السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما بعد العصر الأمريكي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«الحضارة تموت بالانتحار، لا بالقتل» هذه خلاصة المؤرخ أرنولد توينبي التي استغرقت من قائلها تاريخًا من البحث والاستقراء في حركة البشرية، ولا غرابة، فهو صاحب «دراسة في التاريخ»، و«تاريخ البشرية».

مؤكدًا فيها أن الحضارات إنما تصعد وتنهض؛ استجابة لتحديات محدَّدة سواء كانت هذه التحديات مادية أم اجتماعية، وعندما تعجز هذه الحضارة عن الاستجابة للتحديات التي تواجهها؛ فإنها تدخل في مرحلة الانهيار، مشددًا على أن الأمم والحضارات تموت أساسًا؛ بسبب عوامل داخلية، فيما وضع المؤرخ الأمريكي ويليام ديورانت  انهيار منظومة القيم الدينية والأخلاقية في طليعة أسباب سقوط الحضارات، فيقول: "الحضارات العظيمة لا تنهزم إلا عندما تدمِّر نفسها من داخلها، والأسباب الرئيسة لانهيار روما مثلًا وسيظل التاريخ شاهدًا مهمًا على نهوض الحضارات وانتحارها  في دورات متتالية تشبه دورة حياة الإنسان نفسه". 

والأمر المؤكد، أن عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن كان «العصر الأمريكى»، وكان من أهم نتائج تلك الحرب أن ورثت الولايات المتحدة دول أوروبا الاستعمارية، وأهمها بريطانيا وفرنسا، (مع استثناءات قليلة حل فيها الاتحاد السوفيتى محل هذه الدول الاستعمارية القديمة، ولكنه فشل فى الاحتفاظ بها بعد نهاية الثمانينيات وفى عام 1993 كتب صمويل هنتجتون مقالا فى مجلة فورين أفيرز بعنوان «صراع يالحضارات فالصدام هو جوهر ما يحكم العلاقة بين تلك الحضارات، وبعدها كتب الأكاديمى الأمريكى ذو الأصل اليابانى فرانسيس فوكوياما مقالا عنوانه «نهاية التاريخ»، معتبرين أن أمريكا هي النموذج التاريخي وتصبح مقولة أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات ستثبت صحتها بالنسبة للولايات المتحدة كما حدث مع الاتحاد السوفيتي، أو كما كتب أحد المحللين الأمريكيين فإن تراجع أمريكا من أفغانستان هو على الأقل مهين مثل انسحاب الاتحاد السوفيتى فى عام 1989، وهو الحدث الذى أسهم فى نهاية إمبراطوريته والحكم الشيوعي، انسحبت كلتا القوتين العظميين كخاسرتين، وذيلهما بين أرجلهما، تاركتين وراءهما الفوضي، ويذكر أن الفشل الأمريكى فى أفغانستان يشبه إلى حد كبير الإخفاقات التى تعرضت لها الإمبراطورية الرومانية فى أطرافها، وبعيدا عن روما نفسها، مثل الهزائم التى تعرض لها جنرالات الرومان فى صحارى بلاد ما بين النهرين أو الغابات الألمانية عندما تجاوز نفوذ الإمبراطورية قبضتها.

 وما نراه اليوم هو تحول تاريخى لا رجعة عنه فى موازين القوى العالمية نتيجته النهائية أن عصر القيادة الأمريكية للعالم قد ولى إلى غير رجعة، ولم تعد التوقعات بانهيار الإمبراطورية الأمريكية ضربًا من خيالٍ أو شذرًا من أوهام، فالولايات المتحدة تئن تحت وطأة الكثير من الارتجال السياسي داخليًا وخارجيًا فالولايات المتحدة - ومن موقع لها غير مسبوق - أساءت استخدام هيمنتها، وقوتها، وخسرت حلفاء، ودفعت أعداء إلى التجرؤ عليها، وفي عهد دونالد ترامب - يبدو أن الولايات المتحدة قد فقدت الاهتمام، بل والثقة، والمبادئ والأهداف التي تعطي الحيوية والنشاط لتواجدها العالمي على مدى ثلاثة أرباع القرن، لقد اتسعت الهيمنة الأمريكية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، لكن أحدًا لم يلتفت في أواخر التسعينيات للأسباب التي تقوضها، بالرغم من أن قيادات أمريكية راحت تتحدث عن أمريكا التي لا غنى عنها، وأنها القوة العظمى الوحيدة، لكن الصين كانت في صعود لتصبح قوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، وكذلك روسيا التي خرجت من ظروف ضعفها في أوائل التسعينيات، وبذلك دخل العالم مرحلة ما بعد العصر الأمريكي، لذلك لم يعد السؤال الأكثر إلحاحًا هو متى وكيف ستنهار أعظم إمبراطوريات التاريخ البشري، بل السؤال عن شكل العالم فيما بعد الانهيار منطقة الشرق الأوسط قد دخلت أعتاب “عصر ما بعد أمريكا”، وأن الفراغ الذي تركته أمريكا بصدد تحفيز التنافس بين القوى الأخرى، حيث أتاح تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط فرصة للقوى الشرقية، لا سيما روسيا لتعزيز نفوذها في هذه المنطقة المهمة، في الأثناء، تزايدت ثقة دول المنطقة في اتباع طرق تنمية خاصة بها، وتزايد نفوذ "الإردوغانية" بالتوازي مع تراجع جاذبية النموذج الغربي، وبات النموذج الصيني والروسي أكثر جذبا لاهتمام دول المنطقة.