الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الكاتب محمود حامد: السبعينيات شهدت بداية الانحدار الثقافي بتحالف الإدارة السياسية مع الجماعات الإسلامية

جانب من الندوة
جانب من الندوة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما وقَّعت مصر معاهدة «الشرف والاستقلال» عام ١٩٣٦، اعتقد المصريون أن بلدهم تسير بخطى ثابتةٍ نحو بناء دولة حديثة، وعكفوا على رسم الخطط للنهوض بتلك الدولة. 

ورأى «طه حسين» من موقعه كأديبٍ ومفكِّرٍ ووطنيٍّ، ضرورة أن يسهم فى وضع تصوُّر لمستقبل الثقافة فى مصر، مؤكدًا أنها أقرب لدول حوض البحر المتوسط منها لدول الشرق. ومن هنا فقد أثار الكتاب موجةً عنيفةً من الانتقاد لا تقلُّ عن تلك التى واجهت «طه حسين» حين أصدر كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وأنكر عليه البعض إغفاله العلاقات بين مصر والشرق، مؤكدين أن المصريين، وإن كانوا غير مرتبطين بدول الشرق الأقصى، فإن هناك تقاربًا ثقافيًّا لا يمكن تجاهله بينهم وبين الشرق الأدنى، ولا سيما العرب. 

من هذا المنطلق استضاف «صالون البوابة الثقافى» نخبة من أبرز المثقفين والكتاب، ضمت: الأديبة الكبيرة سلوى بكر، رئيس تحرير سلسلة التراث بالهيئة العامة للكتاب، والناقد الأدبى الدكتور يسرى عبد الله، أستاذ النقد الأدبى بجامعة حلوان، والكتاب الصحفى محمود حامد، مدير عام التحرير بالبوابة، وأدار النقاش الكاتب الصحفى محمد لطفى، رئيس القسم الثقافى بجريدة البوابة.

 

ظاهرة إنسانية

 

 لفت الكاتب الصحفى محمود حامد إلى ما ذكره طه حسين فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» حول أهمية الثقافة بوصفها ظاهرة إنسانية عامة وليست مسألة وطنية مصرية فقط لها دورها الأساسى فى ربط الوحدة الوطنية، وربط الوحدة الوطنية بقديمها وحديثها واقترانها بالتنمية الصناعية والاقتصادية والتعليمية لكى تتحقق التنمية الثقافية. 

 

وقال حامد: «مستقبل الثقافة في مصر»، هو عنوان عمل رئيسى لعميد الأدب العربى طه حسين، أعده عام 1938 وسوف نندهش عندما نعرف أن الكتاب بدأت فكرته عندما قدمه كتقرير خاص طلبه منه مجلس الوزراء المصري للاستفادة من خبرة طه حسين الأوروبية، وأصبح التقرير كتابًا من 550 صفحة ونشرته مطبعة المعارف ومكتبتها بمصر، واعتبر مجلس الوزراء الكتاب جهدًا مشكورًا، مما يعنى أن مجلس وزراء مصر فى عام 1938 كان يدرك أهمية ما نسميه اليوم القوة الناعمة كإحدى ركائز نهوض الأوطان، وأتذكر أننى كتبت منذ أكثر من عشرين عاماً يوميات بعنوان متى نسمع عن اجتماع لمجلس الوزراء يخصص لمناقشة قضايا الثقافة.. ويبدو أن السؤال ما زال حلماً نتمنى أن يتحقق، مطالبا بضرورة اعتبار الثقافة مشروع قومى يتطلب حشد كل الرؤى للنهوض بها مثل أى مشروع قومى تنموي آخر، إذ أن بناء البشر مهمة سامية وضرورة واجبة على كل المستويات.

 

وأشار إلى التغير الجوهرى الذى حدث فى مصر فترة عهد السادات، فجميعنا نتذكر عندما حدث التحالف بين النظام السياسى وجماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها جماعة الإخوان، فقد بدأت هنا فترة الانحدار فى التعليم، وبالتالى فى الثقافة، وهو ما ظهر جليًا فى انتشار ظاهرة الجنازير بالجامعات وسط صمت ومباركة القيادات وبالأخص فى جامعة أسيوط، وبدأت فترة تحول الثقافة والتعليم من تعليم مدنى إلى محاولة تأطيرهما فى إطار دينى، وبدأ الإرهاب الفكرى ينتشر من هنا، كما تغير الفكر العام للهيئة العامة لقصور الثقافة عندما صدر قانون بتحويل الاسم من الثقافة الجماهيرية إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة، ولو عدنا إلى القانون الذى صدر سنجده قد قام بتغيير بنيتها الأساسية وتوجهها.. ولم تعد تهتم الهيئة بالذهاب إلى الناس حيث يتواجدون فى القرى والنجوع وكل بقعة على أرض مصر، واهتمت الهيئة بالنشر بدلاً من الانتشار.

 

وواصل: مستقبل الثقافة مرتبط ارتباطا وثيقاً بالنهوض بالتعليم نهوضاً حقيقياً، وهو مرهون برؤية إبداعية تخص جميع الأطراف المختصة بالثقافة والشباب والتعليم والتنمية المحلية وغير ذلك من جهات شريطة الخروج من شرنقة التفكير الرسمى الخانق، ومستقبل التعليم لا يمكن أن تحكمه رؤية شخص واحد مهما بلغ من العلم.

