رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الدليفري في السينما.. حضور «خفي» لمهنة «وجع القلب»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حضور "طائر" لم يحقق "تواجد" حقيقي يصنع حالة من التعايش مع المشاهد.. هكذا يمكن تلخيص ملامح شخصية عامل "الدليفري" في السينما المصرية، والذى بدأ بالظهور في "أدوار" بلا مسمى واضح في أفلام الأبيض والأسود، لكنها تقوم بنفس عمل "الدليفري" كما نعرفه في وقتنا الحالي، ولعل أقرب عمل جسد صاحب هذه المهنة كان المطرب "كارم محمود" في فيلم "معلهش يا زهر" والذي أنتج عام 1950 من إخراج بركات وبطولة شادية وزكي رستم وسراج منير.

 كارم محمود في الفيلم يعمل في محل البقالة الذى يملكه والده "عبد الفتاح القصري" ويمارس مهنة "الدليفري" فقط لحبيبة قلبه "شادية" عن طريق "السبَت" والذى ما زال موجودًا في بعض العمارات، حيث يضع فيه عامل الدليفري الطلبات توفيرا لجهده في صعود السلالم. 

المهنة في الفيلم تعد معوقا للارتباط بالحبيبة، حيث يقدس والدها الوظيفة على العمل الحر ولكن مع تصاعد الأحداث يدرك أن العمل الحر أفضل بكثير.

 وفي النهاية، تخيم السعادة كعادة تلك الأفلام على الحبيبين، ويبقي للفيلم السبق في التلميح إلى نظرة المجتمع لهذه الوظيفة وغموض مستقبلها. 

وفي عام 1958، تقدم السينما من خلال فيلم "إسماعيل يس في مستشفى المجانين" من إخراج عيسى كرامة وبطولة إسماعيل يس وهند رستم وزينات صدقي إشارة أخرى لهذه المهنة غير مكتملة الملامح من خلال الطفل الذى يساعد الفكهاني، ويقوم بحمل مشتريات زينات صدقي التى تحصل على البضائع التي تريدها من الفكهاني والجزار والخضري مقابل الوعد بالزواج من ابنتها. 

يحمل الطفل البضاعة الثقيلة ويصعد معها إلى شقتها ليكتشف خدعتها خاصة عندما تعطيه مقابل "المشال" أي نقل البضاعة "تعريفة"، الأمر الذى يفجر أحداث الفيلم والصراع بين التجار حول الزواج من هند رستم. الطفل في الفيلم حامل البضاعة إلى المنزل صورة قديمة لهذه المهنة التي لم تتضح أركانها، وظلت هكذا تعبر عن حضور "خفي" في عدد من الأفلام.

ويقدم فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" عام 1986 من إخراج عاطف الطيب وبطولة أحمد زكي وآثار الحكيم وعماد حمدي مشهد لنجاح الموجي "السباك" المقتدر ماديا، والذى يقرر أن يريح زوجته من عناء الطبخ ليعزم أسرتها على العشاء، حيث يتصل تليفونيا بالمطعم طالبا عشاء فاخر، لم نر بالفيلم مشهدا للدليفري حامل الطعام للمنزل، ولكن تكتمل دلالة الوظيفة التي عبر عنها البطل "أحمد زكي" الموظف العاجز عن الزواج، والذى يرى أن ثمن هذه "العزومة" يساوي راتب شهر من وظيفته.

وبذلك، عبر المشهد عن حالة ثراء السباك فكان الدليفري حاضرا بدون "تشخيص"، وفي نفس العام 1986، ولنفس المخرج عاطف الطيب نجد ظهورا واضحا للدليفري في مقدمة فيلم "ملف في الآداب" بطولة مديحة كامل وصلاح السعدني وفريد شوقي، فتبدأ أحداث الفيلم بتوقيف ضابط الآداب "صلاح السعدني" لعامل دليفري بملابس مميزة للمطعم الذى يعمل به يحمل وجبة كباب لشقة مشبوهة، ويقوم الضابط بتبديل ملابسه مع العامل حتى يتمكن من دخول الشقة والقبض على من فيها. 

ويعد الفيلم هو الأول الذى يقدم دور عامل الدليفري بهيئة واضحة المعالم والعمل وبشكل جاد، فالكثير من الأفلام التى تعاملت مع هذه الوظيفة فيما بعد تناولتها بصورة كوميدية لعل أشهرها الدليفري مريض القلب في فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" من إخراج سعيد حامد، والذى أُنتج عام 1998 بطولة محمد هنيدي ومنى زكي وأحمد السقا، حيث ظهر عامل الدليفري غير قادر على صعود السلالم ويلهث بشكل مستمر ورغم كوميديا الموقف الذى تكرر في مشهدين بالفيلم، فقد عبر بوضوح عن متاعب المهنة.

 هنيدي أيضا قدم في فيلم "وش إجرام" عام 2006 من إخراج وائل إحسان وبطولته مع لبلبة وبشرى شخصية عامل الدليفري في مطعم "بيتزا"، ولكن حظه العاثر يوقعه مع عميل مريض لا يطيق سماع صوت الجرس فيقوم بإلقاء العامل من البلكونة، وإضافة للكوميديا يقدم هنيدي الدليفري الجائع والذى يأكل من بيتزا الزبون. 

ورغم أن المشهد عابر إلا أنه يشير لبعض متاعب المهنة، حيث يصادف الدليفري شخصيات مختلفة خلف الأبواب المغلقة.

الطابع الكوميدي للدليفري ظهر أيضا في فيلم أوعى وشك عام 2003 من إخراج سعيد حامد بطولة أحمد رزق وأحمد عيد، والذي يدور حول مواقف كوميدية في النصب، من ذلك عندما قام النصابون بارتداء ملابس الشرطة وأوقفوا عامل دليفري وأخذوا منه الأكل الذي كان يحمله معه. 

صورة أخرى ذات دلالة رمزية قدمها فيلم الوعد الذى أُنتج 2008 من إخراج محمد ياسين وبطولة محمود يس وآسر يس وروبي للدليفري حامل الموت، حيث يرتدي القاتل "باسم سمرة" ملابس الدليفري ليقوم بمهمة القتل التى يرسله فيها رئيس العصابة، والملابس هنا والعلبة التى يحملها في يديه هي التى تعطيه أحقية دخول المنزل، وما يعنيه ذلك من الاطمئنان وصبغة الأمان المسبق الذى يحصل عليه صاحب هذه المهنة وخطورة "دخول البيوت ". 

وتستمر تلك الملامح لهذه المهنة في الظهور بصورة وأخرى في عدد من الأفلام دون عمل متكامل يجسدها بحق، حتى عندما خرج فيلم عام 2016 يحمل اسم "حسن دليفري" من إخراج فكري عبد العزيز وبطولة ريكو وإنجي عبد الله وحسن عبد الفتاح وأحمد راتب، للأسف جاء فيلم أقرب إلى أفلام المقاولات ضعيف جدا، لدرجة أنه لم يحظَ بأي اهتمام نقدي أو مشاهدة جادة أو عرض في أحد الفضائيات حتى الآن. 

يدور الفيلم حول حسن "ريكو " الذى يعمل دليفري في أحد المطاعم ويتم استغلاله من قبل عصابة لنقل المخدرات، ثم يتعاون مع البوليس للقبض على هذه العصابة، ولم يحقق الفيلم أي نجاح يذكر، فما زالت هذه المهنة الشاقة والمهمة في حاجة إلى أفلام تعبر عنها بجدية تليق بها.