الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

شخصيات روائية| سالم جبر يعارض حبًا فى المعارضة

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى روايته «المرايا»، الصادرة عام 1972، والتى تحولت إلى فيلم سينمائى بطولة الراحل نور الشريف مع نجلاء فتحى، استعرض أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ خمسين شخصية متنوعة بين صفحات الرواية، واضعًا يده على فترة ما بين ثورة 1919 حتى ما بعد نكسة يونيو بقليل، ناقلًا توصيفا للحالة الاجتماعية وحال الشعب المصرى فى هذه الفترة من خلال هؤلاء، حيث كانت الانتهازية والوصولية لأقصى حد هى السمة الرئيسية؛ إضافة إلى الخيانة، وانعدام الأمانة، والتخلى عن القيم والأخلاق والدين.

يأتى «سالم جبر» كمثال للصحفى المُتعارض مع توجهات الدولة أيًا كان مسارها، وكما وصفه محفوظ فهو «شخص غريب خُلق ليكون مُعارضًا، حُبًا فى المُعارضة قبل كل شيء، فإذا كانت الدولة إقطاعية فهو شيوعى، وإن تكن يسارية فهو مُحافظ"؛ هكذا كان يدعو الناس للتخلى عن الطربوش واستبداله بالقبعة الغربية فى خطوات نحو المزيد من حياة الغرب، وأن تتحرر المرأة ثُم فجأة أصبحت تُهمة الإلحاد جاهزة له -رغم انتمائه السابق إلى التيار التقدمي- بعد أن تحرك فكره عقب ثورة ١٩١٩ إلى اليسار مُقتربًا من الشيوعية، فألف كتابا عن كارل ماركس أثار عاصفة أحكمت التُهمة، التى شملت المُغالاة والافتراء على الدين الإسلامى.

بشكل ما فإن تطرف جبر الفكرى قد انعكس على كل شيء، فوصف حزب الوفد -كيانه الذى ينتمى إليه- بأنه «أفيون الشعوب»، وأن ما يُبرمه من اتفاقات ومُعاهدات فقط لاستمرار الصمت الشعبي؛ كما أنه وعلى عكس العديد من المصريين الذين كانوا يريدون من روميل الاستمرار وطرد الإنجليز، هاجم النازية وحليفتها الفاشية، ومالت علاقاته نحو السفارة البريطانية ورجالها؛ أمّا بعد قيام ثورة يوليو فقد برزت حالته المُتناقضة أكثر رغم انتمائه للنظام الجديد، فعمل فى خدمته، لكنه رغم عمله وتأييده كان يُعارض الكثير من أفعالها، فقط من أجل المُعارضة التى لم يعد يستغنى عنها.

وتتفق مع جبر فى مُعارضة ثورة يوليو -رغم اختلاف الأسباب- الصحفية الشابة «مجيدة عبد الرازق»، وعانت من الاضطهاد فى صغرها لأنها البنت الوحيدة لأربعة إخوة من الذكور، والتى مع تكوين رؤيتها تختلف مع أستاذها زهير ذى الانتماء الوفدى، وخطت نحو الشيوعية على يد صاحب علاقتها الزوجية الوحيدة محمد العارف، إلا أن الاتجاه الاشتراكى الذى مال إليه نظام عبدالناصر بدأ فى تغيير رؤيتها تدريجيًا؛ ورغم أنها ذكية وجذّابة، إلا أن مجيدة حظت بحياة مليئة بالتقشف العاطفى، فعقب طلاقها تفرغت لتربية طفليها لتحيا فى وحدة اختيارية مليئة بالكآبة والبرود.

على عكس مجيدة جاءت الشابة «نعمات عارف» ابنة العشرين، والتى كانت لا تزال تحت التمرين، والتى اتخذت أسرع الطرق بالزواج من الأستاذ زهير ذى الستين عامًا، الذى ركن بعدها إلى الراحة «فلم يمسك بالقلم إلا لكتابة يومياته الأسبوعية فى الموضوعات اليومية العامة»، ولم يقو على حيوية الفتاة التى سُرعان ما انخرطت فى الخيانة مع صديق زوجها؛ أما الزوج نفسه، فقد جاء ترهله بعد حياة مُثقلة بالتناقضات والنفور، فكان مع كتاباته السياسية فى الوفد، بعد حصوله على عضوية مجلس النواب، مع الإتجار بكل شيء؛ وحتى يستمر بعد ثورة يوليو قامت بُمهاجمة الوفد بشراسة رغم إيمانه داخليًا بمبادئه «وتعين صحفيًا فى إحدى الجرائد الكبرى، وسُرعان ما اعتُبر قلمه من أقلام الثورة، كما عُهد إليه بتحرير صفحتها الأدبية، فقاد نُقّاد الأدب المُعاصر»، وكان حسب الهدية أو المبلغ الممنوح له يقوم بتقييم الأعمال الفنية.

وبعيدًا عن الفساد السياسى والمهنى، يأتى الانحلال الأخلاقى واضحًا بدوره مع «يوسف بدران» الصحفى الفنى، والذى لا يُمانع فى التورط فى علاقة مع «الفنانة التشكيلية التقدمية المتزوجة عزيزة عبدة»، والتى يزداد تورطه معها بعد أن تم اعتقال زوجها فى حملة ضد الشيوعيين، وتُنجب منه طفلة تحمل تحمل ملامحه تُصر عزيزة على إبقائها، إلا أنه يتجنب رؤيتها.