رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أناسيكلوسيس.. أصل النظرية يرجع إلى اليوناني بوليبيوس.. وطورها أفلاطون وأرسطوطاليس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تابعت منذ أعوام  فى ويبينار فى جامعة برينستون الأمريكية من الدكتورة آنًا جريزمالا باس الأستاذ فى العلاقات الدولية، والدكتور فرانسيس فوكوياما المعروف بكتابه «نهاية التاريخ»  وآخرين، حول ما يسمونه «الترامبيزم»، نسبةً إلى الرئيس ترامب استنباطا من الشعبوية populism"" التى تمثل منهجه.
فما معنى أناسكلوسيس عنوان هذا المقال، وما الشعبوية التى يقصدونها؟
ولنبدأ بالتعريفات والعودة إلى المراجع ثم نناقش الموضوع.
أناسيكلوسيس (أو الدوارانية) هى نظرية فى علم الاجتماع والسياسة تدًعى بأن تطور النظم السياسية لها حركة دورانية. وتستند النظرية على أن هنالك ثلاثة تصنيفات مبنية على نظم الحكم الدستورى فى اليونان القديم وهى: الحكم من قبل شخص، الحكم من قبل قلة، والحكم من قبل عدد كثير.
أناسيكلوسيس أو الدوارانية تنص أيضًا على أن هنالك ثلاثة نظم أساسية من الحكم تعتبر «حميدة» وهى: (الملكية، والأرستقراطية، والديمقراطية) وهى بطبيعتها ضعيفة وغير مستقرة، وتميل إلى التدهور بسرعة.
وهنالك ثلاثة نظم أساسية من الحكم تعتبر «خبيثة» وهى (الطغيان، الأوليجاركية، وحكومة الدهماء). و"حكومة الدهماء» تشير إلى حكم الرعاع، وليس مفهوم الديمقراطية الذى نعرفه الآن.
وفقا للنظرية، فأنظمة الحكم «الحميد» تضع مصلحة الجميع فى الحسبان، فى حين أن أنظمة الحكم «الخبيث» تهتم فقط بفئة قليلة من الناس. ومع ذلك، فإن الفساد السياسى يجعل كل الأنظمة تتدهور وتتحول من نظام إلى نظام آخر بحركة دائرية.

 


أصل النظرية ومفهومها 
يرجع أصل النظرية إلى المؤرخ والسياسى اليونانى بوليبيوس، وقد استخدمها وطورها أفلاطون وبعده أرسطوطاليس فى كتبهما.
النظرية تبين بأن الحركة الدورانية السياسية  بدأت مع تطور الإنسان فى المرحلة البدائية التى كان يعيش فيها الإنسان فى القبيلة. وكل قبيلة تلجأ إلى اختيار ملكٍ لها يكون هو الأكثر حكمة. ولكن بعد ذلك يورث الحكم الملكى إلى الأبناء  الذين لا يكونون بنفس الحكمة، والذين سوف يستغلون سلطتهم ويصبحون مستبدين ويتحول نظام الحكم من الملكية إلى الطغيان.
بعد مرحلة الطغيان الفردى ستخرج فئة قليلة من الناس تكون مستاءة من ذلك الاستبداد وتنقلب عليه وتُحول الطغيان إلى نظام جديد وهو الأرستقراطية ويبدأ حكم القلة.
وكما هو الحال فى الملكية، سيورث الأرستقراطيون السلطة إلى أبنائهم الذين سيستبدون بالحكم وتتحول الأرستقراطية إلى الأوليجاركية  التى تُعرف بأنها حكم من قلة تعتمد على الفساد والاستبداد.
وتدور الأيام، وبعد ذلك يصل الشعب إلى مرحلة الانفجار ويطالب بحكم أوسع يشترك فيه أغلب الناس وهذا الحكم هو ما نسميه (حكم من قبل العدد الكثير من الشعب). 
ومع الوقت سيطالب الناس بأشياء غير معقولة، معتقدين أنهم يستحقونها، وبلا تخطيط، ويصبح ممثلو الشعب عبارة عن ديماجوجيين يقولون للناس كل ما يريدون أن يسمعوه بدلًا من قول الحقيقة أو المعقول.
وتتحول الديمقراطية إلى حكم الدهماء والغوغاء. وطبيعى مع هذا الحكم أن تنتج الفوضى ويكثر العهر السياسى من أجل استمالة الرعاع ويصبح هنالك صراع بين الديماجوجيين من أجل السيطرة على الفوضى. وتتم بعدها تصفية بقيتهم ويخرج من بينهم شخص يطالب بسلطة مطلقة بما أنه هو المنقذ وتنتهى هذه الدائرة بالرجوع إلى حكم الفرد الذى يدمج الملكية بالطغيان لصالح الشعب حسب وجهة نظره.
وما الغوغاء والرعاع والدهماء؟  الغوغاء فى اللغة هى الصوت والجلبة والكثير المختلط من سفلة الناس.. أما الدهماء فهم عوام الناس، ويقال رجل من الدهماء، أى مشعوذ يتلاعب بعقول الناس. أما الرعاع فهم سفلة الناس وجهلتهم وسفهاؤهم. وللأسف الشديد، فإن الغوغاء منهم شرائح تنتمى إلى السوشيال ميديا الآن، وأصبح لهم تأثير ومكانة لا يستحقونها. فمنهم من هو متدنى الأخلاق، ملوث الفكر، ينعق مع كل ناعق، ويسب كل مفكر.
