رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

طبول الحرب اندلاع الحرب العالمية الثالثة فى أوراسيا.. ساحة معركة الإمبراطوريات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ العقد الأول من القرن الحادى والعشرين والتشكيك الصينى الروسى حول مسألة الأحادية القطبية الأمريكية الأطلسية، يمر العالم بانتقال تاريخى إلى تعدد الأقطاب ولا يتميز ذلك فقط بعودة السياسة الواقعية، ومبدأ سيادة الهوية، والإمبراطوريات الحضارية الإقليمية، ولكن أيضًا بعملية عالمية تدعى بانتهاء "تبعية العولمة" للغرب؛ فلقد أصبحت هذه العملية مرة أخرى ظاهرة محايدة منفصلة عن أيديولوجية العولمة التى صممها وقام بتكوينها الغرب.

إضافة لكل ذلك، أصبحت الصين اللاعب الرئيسى - وليس المعادى للغرب - فى هذه «العولمة» تلك الظاهرة التى ابتعدت إلى حد كبير عن مبدعيها الغربيين. وهذا التصور الواسع للنظام الدولى - الذى وضعه المنتصرون فى الحرب العالمية الثانية ثم الغرب الذى حقق «انتصار» انهيار الاتحاد السوفيتي، هو أساس الحرب العالمية الثالثة – التى أعلنتها روسيا بشكل مباشر مع غزو أوكرانيا كما أعلنت الصين أيضا عن اندلاع تلك الحرب العالمية الثالثة، وحتى الآن لا تزال هذه الحرب غير مباشرة  ومن أمثلتها ما يحدث حاليا فى البحر بين الصين وتايوان. ولا تزال تركيا وغيرها من القوى متعددة الأقطاب أو «غير المنحازة» مثل الهند وبعض دول أفريقيا وبعض دول قارة أمريكا اللاتينية فى موقف حيادى زائف على أمل: إما الاستفادة من إضعاف الشعوب الأوروبية وخبرائهم المتخصصين فى فن قتل بعضهم البعض لعدة قرون وفن الانتحار الجماعى، وإما الانضمام لأحد الفائزين فى تلك الحرب فى المستقبل والتمتع بحصة جديدة من الكعكة لصالحهم، من حيث السلطة والأقاليم ونظم الحكم والقيم.

مبدأ الغربية مقابل تعدد الأقطاب: ما الذى يكمن وراء الحرب فى أوكرانيا وتوقعات المرحلة المقبلة

 

كما أظهرت الحرب المستمرة فى أوكرانيا، والتى يبدو أنها لن تنتهى مطلقًا حتى وقت كتابة هذه السطور (أوائل فبراير 2023)، حيث يضاعف الروس والغربيون جهودهم لمواجهة بعضهم البعض من خلال الأوكرانيين. فيما يقف العالم غير الغربى (75٪ من شعوب العالم) على الحياد أو هناك منهم من لا يبالى بمصير الأوكرانيين. ولا تزال قواعد عمل العالم الجديد متعدد الأقطاب غير معروفة حيث لا يمكن لأحد أن يقول فى الوقت الحالى من سيفوز فى هذا الصراع العالمى متعدد الأقطاب. ستتضح الصورة وتظهر القواعد الجديدة بعد فترة من الأزمة القوية والعداء وحتى الفوضى وبالتالى الحروب بين الدول مثل الحروب بين أرمينيا وأذربيجان أو بين أوكرانيا وروسيا. هذه الحروب هى فقط الأولى من سلسلة لا يزال من الصعب تعدادها والتى تسير جنبًا إلى جنب مع الحرب التى بدت وشيكة بين الصين وتايوان. ونذكر أيضا من أمثلة هذه الحروب المتوقعة؛ الصين والولايات المتحدة أو بين إيران وإسرائيل، الهند وباكستان، أو حتى بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، هى جميعها حروب تقوم على أساس تحدى الوضع الدولى الراهن الذى وضعه الغربيون وإعادة تعريف الحدود المعترف بها دوليا، والتى تسمى فى العلاقات الدولية "التجديدية" التى تعيد النظر فى كل المبادئ والنظريات التى تم تطبيقها خلال الفترة الماضية.

