الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السيسي في مفترق التنمية وحقوق الإنسان..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الـ (130) مليون دولار من المعونة الأمريكية المؤجل دفعها لمصر لا تساوي سوى نحو (2%) من الميزانية المخصصة فعليًا للمشروع القومى الأضخم (حياة كريمة) والمقدرة بـ 700 مليار جنيه أو يزيد، ولا تتعدى نسبة الـ 1% من الإنفاق الحكومى فى قطاع واحد من القطاعات الصناعية والزراعية ومشروعات البنية التحتية وغيرها.
ما قالته الخارجية الأمريكية حول ربط ذلك الجزء الضئيل من المعونة بتطور أوضاع حقوق الإنسان فى مصر ليس سوى خطوة دعائية أرادت التخفيف من حدة الانتقادات التى يوجهها بعض أعضاء الكونجرس المرتبطين بعلاقات مشبوهة ببعض الشخصيات الإخوانية وجماعات الضغط التى تنشط فى عدد من الملفات بأجر مدفوع مسبقًا.
ولأنها مجرد محاولة لذر الرماد فى الأعين من قبل إدارة الرئيس جو بايدن اعتبرتها بعض الصحف الأمريكية إجراء غير جاد ولا يمثل أى نوع من الضغط على الحكومة المصرية.
وحتى إذا أرادت الولايات المتحدة المغامرة بمصالحها الاستراتيجية وثيقة الصلة بالدولة المصرية، "وهو الأمر المستبعد تمامًا" وقررت اقتطاع جزء كبير من المعونة أو حتى قطعها نهائيًا؛ فهى أو من يدرك أن الوضع الذى أصبحت عليه مصر داخليًا وإقليميًا لا يجعلها تتضرر أو حتى على الأقل تعانى كثيرًا، بل أن إدراك واشنطن لعناصر القوة وأوراق الضغط التى باتت تمتلكها القاهرة لا يسمح للساسة الأمريكيين سواء فى البيت الأبيض أو وزارة الخارجية والبنتاجون باتخاذ إجراءات تصعيدية جادة ضد الدولة المصرية تحت أى زعم.
"حقوق الإنسان" واحد من أوراق الضغط التى اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة استخدامها ضد حكومات بلدان الشرق الأوسط إلا أنه أضحى ورقة غير فعالة شأنه فى ذلك شأن أوراق أخرى سياسية واقتصادية وعسكرية تم تجاوز تداعياتها السلبية بعد ما يمكن تسميته إفاقة عربية، كانت الإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر أول تجلياتها إذ أدركت بعض الحكومات العربية التى كانت تستخدم الإخوان المسلمين بدعم ميليشياتها المسلحة وعناصرها الإرهابية ضد أنظمة بعينها، أنها ربما ترعى وحشًا خبيثًا يخطط للانقضاض عليها فى مراحل تالية.
ولأن مصر بموقعها الاستراتيجى رمانة الميزان فى عموم منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا كان التجلى الثانى لتلك الإفاقة؛ حيث مضت فى مسار إعادة بناء الاقتصاد على أسس صحيحة وإحداث تنمية شاملة عززت من قدراتها فى الاعتماد على الذات وهو ما كان له الانعكاس المباشر على تعزيز مكانة مصر السياسية إقليميًا ومن ثم تدعيم وتعزيز مكانة حلفائها التقليديين فى المنطقة وأبرزهم المملكة السعودية ودولة الإمارات المتحدة إلى جانب البحرين حيث شكل هذا الحلف الرباعى عنصرًا ضاغطًا ومؤثرًا على سياسات وتوجهات الأطراف الدولية والإقليمية كافة وفى مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى وصولًا إلى تركيا وظنى أن هذا التأثير سيمتد إلى سياسات إيران إذا هى أرادت تجنب صدام مباشر.