 

وواصل: بعد مرور أكثر من ثمانين عامًا، نجد أن الكتاب يبدو كما لو كان مكتوبًا لنا اليوم، فأغلب المشكلات التى كان يتحدث عنها طه حسين، خاصة فيما يتصل بكل من الثقافة بوجه عام والتعليم بوجه خاص، لا تزال إلى اليوم مشكلات موجودة ومستعصية على الحل. وهو أمر يؤكد أن مشروع طه حسين لا يزال مشروعًا معاصرًا، ولا يزال صالحًا للتطبيق وفق مراعاة تغيرات الزمن وما جرى فى نهر الحياة من تطورات إيجابية أو سلبية.

 

 وتابع حامد: نحتاج ونحن نتحدث عن المستقبل أن نراجع الماضى وبالأخص تراثنا الفكري والثقافي، لنتعرّف على المساهمات الحقيقية في معالجة مشكلاتنا، فقد تعددت الاجتهادات لنهضة مصر وتحديثها، أو تنويرها منذ وقت يحسب الآن بالقرون، وخاصة في مجال الثقافة والتعليم، حيث نعاني من أوضاعهما البائسة، رغم تراثنا في تناولها، وقدم عميد الأدب العربى رؤية إصلاحية بدت «ثورية» فى نظر كثيرين لأهميتها في تقدم أمور حياتنا. وقد رأى طه حسين مبكرًا أنه لابد من العناية بالأدوات الثقافية مثل الصحافة والسينما والراديو لفائدة ذلك للكثرة التي لا تقرأ.

 

وواصل: تتحدد رؤية طه حسين - فيما يخصنا هنا - في رؤيته لوضع التعليم، وربطه بالوضع الاجتماعي والثقافي في البلاد، بينما هو يتحدث عن المستقبل، وكان هناك أيضاً جهد فكرى قدمه المفكران الكبيران محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، قى كتابهما المشترك تحت عنوان «في الثقافة المصرية» عام 1955 (بيروت – القاهرة)، تعرضا فيه لنقد التراث الثقافي الوطني وانتقدا أيضاً جهد طه حسين نفسه، رغم أنهما حرصا على تقديره مع نقده، لأن رؤاه لا يمكن تجاهلها. ويحضرنى هنا حوار أجراه الكاتب الراحل محمود عوض عام 1972 مع طه حسين، قال فيه أنه لو أعاد كتابة كتابه لراجع بعض ما فيه من أفكار مع تمسكه بجوهره، ذلك أن أوضاع الثقافة (عام 1972): زفت، بحسب تعبير طه حسين نفسه. وللمفارقة فى دردشة مع أستاذنا ومفكرنا الراحل محمود أمين العالم، قال لى مثلما راجع طه حسين بعض أفكاره فإن كتابى مع عبدالعظيم أنيس يحتاج لبعض المراجعة، خاصةً بعد بروز دور الإخوان.

وقال «حامد»: عالج طه حسين فى كتابه بعض أبعاد رؤية التراث فى الثقافة والتعليم والمحافظة عليها، فرأى ضرورة إشراف الدولة على شئون التعليم كلها، لقدرتها على مراقبة وضع المناهج والبرامج التعليمية، حيث إن القلة التى تعلمت خضعت لألوان مختلفة من التعليم يجب تجاوزها، فالتعليم الأجنبى تحميه الامتيازات الأجنبية، والأزهر مثلا تبدو الدولة مشرفة عليه، بينما هو مستقل استقلالًا تاماً، وهو يصيغ أفكار الطلاب صياغة خاصة مختلفة عن الصيغة التي ينتجها التعليم المدني، ولابد أن تتابع الدولة إشرافها على تعليم اللغة الوطنية لأهميتها في تكوين الشخصية الوطنية، وكونها وسيلة التعامل في إطار وطن واحد، ولابد أن تلتزم المدارس الأجنبية بتدريس التاريخ الوطني المصري والعلوم الدينية.

 

وأضاف حامد: أكد طه حسين على أنه يجب عدم قصر التعليم العام على طبقة دون أخرى لضمان تحقيق العدل والمساواة، فالتعليم الصالح جزء من الدفاع الوطني المتين "ما نسميه اليوم الأمن القومى"، ويحذر طه حسين من مخاطر جعل التعليم وسيلة وليس غاية، وهذا إفساد لقيمة التعليم، وتدفع للإعراض عن القراءة الحرة، بعدما كان الأطفال يستمتعون بحصة قراءة حرة وكان يوجد حصة مكتبة وكنا نتسلم كراسة نجد فى أعلاها مساحة لنكتب اسم الكتاب واسم المؤلف والناشر ثم نلخص فى باقى الصفحة الكتاب الذى استعرناه من مكتبة المدرسة، فنشأنا أجيالاً تربت على حب الكتاب وعشق القراءة والبحث عن كل ما ينمى ثقافتها ويعلى مداركها.