: تحالف الديمقراطيين الاشتراكيين المستقلين (SNSD) والاتحاد الديمقراطي الكرواتي للبوسنة والهرسك (HDZ)، حيث تنص وثيقة التحالف التي تم التوقيع عليها قبل أن تتولى الحكومة الجديدة السلطة على استبعاد هدف البوسنة المتمثل في الانضمام إلى الناتو، والاكتفاء بالإشارة إلى طموح الدولة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
كما أنه في جمهورية صربسكا المتمتعة بالحكم الذاتي للغاية، والتي تشكل 49 في المائة من أراضي البوسنة والهرسك، ظهرت هناك دائرة انتخابية مناهضة لحلف شمال الأطلسي. وتجدر هنا الإشارة إلى أنه عندما كان لدى الناتو جنود على الأرض حتى عام 2004، لم يكن هناك سوى القليل من المشاعر المعادية للغرب. ولكن ابتعاد الأمريكيين عن البلقان ترك فراغا، وتبين أن القوة الجديدة التي يقودها الاتحاد الأوروبي في البوسنة ليست أكثر من مجرد "نمر من ورق" (وفقا لوصف المجلة الأمريكية).
ودللت "فورين بوليسي" على ما ساقته بالإشارة إلى أنه في عام 2009، كان عضو الرئاسة الصربي في البوسنة، نيبويسا رادمانوفيتش، يؤيد تطلع البوسنة للانضمام إلى الناتو. ولكن الرئيس الحالي والعضو الصربي في مجلس رئاسة البوسنة والهرسك الثلاثي "ميلوراد دوديك"، في طليعة المشاعر المعادية للناتو، حيث أقام دوديك منذ سنوات روابط وثيقة مع موسكو، وأيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وزار دوديك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرتين العام الماضي. كما نصب دوديك نفسه على أنه الحليف الأكثر ولاء للرئيس الروسي في هذا الجزء من أوروبا. وفي أوائل يناير الماضي، منح زعيم صرب البوسنة أعلى وسام شرف لجمهورية صربسكا إلى بوتين. 
وإلى جانب دوديك، هناك لاعب مؤثر آخر في الحكومة الجديدة، وهو زعيم الاتحاد الديمقراطي الكرواتي للبوسنة والهرسك "دراغان كوفيتش"، الذي لم يبد علنا أي معارضة لحلف الناتو، لكنه كشف عن مشاعره الموالية لروسيا على مدى السنوات القليلة الماضية. وقد تجلت هذه المشاعر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث صوت كوفيتش وعدد قليل من أعضاء الاتحاد الديمقراطي الكرواتي ضد انضمام البوسنة إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على روسيا.
ونبهت المجلة الأمريكية إلى أن الخط الساحلي للبوسنة البالغ طوله 12 ميلا يعد المنطقة الوحيدة غير التابعة لحلف شمال الأطلسي على البحر الأدرياتيكي، مشيرة إلى أنه مع تأثير السياسيين الموالين لروسيا أيضا في جمهورية الجبل الأسود، فإن ذلك ينذر بأن دولتين كانتا في يوم من الأيام مواليتين للغرب أصبحتا حاليا متنازعتين بين الغرب وروسيا.
وشددت المجلة على أن الاستثمار في أمن البوسنة هو استثمار مباشر في أمن أوروبا، خاصة وأن سراييفو تبعد مسافة ساعة فقط بالطائرة عن فيينا. لذا، فإن الرسالة الموجهة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو واضحة، وهي: يجب قبول البوسنة في الناتو الآن قبل فوات الأوان.
ولفتت المجلة إلى أن النبأ السار هو أنه على الرغم من السياسة الانتخابية المتغيرة في البوسنة، فإن استطلاعات الرأي تظهر أن الناتو لا يزال يتمتع بشعبية واسعة بين المواطنين هناك، حيث وجد استطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولي العام الماضي أن 69 بالمائة من البوسنيين و77 بالمائة من الكروات يدعمون عضوية الناتو.
ودعت "فورين بوليسي" إلى الانتباه جيدا لعامل الوقت، وتجاوز بعض المتطلبات التي يشترطها الحلف، وسرعة ضم البوسنة إلى عضويته، خاصة في ظل وجود هدف أكبر يتمثل في تأمين هذه الزاوية من أوروبا، حيث إنه إذا لم يتم تدارك ذلك سريعا، فربما يتم الاستيقاظ على واقع جديد يتمثل في تمركز روسي على أراض كان من المفترض أن تصبح جزءا تابعا للناتو.