من القواعد الثابتة فى علوم السياسة أن قوة النفوذ والتأثير الخارجى لأى دولة تستمد وبالدرجة الأولى من مصادر داخلية بحتة تكمن فى أوضاعها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية؛ ولم يكن من سبيل أمام السيسى لإعادة مكانة مصر الإقليمية والدولية سوى اقتحام الملفات الداخلية الشائكة جملة واحدة وأخطرها على الإطلاق الإرهاب، الإنفلات الأمنى، الانهيار الاقتصادى، السيولة السياسية والإعلامية، إهتراء الجهاز الإدارى والتنفيذى لمؤسسات وأجهزة الدولة.
وكان عليه فى ذات الوقت مواجهة سيف حقوق الإنسان الزائف الذى تسلطه بعض حكومات الغرب التى ترى فى جماعات الإسلام السياسى وسيلة لتنفيذ أهدافها وتحقيق مصالحها.
بدا السيسى وكأنه يقف على مفترق طريقى التنمية وحقوق الإنسان وفقًا للتعريف الغربى الذى يخاصمونه بل وينكرونه بمجرد خروج بعض التظاهرات والاحتجاجات الأقل عنفًا وغير المسلحة بالمقارنة مع اعتصامات وتظاهرات جماعة الإخوان الإرهابية ضد المصريين كرد فعل أولى على اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو.
لو استجاب السيسى للضغوط الأمريكية والأوروبية وخضع لمفاهيمهم وتعريفاتهم للتنمية وحقوق الإنسان الخاصة بالشرق الأوسط لخسر كل شيء.
كان للرجل مفهومًا آخر للتنمية يبدأ بمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وفرض الاستقرار السياسى لإعادة دولة القانون وسطوته وشرع فى تنفيذ مشروعات اقتصادية وبعد عامين فقط من حكمه أطلق النفير لثورة اقتصادية تعيد بناء الاقتصاد المصرى على أساس صحيح كانت شراراتها الأولى فى الثالث من نوفمبر 2016 عندما أعلن تحرير سعر صرف الجنيه ثم تلاه خطوات تدريجية لرفع الدعم عن الطاقة.
وتجسدت ثمار هذه الثورة فى مشروعات قومية عملاقة لم يكن أولها البنية التحتية والطرق والكبارى كما لم يكن آخرها الإسكان الاجتماعى والمدن الصناعية المتعددة واستصلاح مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية.
فى القمة الأمريكية الإسلامية التى انعقدت فى الرياض ألقى الرئيس السيسى كلمة تم اعتمادها فى الأمم المتحدة كوثيقة من وثائق الدفاع عن الحق فى الحياة فى مواجهة الإرهاب وداعميه ومموليه يطرح إضافة مصرية لمفهوم حقوق الإنسان.
كذلك عمل برنامج الإصلاح الاقتصادى على تعزيز ودعم حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية التى طالما تجاهلتها المؤسسات الحقوقية الممولة أجنبيًا ذلك أنه عزز قدرات الدولة على توفير الحق فى السكن الملائم والتعليم الجيد والرعاية الصحية المناسبة بقدر الإمكان ناهيك عن فرص العمل، وليس مشروع حياة كريمة البالغ تكلفته 700 مليار جنيه إلا أحد ثمار هذا البرنامج فهو معنى بتحسين حياة 58 مليون مصرى يسكنون 4500 قرية و36 ألف كفر ونجع، ورغم ما تمثله العاصمة الإدارية من رمزية لإنجازات دولة الثلاثين من يونيو إلا أن السيسى اختار مشروع حياة كريمة ليمثل تدشين الجمهورية الجديدة؛ ذلك أن المجتمع الذى يتم تمكينه من حقوقه الأساسية يصبح أكثر وعيًا وقدرة على ممارسة حقوقه السياسية والمدنية بأساليب متحضرة تؤدى إلى إصلاح السياسات وتصحيح القرارات ولا تتسبب فى هدم الدولة ومؤسساتها وضياع الوطن.
التجربة المصرية قدمت التنمية وحقوق الإنسان كمفهومين مرتبطين ببعضهما البعض ولا يتحققان إلا بتماسك الدولة الوطنية وتعزيز عناصر قوتها الشاملة وحمايتها من كل أسباب عدم الاستقرار الأمنى والسياسى وهو المفهوم الذى ينتصر به السيسي فى كل معاركه الداخلية والخارجية.