السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر والتجربة الصينية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في نهاية السبعينيات كانت الصين مثقلة بالديون وبإجمالي إنتاج محلي متواضع، وكانت منتجاتها بالكاد تجد أسواقا، لكن الوضع انقلب رأسا على عقب وبعد 4 عقودٍ على إطلاق القائد الصيني دينغ سياو بينغ سياسة "الإصلاح والانفتاح"، تحوّلت الصين إلى قوّة اقتصادية هائلة، لا تسبقها سوى الولايات المتحدة.

ومن المتوقع أن تقفز الصين، إلى المركز الأول بحلول عام 2028، وقد تضاعف الاقتصاد الصيني 42 مرة بين عامي 1980 و2017، لتزيد قيمته من 305 مليارات دولار إلى 12،7 تريليون دولار فيما يشبه المعجزة وتحتلّ الصين المرتبة الأولى كأكبر مصدّر في العالم. وصدّرت الصين ما يساوي 2.7 تريليون دولار من البضائع والخدمات في عام 2020 بينما كانت الصادرات عام 1980  21 مليار دولار فقط.

وأظهرت أرقام الأمم المتحدة الصادرة في يناير الماضي أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة كوجهة عالمية أولى للاستثمار الأجنبي المباشر.

وعندما تسلم الحزب الشيوعي مقاليد الحكم في الصين، كانت البلاد فقيرة جدا، ولم يكن لديها أي شركاء تجاريين ولا علاقات دبلوماسية واسعة. كانت الصين تعتمد كليا على الاكتفاء الذاتي ولكن، وفي السنوات الـ 40 الماضية، اعتمدت الصين سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية كان من شأنها فتح الطرق التجارية والسماح بالاستثمارات، وهي خطوات أدت في نهاية المطاف إلى إخراج الملايين من دائرة الفقر.ولا يزال العالم يذكر كيف نجحت الصين فى انتشال 700 مليون صينى من الفقر والجوع رغم تقديرات مؤتمرات الغذاء العالمى على امتداد عقود طويلة بأنه من المستحيل تحقيق هذا الهدف، لكن إرادة الصين كانت أقوى من كل التكهنات الغربية وتحققت المعجزة بالفعل، ليس من خلال عمل سحرى، ولكن من خلال معدلات تنمية عالية ومستمرة ركزت على هدفين أساسيين هما إصلاح الطريق والبناء، وقد اعتمدت الصين فى فلسفتها الجديدة مبدأ الطريق أولا، وانطلقت فى الإصلاح تشق الطرق وتقيم الجسور وتطور وسائل النقل وأدواته وتمد العمران إلى المناطق الجديدة، وتضع مصلحة الاقتصاد الوطنى فوق كل الاعتبارات والمصالح بما فى ذلك اعتبارات السياسة، والأمر المؤكد أن الصين التى ركزت على قضية الطريق أولا فى معالجة قضية الفقر فى الداخل اعتمدت المبدأ نفسه فى مشروعها الكوكبى خارج الصين الحزام والطريق حيث شقت الصين ومن موازنتها العديد من الطرق البحرية والموانئ والمطارات والسكك الحديدية فى عدد من دول العالم لاعتقادها الراسخ بأنه عندما يوجد طريق فإن الإنسان لن يقف عاجزا، ولكنه سوف يكمل مسيرة البناء والعطاء، وربما لهذا السبب ذاته جاءت المبادرة الصينية «طريق واحد وحزام واحد» كمحور أساسى لتنمية الحركة الاقتصادية فى كل من آسيا ودول المحيط الهادي، وأظن أنها نفس الفلسفة وراء المشروع الصينى الضخم طريق الحرير الذى يستهدف إعادة الطريق التجارى بين الصين ودول الشرق الأوسط ليمر بذات المناطق التى كانت تمر بها تجارة الحرير قديما. إن مبادرة  «طريق واحد وحزام واحد» لإدارة الحركة الاقتصادية فى كل من آسيا ودول المحيط الهادى أكثر فاعلية وقبولًا من اتفاقات التجارة الحرة التى تروج لها الولايات المتحدة، ويستدلون على ذلك بإعلان 70 دولة عزمهم على المشاركة فيها دون أى تردد، لأن المشاركة فيها سهلة لا تتضمن أى تعقيدات أو شروط مُسبقة، وكما أن المشاركة فى المبادرة تعنى تطوير موانئ الدول وبنيتها التحتية واللوجستية بما يعود بالنفع على الجميع وبينهم الصين. وكان النمو الذى حدث فى الصين على مدى العقود الأربعة الماضية  مدفوعا أساسا بدخول شركات جديدة بدلا من إعادة هيكلة الشركات القديمة.

وربما تكون الصين خلال العقود الأربعة الأخيرة قد تنازلت عن عدد من المبادئ الأساسية للشيوعية واستخدمت الكثير من أساليب الرأسمالية، بما يؤكد أن الحواجز العقائدية والأيديولوجية لم تعد مسوغًا لتبرير عدم تعاون الدول اقتصاديًا.

وتملك الصين الآن أكثر الشركات العالمية تطورا فى تكنولوجيا المعلومات، صحيح أن الأمريكيين يتهمونها بأنها سرقت الملكية الفكرية للعديد من إنجازات التكنولوجيا الغربية لأنها كانت تفرض على الجميع ضرورة الإفصاح عن التكنولوجيات الجديدة لمعظم السلع قبل أن تسمح بدخولها إلى أسواق الصين الواسعة، لكن الأمر المؤكد أن الصين قد طورت تكنولوجياتها الخاصة بما مكنها من التفوق على الجميع وصدارة العالم فى العديد من أساليب الإنتاج.

غير أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد أثرت بالسلب على الاقتصاد الصيني، كما أثرت بالسلب على الاقتصاد الأمريكى وعلى مُجمل الاقتصاد العالمي، وقال مصدر مسئول فى صندوق النقد الدولى إن النمو الاقتصادى العالمى يتباطأ كما أن معدلات التنمية تنمو بوتيرة أبطأ بفعل التوترات التجارية التى تصاعدت فى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة والتى يتزايد تأثيرها الواضح على حجم الاستثمارات العالمية لأن المستثمرين يعانون غياب اليقين وعدم الاستقرار وبالأخص فى آسيا، خاصة أن واشنطن وبكين فى حربهما التجارية يتبادلان فرض رسوم جمركية على سلع البلدين تجاوزت قيمتها أكثر من 300 مليار دولار خلال العام الأخير.