الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحرّي ليلة القدر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تُعدّ ليلة القدر من الليالي المباركة التي اصطفاها الله تعالى من بين الليالي ليُنزّل فيها القرآن الكريم، واختصها من بين الليالي بميزات جعلتها أفضل ليالي العام؛ فهي ليلة مباركة الأجر لمن قامها، وعمل فيها بالخير، وهي ليلة تُفصَّل فيها الأقدار، وتتنزّل من اللوح المحفوظ إلى صحف الكتبة من الملائكة، وهذه الأقدار تتضمن أقدار العباد من أمور الدنيا، كالرزق والأجل وغير ذلك وقد وُصفت بذلك في القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3-4]، وهي ليلة يُضاعف الله فيها أجر الأعمال الصالحة، فيكون أجرها كأجر ألف سنة من العبادة، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، حيث يُعدّ العمل فيها أفضل من عمل ألف شهر فيما سواها؛ أي ما يقدّر بثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهر، وورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم]، ومعنى قوله «إيمانًا واحتسابًا» أي: تصديقًا بالله وبفضل هذه اللَّيلة، وفضل العمل فيها، وبما أعد فيها من الثواب خائفًا من عقاب تركه، مُحتسبًا جزيل الأجر، وقد وقع الجزاء هنا بصيغة الماضي «غُفر» مع أنَّ المغفرة تكون في المستقبل؛ للإشعار بأنَّه مُتيقن الوقوع، مُتحقق الثبوت، فضْلًا من الله تعالى على عباده.
يُستحبّ للمسلم تحرّي ليلة القدر، وإدراك وقتها، وطلبها؛ فهي إحدى ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، إلّا أنّ الله سبحانه أخفاها، ولم يُخبرنا بها، ليُقدم المسلم على العبادة في جميع أيام شهر رمضان خاصةً في العشر الأواخر منه، كما أخفى اسم الله الأعظم ليعظّم الإنسان جميع أسمائه؛ فمعرفة ليلة القدر يجعل الإنسان يُقدم على العبادة والدعاء في تلك الليلة فقط؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تحرّوا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري]، ويستعدّ المسلم لإحياء ليلتلها ومعرفة علاماتها التي تدل على وقوعها، ويُسارع إلى الطاعات والعبادات، ويجتهد فيها، ويحرص على قيامها (صلاة التراويح)، والصلاة في الثلث الأخير من الليل (التهجد)، وكثرة ذكر الله، والصدقة فيها، والإكثار من الدعاء بما أرشدنا به النبي صلى الله عليه وسلم بأفضل أنواع الدعاء في تلك اللّيلة، وهو: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى»؛ فعن السيدة عائشة رضي الله عنها: «قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، بم أدعو؟ قال: "قولى: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى» [رواة ابن ماجة وصححه الألباني]، والعفو هو التجاوز عن السيئات، "فاعفُ عني"، أي: تجاوز عني واصفح عن زللي؛ فإني كثير التقصير، وأنت أَولى بالعفو الكثير، وعفو الله تعالى يكون في الدنيا والآخرة، وهذا من آداب الدعاء؛ أن يثني العبدُ على ربه سبحانه بصفةٍ تناسب طلبه، وهذا الدعاء من جوامع الكلم، ومن دعا به حاز خيري الدنيا والآخرة، وأقل مدة لإحياء ليلة القدر أن تصلى العشاء والفجر في جماعة، وقيام يسير من الليل في التهجد وبصلاة التراويح فعن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى العشاء في جماعةٍ فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعةٍ فكأنما صلى الليل كله» [رواه البخاري] أي: كأنه أحيا النصف الأول من اللَّيل بالقيام والاشتغال بالعبادة، "ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى اللَّيل كله"، أي: بانضمام ذلك النصف إليه، فكأنه أحيا نصف اللَّيل الأخير، ومن علاماتها أنها ليلة صافية، لا حارة ولا باردة، وتَطلع الشمس عقبها لا شعاع لها مُنتشر في الآفاق؛ «اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا فيها من عتقائك من النار ومن المقبولين».