لكن بقية العالم يقاوم هذا الاتهام بـ«نظرية التجديد»: «لمراجعة نظام وحدود غير مرسومة من قبل حكام سابقين أو مستعمرين أو إمبرياليين من أجل الحفاظ على الهيمنة، أليس هذا مشروعًا؟» وهذه الطريقة التى تنتهجها إيران وكوريا الشمالية وبعض الدول فى آسيا وأمريكا اللاتينية. تلك الدول لا تزال تطرح السؤال التالي: "بأى صفة سيكون الغربيون والقوى النووية الرسمية الأخرى - بما فى ذلك الصين والهند وباكستان - هم الوحيدون الذين لديهم "الحق" فى امتلاك القوة الذرية؟.

وفى الوقت الراهن، من المؤكد أن العولمة لم تعد خاضعة لسيطرة الغرب، وأنها أصبحت قبل كل شيء مجالا للمنافسات الجيوستراتيجية والمنافسة الاقتصادية التى تتزايد عدوانيتها نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية، وأيضا الأزمة الصحية وعواقب الانتعاش المعقد الذى أعقب الطمأنينة والحرب فى أوكرانيا إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، الذى بدأ قبل الغزو الروسى لأوكرانيا.
 

استراتيجية أمريكية عدوانية فى مواجهة القوى التجديدية الروسية والصينية

فى الواقع، تلعب الولايات المتحدة فى أوكرانيا دور انسحابها الإمبراطورى فى منطقة أوراسيا، وذلك فى سياق عالمى يتم فيه نزع "الطابع الغربي" عن العالم. هذا الوضع العالمى يرفض الهيمنة الأمريكية ونموذجها الليبرالى التحررى؛ فبقية دول العالم تريد الحفاظ على تقاليدها والدفاع عن هويتها. ويحاول الأمريكان تسليح أوكرانيا بشكل كبير لإبعاد الصين عن تقليد حليفها الروسى - الذى يساند الصينيين ضد تايوان - وذلك لكى تتمكن من إضعاف روسيا «إراقة الدماء» فى المستنقع الأوكراني، حيث أظهر تقرير شركة راند «توسيع روسيا»، الذى نُشر فى عام 2019، الذى دعا بوضوح البنتاجون إلى استفزاز الروس فى أوكرانيا من أجل تشجيعهم على الاستيلاء على المزيد من الأراضى ردًا على الدعم الغربى للقوميين الأوكرانيين المناهضين لروسيا، بهدف زيادة «نزيف» الجيش الروسى بطريقة مستدامة. هذا ما يفسر سبب اهتمام الولايات المتحدة تحت قيادة بايدن، التى تستعد لحرب إمبراطوريات ضد الصين، بتعزيز سيطرتها على أوروبا قدر الإمكان وإطالة أمد هذا الصراع لأطول فترة ممكنة حتى يكون الجيش الروسى مشغولًا للغاية فى أوكرانيا ولا يستطيع الوقوف بجانب الصين.

فى عام 1987، أوضح بول كيندي، مثل جان بابتيست دوروسيل، أن «كل قوة عظمى تبحث عن الهيمنة العالمية ستفقدها فى النهاية». هذا البيان الذى أصدره جراهام أليسون والذى يوضح أنه ليس فقط الحرب مع الغريب الصينى يمكن التنبؤ بها، بل حتى لا مفر منها، ولكن بشكل خاص أن التاريخ يظهر على مدى ألفى عام أن القوة الموجودة فى السلطة تخسر الحرب التى كان من الخطأ شنها ضد القوة المنافسة. السبب الرئيسى لانهيار الإمبراطوريات التى ينافسها الغرباء هو التخصيص المدمر للموارد الاقتصادية والمالية لقوة عسكرية غالبًا ما يؤدى إلى نتائج عكسية كما فهم الأمريكيون كما حدث معهم؛ من فيتنام إلى أفغانستان إلى العراق والآن أوكرانيا. ومن هنا جاء تفضيل الاستراتيجيين الإمبرياليين الجدد فى الولايات المتحدة لشن المزيد والمزيد من الحروب من قبل «الوكلاء»، كما نرى فى أوكرانيا اليوم، وتحمل جزءا من النفقات ومعظم الأضرار الجانبية من قبل هؤلاء الوكلاء وحلفاء الاتحاد الأوروبى وبقية أوروبا الغربية.

