الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفلفل الحار وجائزة نوبل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اكتملت قائمة الفائزين لهذا العام بجوائز نوبل فى الطب والفيزياء والكيمياء والأدب والسلام والاقتصاد. وقد فاز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء و الطب بشكل مشترك العالم الأمريكي ديفيد جوليوس بالاشتراك مع العالم المنحدر من أصل لبناني، أرديرم باتابوتيان، وذلك لاكتشافهما الطبي الذي يعد ثورة في علاجات الألم ويتعلق بمستقبلات الحرارة واللمس وكيف تحوّل أجسامنا الإحساس إلى رسائل كهربائية في الجهاز العصبي. وكانت الطريقة التي تقوم بها أجسامنا بالشعور باللمس والحرارة قبل ذلك واحدة من أعظم الألغاز في علم الأحياء.  

وأدرك مدى أهمية هذا الكشف الطبي للمرضى الذين يعانون من قسوة الآلام المبرحة لأمراضهم المزمنة.. فقد قابلت مرضى كثيرين خلال تجربتي مع السرطان تصل بهم حدة الألم مع عجز الأدوية والعقاقير "الأفيونية" المعتادة عن تسكينه إلى تمني الموت بحثا عن الراحة بعدما أضحت مستحيلة! 

لذا أشعر بفرحتهم وبسعادة الأطباء تجاه هذه الثورة العلمية بكل المقاييس في علاجات الألم بفضل اكتشاف ديفيد جوليوس وأردم باتابوتيان الآليات الرئيسية لكيفية شعور الناس بالحرارة والبرودة واللمس وحركاتهم الجسدية والذي يفسر كيفية تحفيز درجة الحرارة المرتفعة والمنخفضة والقوة الميكانيكية للنبضات العصبية المسؤولة عن إدراكنا للعالم وقدرتنا على التكيف معه.

وروعة الكشف الطبي تكمن في أنها اعتمدت على رصد الدكتور جوليوس، أستاذ علم وظائف الأعضاء في جامعة كاليفورنيا، للألم الحارق الذي نشعر به من تناول الفلفل الحار. واستخدم مكونًا رئيسيًا في الفلفل الحار للتعرف على البروتين الموجود في الخلايا العصبية الذي يستجيب لدرجات الحرارة العالية بشكل غير مريح. وأجرى تجربة مستعينا بمصدر حرارة الفلفل الحار، وهو عنصر الكابسيسن الكيميائي. واكتشف نوعا محددا من المستقبلات (جزء من خلايانا) يستجيب للكابسيسن. كما أظهرت تجارب أخرى أن المستقبلات تستجيب للحرارة وتتأثر بدرجات الحرارة "المؤلمة"، وهو ما يحدث مثلا عندما تحترق اليد بفنجان من الشاي أو القهوة، أوعند السير على شاطئ رماله ساخنة حارقة وغير محتملة تحت القدمين.. فهذه المستقبلات هي التي ترسل إشارات إلى المخ.

وبدوره، قاد الدكتور باتابوتيان عالم الأعصاب المولود في بيروت عام 1967، فريقًا في معهد أبحاث سكريبس، وحددوا لأول مرة خطا خلويا يعطي إشارة كهربائية قابلة للقياس عندما يتم وخز الخلايا الفردية باستخدام ماصة صغيرة وكان من المفترض أن المستقبل الذي يتم تنشيطه بواسطة القوة الميكانيكية هو قناة أيونية، وفي الخطوة التالية تم تحديد 72 جينا مرشحا يشفر المستقبلات المحتملة.

وتم تعطيل هذه الجينات واحدا تلو الآخر لاكتشاف الجين المسؤول عن الحساسية الميكانيكية في الخلايا المدروسة. ونجح باتابوتيان وزملاؤه في تحديد هذا الجين. وتم اكتشاف قناة أيونية جديدة وغير معروفة وحساسة للميكانيكا، وأطلق عليها الفريق اسم Piezo1، المستوحى من كلمة يونانية تعني "ضغط". ومن خلال التشابه مع Piezo1، وقع اكتشاف جين ثان واسمه Piezo2.

وتوصل الباحثون إلى أن Piezo1 وPiezo2 يلعبان دورا رئيسيا في الحس العميق، وأنهما عبارة عن قنوات أيونية يتم تنشيطها مباشرة عن طريق الضغط على أغشية الخلايا. كما أثبتت الدراسات لاحقا، أن Piezo1 وPiezo2 يشاركان أيضا في تنظيم عمليات فسيولوجية مهمة إضافية بما في ذلك ضغط الدم والتنفس والتحكم في المثانة البولية. وبالتالي فإن هذا الاكتشاف العلمي سيستخدم في تطوير علاجات لأمراض عديدة أيضا إلى جانب علاج الألم المزمن. كما أنه بشرى وحياة جديدة للمرضى لأنه سيجنبهم الآثار الجانبية المدمرة على أعضائهم جراء الاعتماد الكامل على العقاقير الأفيونية والتي تدمر الأعصاب والكلى والكبد والجسم بالكامل. 

وكانت شركات الأدوية في العقود الثلاثة الماضية تضخ مليارات الدولارات للبحث عن عقاقير "غير أفيونية" تمكن من تخفيف الألم عن طريق استهداف المستقبلات. ويبعث هذا الكشف الطبي الحياة من جديد في هذه الأبحاث بعد أن واجهت العلاجات ذات الصلة عقبات كبيرة حتى تلاشى اهتمام صانعي الأدوية إلى حد كبير بها. ونظل نحلم بالقضاء على الأمراض وآلامها وكل ما يؤرق البشرية بفضل هذه الأدمغة. فتحية إلى العلم والعلماء!