السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

مصطفى الزائدى يكتب: ميلونى فى طرابلس.. ما أشبه الليلة بالبارحة!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عام ١٩١١ بعد سنوات من توحيدها بحثت إيطاليا عن مناطق توسع أسوة بالدول الأوروبية فلم تجد سوى ليبيا الخاضعة شكليًا لسلطة الإمبراطورية العثمانية المريضةً،  وهضبة إثيوبيا، فأرسلت المستكشفين وأقامت مراكز اقتصادية وفتحت بنك روما فى طرابلس، ولم تنتظر طويلًا حتى أرسلت قوات مسلحة ضخمة هاجمت المدن الساحلية الليبية فى ٧ أكتوبر ١٩١١، بتواطؤ تركى حيث سحبت الامبرطورية جنودها وتركت الليبيين العزل يواجهون مصيرهم!.
لكن الليبيين لم يقبلوا ذلك وانطلقت حركة مقاومة عنيفة استمرت حتى عام ١٩٣١ حيث نجح الطليان فى قمع المقاومة، وأجلوا أغلب السكان وأحضروا مئات آلاف المستوطنين الطليان فى محاولة بائسة لتحويل ليبيا إلى شاطئ رابع يقطنه طليان، فلقد كان الاستعمار الإيطالى لليبيا استعمارًا  استيطانيًا ولم يكن مجرد احتلال عسكرى!.
بنت إيطاليا المدن الليبية على طراز المدن الإيطالية وأطلقت على شوارعها أسماء طليان، وأنشأت أضخم  كاتدرائيتين فى أفريقيا فى كل من طرابلس وبنغازى وفرضت الإيطالية لغة رسمية ومُنع الليبيون من التعليم.
لكن الحرب العالمية الثانية وتمحور إيطاليا مع ألمانيا أحدثت وضعًا مختلفًا قاد إلى منح ليبيا استقلالًا تحت السيطرة الإنجليزية!.
بعد ثورة الفاتح ١٩٦٩ قامت السلطة الوطنية بإجلاء المستوطنين الطليان وأعادت الأملاك إلى أصحابها قبل مرحلة الاستعمار. ورغم محاولات إيطاليا لتطبيع العلاقات مع ليبيا، فإن السلطة الليبية اشترطت الاعتراف بجرائم الاستعمار والاعتذار عنها وتعويض الليبيين عن الأضرار التى لحقت بهم من جرائها، ولم يتحقق ذلك إلا فى بداية القرن الحالى، حيث وقع برلسكونى والقذافى اتفاقية تاريخية عام ٢٠٠٨ اعترفت فيها إيطاليا بجرائم الاستعمار واعتذرت عنها وقبلت دفع تعويضات وصلت إلى خمسة مليارات دولار وتنفيذ مستشفيين وطريق ساحلى من راس جدير حتى امساعد !
لكن إيطاليا والدول الغربية وجدت فى سقوط الدولة وانتشار الفوضى بعد ٢٠١١ فرصة للتدخل فى ليبيا، فأرسلت قوات إلى مصراته وطرابلس، واحتضنت ميليشيات مسلحة تعمل لحسابها ومارست الابتزاز مع كل السلطات الهشة والمرتبطة أصلًا بالمنظومة الغربية، حيث إن ليبيا دولة هشة مؤسساتها ضعيفة غير مستقلة تخضع للوصاية الدولية وتدار من قبل موظفين صغار فى سفارات الدول المتدخلة فى الشأن الليبى، لتحقيق مصالح دول أجنبية معادية، وتوظف ليبيين قاصرين وطامعين لتأمين تلك المصالح ورعايتها، ويجرى ذلك فى العلن وعلى الهواء ودون مواربة.
بعد هذا التوضيح الذى أراه مهمًا، يمكن فهم خفايا زيارة جورجينيا ميلونى رئيسة وزراء إيطاليا إلى طرابلس والاتفاقيات التى وقعتها مع حكومة عبد الحميد الدبيبة  المغتصبة للسلطة، يرى الليبيون  أنها عطايا ممن لا يملك إلى من  لا يستحق.
هذه الاتفاقيات جزء يسير من عملية بيع كبرى لليبيا ومواردها بأثمان بخسة! ولقد سبق هذه الاتفاقية، اتفاقية أخرى مع تركيا حول المياه الاقتصادية  لليبيا فى منطقة شرق المتوسط.