هذه الاستراتيجية للتدخل العسكرى غير المباشر، تذكرنا بخيانة البيون، عندما حكمت الإمبراطورية البريطانية فى جزر الهند وأماكن أخرى من خلال سياسات التفويض والانقسام والإمكان، ونذكر أيضا عندما تقدم رئيس منظمة أخرى بالمشورة للبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية، وهو جورج فريدمان، الذى كان على رأس شركة الاستخبارات والتحليل الاستراتيجى ستراتفور، التى دعت الولايات المتحدة بالفعل فى عام 2015 إلى تقسيم الأوروبيين لوضع حد لأسوأ تهديد للولايات المتحدة يتمثل فى التقارب الألمانى الروسي، وجعل الوضع فى أوكرانيا يتعفن من خلال استفزاز الروس كجزء من استراتيجية تطويق وتطويق صحى تطويق روسيا من بحر البلطيق إلى البحر الأسود (يمكنك متابعة المؤتمر الصحفى الذى عقده جورج فريدمان على الرابط التالى https://www.youtube.com/watch?v=emCEfEYom4A) )

اليوم، الهدف المعلن لبايدن، فريدمان أو بريزينسكى سابقًا، هو ببساطة جعل ظهور قوة قارية أوروبية قاتلة للهيمنة العالمية للقوة البحرية الأمريكية أمرًا مستحيلًا.

الحرب والضغط على شركات الأسلحة الأمريكية الكبرى من خلال الأشخاص الداعين لإعطاء دروس فى الديمقراطية الصحيحة !

 

إذا أراد الغرب الاستمرار فى لعب دور رئيسى لتعزيز الاستقرار واستعادة قوته فى الإغواء، خاصة أنه فقد جزءا كبيرا من هذا الدور بسبب «الغطرسة»، ولإعادة صياغة «صموئيل هنتنجتون»، سيتعين على الغرب قبول دستور مناطق نفوذ إقليمية ذات سيادة وهى الصين، روسيا والهند وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا. وكل ذلك لن يمنع الغرب من حماية مناطق نفوذه فى أمريكا الشمالية والجنوبية والحفاظ على علاقات وثيقة مع أوروبا. سيتعين على سياسته الخارجية التخلى عن إمبريالية ولاياته القضائية التى تتجاوز الحدود الإقليمية وسيتعين عليه إعادة التركيز بشكل أكبر على ضرورة تعزيز توازن القوى العالمي، مما يعنى التخلى عن سياسات تغيير النظام ذات النتائج العكسية. ولكن لا يوجد ما يشير إلى أن هذا الاتجاه، الذى جسده بشكل كبير ناخبو دونالد ترامب أكثر من تلك السياسة التى ينتهجها الديمقراطيون الذين يعتبرون سجناء لأخلاقهم التدخلية، وهؤلاء الأقرب للفوز فى الفترة المقبلة. والدليل على ذلك هو أن الرئيس بايدن لم يفعل شيئًا لمنع الحرب فى أوكرانيا، وأن صناعة الأسلحة الخاصة به، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحزب الديمقراطي، أرادت بيع الأسلحة إلى دول الناتو وأوكرانيا، على العكس من ذلك: كان عملها الدبلوماسى وسياستها الخارجية التى تساند الحرب فى تايوان كما هو الحال فى أوكرانيا، عن حق أو خطأ، وليس فقط مع زيارة نانسى بيلوسي.هذه حقيقة لا يمكن إنكارها. تجرنا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى أكثر قليلًا كل يوم إلى حرب مباشرة بشكل متزايد بين الناتو وروسيا، وهى حرب ستستمر لأشهر أو سنوات فى أوكرانيا وعلى نطاق أوسع فى أوروبا الشرقية، وهذه المناطق بعيدة عن الأراضى الأمريكية. وقال الأدميرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، فى نهاية يناير إن «الناتو مستعد لمواجهة مباشرة مع روسيا». ودعا إلى أن تكون إعادة تسليح التحالف أولوية ودعا الاعضاء إلى الانتقال بأسرع ما يمكن إلى اقتصاد حربى، وهذا ما تم اتخاذه بالفعل  مباشرة بعد القرار الأمريكى والأوروبى الذى أمر بتسليم الأوكرانيين أكثر من 300 دبابة وأكثر من 30 طائرة مقاتلة. كل ذلك  يوضح أن الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل على الأراضى الأوروبية الآسيوية بين الغرب وروسيا، وأن قادة هذه البلدان يكذبون بشكل مبتذل مثل الدعاة الروس عندما ينكرون أنهم يحاربون. وبالنسبة للديمقراطيات الليبرالية، لم يتم استشارة الشعوب أيضًا حول قرار الحرب وهل يوافقون عليه.. كما لم يتم أخذ رأى الشعب أيضا فى روسيا الاستبدادية.