وعلى طول ما قرأت فى أحداث التاريخ وما كان للغوغاء أو السوقة من أدوار، لم أجد لهذه الفئة دورًا مشرفًا يستحق الإشادة أو الثناء بل نجدهم هم من يقوم بالنهب والسلب والتعدى على الأملاك والأعراض والجرأة على إسالة الدماء وإذكاء النعرات القبلية والمذهبية. هذا مسلك الدهماء الذين يشكلون فى كل مجتمع نسبًا متفاوتة حسب تحضر المجتمع ورقيه.. هذه الفئة موجودة فى العشوائيات وبعض التجمعات البشرية، مثل تجمعات بعض المهن غير المستقرة وغير المنضبطة بسلطة القانون والنظام، ومثل هذه الفئات تحمل الاستعداد القيمى لممارسة الفوضى والتحفز لها عند كل مناسبة مواتية.
الآن هناك دهماء من نوع جديد وهم من يتم التلاعب فى أذهانهم بالكذب ونظريات المؤامرة  فيؤمنون بأنهم على الحق المطلق وغيرهم على الخطأ المطلق مهما كانت الطرق المؤسسية والقانونية تقول عكس ذلك. لا يختلف هؤلاء عن المتعصبين الدينيين الذين يتلاعب بأذهانهم رجال الدين باسم الله.
وللأسف هنالك دائما من يعى أهمية هذه الفئة فيحتوى مسلكها من خلال خطاب دينى مبرمج أو خطاب أيديولوچى منمق،  أو بأكاذيب مقنعه ويحول النقمة باسم الحاجة أو التطلع بدون قيم إلى نقمة باسم الأيديولوجيا المتبناة، ويستثمر التعصب الفئوى والقبلى والعرقى والإقليمى بين فئات الغوغاء والسوقة لصالح التعصب ويستعملهم كمطايا لأهداف شخص واحد أو فئة معينة أو فئات ما كانت لتصل لأهدافها لولاهم، فهم الوقود المحرك للفوضى الاجتماعية وللنعرة القبلية والتعصب.
إن ما سمعته وشاهدته فى هذا «الويبينار» يبدأ بتعريف الشعبوية populism، وأن أسباب ظهورها هو فشل النظم الحاكمة الحالية وكافة الأحزاب فى تحقيق طموحات وحقوق الشعوب. والحقيقه أن التوجه الشعبوى يهدف فى النهاية إلى إحداث الفوضى باستخدام هذه المداخل، علمًا بأن حكم الغوغاء دائمًا غير مستدام، وأنه فى النهايه هناك فئة ستستأثر بالحكم لصالح نفسها وتعيد الغوغاء إلى موضعهم. الحكم الشعبوى يبدأ بالتشكيك فى القضاء ومؤسسات الرقابة وإنفاذ القانون، ويستخدم الإعلام لتقليب فئات الشعب على بعضها.
الحكم الشعبوى يبدأ فوضويًا وينتهى تسلطيًا.. بعد تآكل مؤسسات الديمقراطية، وتشكيك الشعب فيها.
ما إن يصل الشعبوى إلى الحكم حتى يجد نفسه فى مأزق، فإما أن يجرى حلولًا ديماجوجية للحفاظ على مؤيديه على حساب الدولة، وإما البحث عن غريم آخر بعدما أطاح بالساسة الحاكمين فى المعركة الانتخابية.
الديمقراطية ليست فقط فوز الأغلبية بالحكم لمدة محددة، بل بقبول الأقلية بنتائج الانتخابات.
السؤال هو:  وماذا لو رفض الحاكم  تسليم السلطة؟
قلت: سيستخدم الحاكم فى هذه الحالة الدهماء فى تهديد مجالس النواب ويضغط على الأعضاء  لرفض نتائج الانتخابات وإعادتها وقد يؤدى ذلك لأعمال عنف ويتم ضرب  الديمقراطية فى مقتل.
فى الدول العريقة ديمقراطيًا ما زلت أعتقد أن الدساتير والعرف  سيتم احترامهما فى النهاية ولكن بعد ما حدث فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة فإن  انقسام الشعب الامريكى قد يستمر والترامبيزم والشعبوية الفوضوية ستظهر أسوأ ما فى الإنسان الأمريكي، خصوصًا التعصب للرجل الأبيض ضد الملونيين والمهاجرين الجدد وعدم قبول نتائج الانتخابات فما بالك فيما يحدث فى الدول النامية.
الديمقراطية لا تعتمد على عدد المتظاهرين ولكن على صندوق الانتخاب فى ظل حرية المواطنين للترشح والتصويت بدون ضغوط ولا ترهيب ولا منع ولا رشوة ولا تلاعب فى الأذهان باستخدام الدين  كوسيلة أو بالأكاذيب باستخدام الإعلام والسوشيال ميديا.
وهنا تظهر قوة الجيوش فى هذه الدول واستيلاؤها على السلطة بحجة ضمان الأمن ووأد الفوضى، إلا أن القوات المسلحة لا تقسم على حماية شخص أو حزب أو حاكم أو طاغية، بل تقسم على حماية الدستور  والقانون فقط.. وهو ما لا يحدث فى دول كثيرة حيث تصبح المؤسسات العسكرية هى الحاكم المطلق البديل،  ونعود  إلى نظرية أنا سيكلوسيس ويعود الحكم إلى مؤسسة واحدة بلا تداول للسلطة ثم إلى حاكم واحد فى دوارانية سياسية تأخذ الدول الفقيرة إلى فقر أكثر وإلى انعدام للحريات وحقوق المواطنين والأمثلة أمامنا عبر التاريخ.