توقيع الاتفاقيات بين حكومة الدبيبة وإيطاليا


الاتفاقية التى وقعت أول أمس مع اليمينية المتطرفة «جورجينيا ميلوني» رئيسة الحكومة الإيطالية حول الغاز وزيادة نسبة شركة «إيني» بالمخالفة للقوانين الليبية وللاتفاقية السارية، وفى غياب وزارة النفط السلطة السيادية المخولة بإدارة القطاع والحفاظ على حقوق الليبيين فيه، هى أيضا قمة جبل الجليد !
فلقد سبق وأن وقعت الحكومة المغتصبة للسلطة عدة اتفاقيات مشبوهة مع دول أجنبية، ومن أخطرها الاتفاق مع إيطاليا وفرنسا على توطين المهاجرين فى مثلث مرزق بالجنوب الليبى حسب الخطة الأوروبية التى أوضح بعض ملامحها رئيس وزراء المجر فى وقت سابق، ويتوقع الأوروبيون أن يصل عدد المهاجرين إلى أوروبا بحلول عام ٢٠٣٥ إلى سبعين مليونًا وهو رقم مزعج لهم،  كما تدور معلومات فى الخفاء بأن السيدة ميلونى تسعى للحصول على أموال ليبيا من مدخل تعويض الطليان الذين طردوا من ليبيا ١٩٧٠ وأعيدت أملاكهم المغتصبة إلى أصحابها الحقيقيين، بالرغم من قبول إيطاليا بمسئوليتها عن فظائع الاستعمار ضد الليبيين واعتذار مجلس النواب الإيطالى ورئيس الحكومة الإيطالية علنًا عنها، وموافقتها وتعهدها بتعويض الليبيين عن ما أصابهم أثناء مرحلة الاستعمار!. فى هذا الإطار يمكن قراءة السعادة الغامرة على وجه ميلونى وهى تتأبط عبد الحميد الدبيبة فلقد حققت أشياء لم تكن ولا فى الخيال، وهى إعادة فتح الاتفاقية الخاصة بالغاز مع شركة اينى الموقعة ٢٠٠٨ وتوقيع أخرى بديلة رفعت نسبة حصة إينى بشكل كبير ومنحت لها رخصة مفتوحة لاستغلال الغاز الليبى بدون ضوابط.
للأسف من يتربع على هرم السلطة فى ليبيا وصل بأساليب غير مشروعة ومن خلال خزعبلات استيفانى ويليامز المبعوثة السابقة لليبيا، وهم لا يستحون من قول أو فعل أى شىء، لأنهم لا يضعون ميزانًا للقانون ولا اهتمامًا لمصالح الشعب ولا حتى للتاريخ !
السؤال ما العمل؟
هل نكتفى بالمشاهدة فى وضع الصمت التام، أم أن هذه الخطوات المتسارعة لبيع الوطن وتدميره وهدم أركانه، تفرض علينا أن لا نضيع وقتنا فى الاستهجان والاستنكار؟
إن ما يدبر فى الكواليس أمور خطيرة جدا، وهى امتداد للمؤامرة الدولية ضد بلادنا، والجديد فيها هو التفاهم الطليانى مع دولة أخرى حول ليبيا وعلى حساب مستقبلها وربما وجودها كجغرافيا وسكان، فكلتا الدولتين تحملان حقدًا على الليبيين الذين واجهوهم أثناء استعمارهم لنا، وفرضوا عليهم علاقات تقوم على الندية بعد الاستقلال، وكأننا عدنا إلى مربع عام ١٩١١ عندما تفاهمت الإمبراطورية العثمانية المتهالكة والحكومة الإيطالية على تسليم ليبيا لإيطاليا الاستعمارية وترك الليبيين العزل يواجهون مصيرهم، فما أشبه اليوم بالبارحة !!
الغاز الليبى اليوم هو الرابط الأهم بين الترك والطليان، والعملية بالنسبة لهم ليست صعبة فى وجود شخصيات كارتونية اغتصبت السلطة فى ليبيا بدعم خارجى فى وقت ما، وتعبث بليبيا برعايتهما، وبحماية القوات الإيطالية والتركية التى تدنس أجزاء غالية من ليبيا حاليا!.
هكذا يمكن أن نفهم السعادة البالغة التى غمرت ميلونى وهى تتأبط الدبيبة! فهى لحظة نشوة تاريخية بالنسبة لها !
وهكذا أيضا نفهم الصمت على الاتفاق الذى وقع برعاية الدبيبة وتغيب متعمد للأخ  محمد عون وزير النفط!
قد يكون من أسباب التغيب أن جده سيف المحمودى قاوم الطليان بشراسة، وجده الأكبر غومة المحمودى مرغ أنوف الأتراك فى الوحل إبان الثورة الطرابلسية الكبرى !
أيًا كانت أسباب غياب الوزير، فذلك ليس أمرًا شديد الأهمية، فمغتصب الحكومة الذى لا يملك صلاحية بأى حد لتوقيع اتفاقيات مهما كان حجمها ومضمونها، يضرب بكل شيء عرض الحائط!!
سيكبل أجيالنا القادمة بقيود قد يصعب كسرها! فالعدو سيجد فيها عذرًا كافيًا لبقاء هيمنته على بلادنا رغم افتقار الحكومة لأبسط قواعد الشرعية.
معلومات عن الكاتب 
الدكتور مصطفى محمد الزائدى.. سياسى ليبى، تولى سابقا منصب وزير الصحة، وكان نائب وزير الخارجية 2011، أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية، يستعرض فى هذا المقال تداعيات زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية لليبيا، ويرى أن هذه الزيارة وما تم خلالها من اتفاقيات، تعود بنا إلى فترة الاحتلال الإيطالى، بحسب رؤيته.

لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

https://www.ledialogue.fr/