على سبيل الاستنتاج

علي الرغم من بداية الحرب العالمية الثالثة، التى تشهد أوروبا جزءا منها، لا تزال الأمم المتحدة تفشل فى تجديد نفسها: لا يزال مجلس الأمن الدائم يتألف من نفس الفائزين الخمسة الكبار فى الحرب العالمية الثانية. ويرفض مشاركة لاعبين كبار جدد مثل الهند أو البرازيل فى هذا النادى الأممى السعيد. وتجد إيران وتركيا، مثل الصين أو روسيا، لهجات وخططًا جديدة لفتوحات إمبراطورية جديدة، مما يثير الشكوك حول هيمنة الإمبراطورية العالمية الأمريكية، وكل ذلك يعد بمثابة الغزو.

 

كما نلاحظ فى هذا السياق تشويهًا متزايدًا لتعددية الأطراف فى الأمم المتحدة وهذا المبدأ مهم جدا لأتباع المدرسة المثالية للعلاقات الدولية. كل ذلك يقودنا إلى عودة السياسة الواقعية، التى تعمل بالفعل فى جميع أنحاء العالم تقريبًا غير الغربي، أى خارج المنطقة الأوروبية الأمريكية الصناعية الأطلسية. وفى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا، لم تكن هناك علامة خاطئة: 75٪ من البشرية، أى الصين وأمريكا اللاتينية وكل أفريقيا، رفضت إدانة روسيا أو أدانتها رسميًا. وهذه المجموعة «متعددة الأقطاب»، التى ترى الحرب فى أوكرانيا على أنها «حرب بيضاء»، رفضت دائمًا حتى الآن تطبيق العقوبات التى قررتها الدول الغربية، بالإضافة إلى اليابان (على استحياء) وكوريا الجنوبية... وتعتبر العقوبات - التى تم فرضها على روسيا تعد للأوروبيين الغربيين الذين يدفعون 5 أضعاف مقابل الغاز الصخرى القطرى أو الأمريكى أكثر من الغاز الروسى بواسطة خطوط أنابيب الغاز (التى خربها الأنجلو ساكسون فى سبتمبر 2022، نورد ستريم 1و2)- بمثابة "العقوبات الذاتية".

إنها الآن فترة الانتقال الجغرافى الاستراتيجى التى ستكون بنهاية العالم الثنائى القطب (1990) خاصة أن القطب الأمريكى بدأ فى التلاشى والعالم يتطور تدريجيًا نحو تعدد الأقطاب - مع صعود الصين وغيرها من القوى الناشئة والناشئة مثل الهند أو روسيا أو البرازيل أو تركيا أو إندونيسيا. ويمكن أن نسمى ذلك إعادة تكوين نظام عالمى جديد أو التحرك نحو تعددية قطبية غير متماثلة. وهذا الانتقال من نظام محوره الغرب إلى نظام آخر، متعدد المراكز أو فوضوي، لن يتم دون ضرر، أو حتى بدون فوضى عالمية، مثل حركة التروس، وقد تتغير الأوضاع فى تايوان وفى بحر الصين وفى شرق البحر المتوسط وأيضا فى منطقة اليمن - إيران - الشرق الأوسط، وبين الهند وباكستان، وبالطبع بين الروس والموالين للغرب فى أوكرانيا ومن منطقة البلطيق إلى البحر الأسود.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

 

https://www.ledialogue.fr/