السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة البرلمان

دفتر أحوال الوطن (14) .. 1925 البرلمان يجتمع بفندق كونتيننتال بعد محاصرة البوليس للمجلس

سعد زغلول
سعد زغلول
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الحكومة تهدد الأعضاء بإطلاق النيران .. ومؤرخون يصفون الاجتماع بالتاريخى

 

حالة من الفوضى السياسية عاشتها البلاد بين عامي 1924 و1925، بسبب القرارات الملكية التي كانت تحاول شل الحركة الوطنية المصرية، وضربت بالمبادئ الدستورية عرض الحائط، وكان آخرها حل برلمان 1925 قبل أن يكمل 9 ساعات عمل، وقبل انتخاب هيئة مكتب المجلس.

يقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعي، أحد نواب برلمان 1925 والذي كان شاهدًا على هذه الوقائع، في الجزء الأول من كتابه في أعقاب الثورة المصرية 1919: "إن الحالة السياسية في 1925 كانت سيئة من كل النواحي، وكان الدستور معطلًا والأحزاب السياسية فى تناحر وتقاطع، والصحف فى مجموعها تملأ أعمدتها بالمطاعن والمثالب، والحكومة تتولاها وزارة رجعية في إشارة منه إلى حكومة أحمد زيور باشا، وتستند إلى حزب السراى ولا تتصل بالأمة بصلة، وهمها إرضاء الغاصب لكى تنال رضاه، وأهم عمل لها هو سن القوانين المعطلة للحركة الوطنية، وتعطيل الحياة النيابية والتسويف فى إجراء الانتخابات قدر ما تستطيع بدعوى أنها تعمل على تعديل قانون الانتخابات، ووضع القوانين فى غيبة البرلمان مستهينة بأحكام الدستور".

كل هذه الأحداث أدت إلى أن ضاق الناس ذرعًا بما يحدث، إلى أن دعا أمين بك الرافعي على صفحات الجرائد إلى وحدة الصف وعودة الحياة الدستورية، وضرورة انعقاد البرلمان من تلقاء نفسه طبقًا للدستور في حالة لم يدع الملك إلى انعقاده، كل ذلك جاء بعدما رفضت الحكومة إجراء انتخابات نيابية في 23 مايو 1925، طبقًا للمرسوم الملكي الذي صدر يوم حل البرلمان الثاني لثورة 1919، كما نص المرسوم على أن مجلس النواب الجديد يجتمع أول يونيو، وهو ما لم يتم وتعطلت معه الحركة النيابية مجددًا.

وبحسب دستور 1923 تقضي المادة 96 منه على: "أن يدعو الملك سويًا إلى عقد جلساته العادية قبل يوم السبت الثالث من شهر نوفمبر، فإذا لم يدع إلى ذلك يجتمع المجلس بحكم القانون في اليوم المذكور".

وحسب «الرافعي» فإنه بعد هذه الدعوات التي لاقت قبولا كبيرا بين القوى السياسية في ذلك الوقت، قامت الحكومة بعدد من الاحتياطات لمنع اجتماع النواب داخل البرلمان في اليوم المحدد له 21 نوفمبر من عام 1925، وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا حذرت فيه النواب بأنها ستمنع بالقوة كل محاولة للاجتماع بدار البرلمان وأن الجيش يؤمن الموقع، أو بأي مكان آخر بدعوى أن هذه الاجتماعات غير مشروعة، كما حذرت الوزارة أنها أصدرت تعليمات للضباط بإطلاق الرصاص في حال عدم الالتزام بالتعليمات الصادرة، والقبض على كل من يشترك في اجتماع أو موكب أو مظاهرة.

الأمر نفسه يؤكده أحمد باشا شفيق في الجزء الثاني من كتابه «حوليات مصر السياسية»، حيث أوضح أنه في يوم 20 نوفمبر وقبل الاجتماع بيوم واحد، توزعت قوات الجيش على الشوارع وحاوطت دار البرلمان، واعتلت قبته، فيما سلم معاون بوليس البرلمان مفاتيح جميع المكاتب والغرف إلى قائد القوة العسكرية، ووضعت هذه المفاتيح في كيس تم ختمه بالشمع الأحمر.

ووصف «الرافعي» ما حدث ذلك اليوم بأن المنطقة المحيطة بالبرلمان أصبحت كالقلعة الحصينة التي لا يمكن الدخول إليها إلا على أسنة الرماح، منوهًا أن النواب لما رأوا أن الاجتماع في مقر المجلس ممتنع بالقوة، أجمعوا رأيهم على أن يجتمعوا في فندق الكونتيننتال.

وتابع شفيق باشا، أن كثيرا من أعضاء البرلمان باتوا في الفندق وكان أحمد زيور باشا يقيم في نفس الفندق.. ويذكر الرافعي عن هذه اللقطة الطريفة، أن زيور باشا كان يغادر الفندق إلى مجلس الوزراء فمر بالنواب خلال اجتماعهم وحياهم تحيته المعتادة وغادر أمام الجموع الموجودة خارج الفندق، وما إن رآه المجتمعون حتى هتفوا "نريد الدستور.. احترموا الدستور.. استقيلوا"، ولكنه قابل الهتاف بالصمت وتابع سيره إلى مجلس الوزراء.

ووصف شفيق باشا اجتماع البرلمان بالاجتماع التاريخي، بدأ بافتتاح الجلسة في منتصف الحادية عشرة صباحًا بهيئة مؤتمر انتخب لرئاسته أكبر الأعضاء سنًا وهو سعد باشا زغلول، ثم وافق الأعضاء على أنه تنفيذًا لأحكام المادة 96 من الدستور اجتمع أعضاء البرلمان يوم السبت 21 نوفمبر 1925 وأرادوا عقد المجلسين « النواب والشيوخ» في دار البرلمان فمنعتهم القوة من الوصول إليه، وعلى ذلك اجتمعوا بفندق الكونتيننتال وتكامل عددهم النوني وبعد المناقشة في الحالة الحاضرة قرروا بالاجتماع الآتي: الاحتجاج على تصرفات الوزارة المخالفة للدستور وعلى منع الأعضاء من الاجتماع في دار البرلمان بالسلاح، واعتبار دور الانعقاد موجودًا قانونًا واستمرار اجتماعات المجلسين في المواعيد والأمكنة التي يتفق عليها الأعضاء، ونشر هذا القرار في جميع الصحف، وأضافوا إلى هذه القرارات قرار مجلس النواب بعدم الثقة في الوزارة الحاضرة طبقًا للمادة 65 من الدستور.

كان لاجتماع البرلمان أثر كبير على الوضع السياسى فى مصر، حيث وجه عدد من أمراء العائلة المالكة خطابًا للملك في 23 من نفس الشهر، يطالبونه بإعادة الحياة الدستورية للبلاد، فعزز دعم الأمراء لعودة الدستور من موقف القوى السياسية، وهو ما أدى إلى تغيير الوضع السياسي في البلاد في مطلع 1926.