رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

رائدات من زمن فات| هدى سلطان.. ست الحسن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحت مظلته الواسعة، وعلى خشبته المثيرة، تجتمع فنون التمثيل والرقص والغناء والأداء والتلحين والموسيقى، والمناظر والديكور، لذا كان المسرح أبو الفنون، وخلال رحلته الطويلة شهدت خشبته مجموعة من الرائدات منذ مراحله المبكرة، اللاتى قدمن بدورهن تراثًا خالدًا سيبقى على مر الزمان.
وقد اختص المؤرخ المسرحى د. عمرو دوارة «البوابة» بموسوعته الجديدة غير المسبوقة، التى تحمل عنوان «سيدات المسرح المصري»، التى لم تنشر حتى الآن؛ حيث تضم السيرة الذاتية والمسيرة المسرحية لـ150 رائدة، منذ بدايات المسرح الحديثة 1870 حتى 2020، والمصحوبة بصور نادرة سواء شخصية أو لعروضهن المسرحية، وقد نجحن في المساهمة بإبداعهن في إثراء مسيرة المسرح المصري. ويصبح لنا السبق في نشر 30 رائدة مسرحية على مدى ليالى رمضان الكريم، بهدف القاء الضوء على رائدات المسرح المصرى بمختلف تصنيفاته، وتكون بداية هذه السلسلة بالسيدات اللاتى برعن في تجسيد دور «الأم» لأهمية هذه الشخصية المحورية في الحياة بصفة عامة والدراما العربية بصفة خاصة.
تنتمي الفنانة بهيجة عبدالعال عبدالسلام، المشهورة بـ"هدى سلطان"، لأسرة فنية، فهي من مواليد إحدى قرى محافظة الغربية في ١٥ أغسطس ١٩٢٥، فشقيقها الملحن والمطرب محمد فوزي، كما احترفت شقيقتها هند علام الغناء أيضا بعد ذلك لفترة محدودة، ومنذ الطفولة وبالتحديد فترة الدراسة الابتدائية بدأت موهبتها في الغناء تتضح عندما قامت بغناء "إنت فاكرني ولا ناسيني" لسيدة الغناء العربي "أم كلثوم"، ولكنها لم تستطع إكمال تعليمها، حيث تم تزويجها مبكرا من موظف صغير بسكة حديد طنطا، وكان من الطبيعي أثناء إقامتها بطنطا أن تحرص على حضور مولد "السيد البدوي" وتستمع بصفة دائمة للأذان، والتواشيح، والأدوار، حسبما ذكر الدكتور عمرو دوارة، موضحا أنها تتبع خطوات شقيقها محمد فوزي بعد ذلك، وإن كان قد رفض بشدة احترافها للفن في بداية عملها خوفا عليها من أخلاقيات بعض العاملين بالوسط الفني، ولكن أمام إصرارها، خاصة بعد طلاقها وإثباتها لموهبتها وقدرتها على فرض احترامها، فوافق شقيقها على عملها وأنهى مقاطعته لها بمساعدة وإقناع زوجته خلال هذه المرحلة الفنانة مديحة يسري.
وذكر دوارة، أن "الغناء" كان بمثابة نقطة الانطلاق الأولى بالنسبة لها واعتمادها بالإذاعة كمطربة في ١٩٤٩ وقيامها بغناء أول أغنية لها "حبيب ما لقيتش مثاله" ألحان أحمد عبدالقادر، حيث لفت نجاحها الأنظار إليها ليشارك بعد ذلك الموسيقار رياض السنباطي في التلحين لها، وتقدم بعد ذلك أكثر من "١٠٠" أغنية شارك شقيقها محمد فوزي بتلحين ثلثها أي "٣٠" أغنية تقريبًا، وكان لنجاحها في الغناء فضل ترشيحها للعمل في السينما في فيلم "ست الحسن"، وذلك عندما أعلن "ستوديو نحاس" عن حاجته لمطربة للمشاركة في بطولة الفيلم مع كمال الشناوي، ليلى فوزي، وفعلا تقدمت للاختبار ونجحت وكان هذا أول أفلامها من إخراج نيازي مصطفى، واستمتع الجمهور من يومها بصوتها الجميل المميز بالشجن والطلاوة وصدق الإحساس.
ويوضح دوارة، أنها لم تنضم لأية دراسة أكاديمية لفن التمثيل، ومع ذلك فقد نجحت من خلال تجاربها العملية وموهبتها وحرصها على تنويع أدوارها على إثبات وجودها السينمائي، حتى أصبحت نجمة متوهجة في عالم السينما، وأن تقدم خلال مسيرتها الفنية أكثر من "٦٠" فيلمًا مع كبار المخرجين، لتحصد الكثير من الجوائز على أدوارها المختلفة، وذلك خلال رحلتها من "ست الحسن" في ١٩٥٠ إلى "من نظرة عين" في ٢٠٠٣؛ شاركت في العديد من الأفلام التي لا يمكن محوها من الذاكرة منها: "حكم القوي، الأسطى حسن، بيت الطاعة، حميدو، غلطة عمر، أبوالدهب، جعلوني مجرمًا، الشيخ حسن، رصيف نمرة ٥، بورسعيد، امرأة على الطريق، سواق نصف الليل، صائدة الرجال، السيرك، السكرية، عودة الابن الضال"، خاصة أنها تعمدت عدم تكرار الدور أو الشخصية، وفي أفلامها الأخيرة عملت على اختلاف شخصية الأم التي تجسدها من عمل لآخر، وفي كل أدوارها سواء كانت راقصة أو امرأة لعوب أو غازية أو ربة منزل مغلوبة على أمرها تشعر بصدق أدائها مع قوة شخصيتها وبصمتها المميزة وبصوتها المعبر، حتى ولو لم تشارك بالغناء، ومن المفارقات أن الأجيال الجديدة قد لا تعرف بداياتها كمطربة استطاعت أن تضع اسمها وسط جيل من المطربات الكبار في مقدمتهن: "أم كلثوم، أسمهان، فايزة أحمد، وردة، نور الهدى، شادية، صباح".
قدمت "سلطان" في المسرح سبع مسرحيات، فكانت بدايتها المسرحية أثناء زواجها بالنجم فريد شوقي حينما قررا معا تكوين فرقة خاصة لتقديم فن الأوبريت فقدما معا "عفريت الست" في ١٩٥٩، "جوز مراتي" في ١٩٦٠، وهما من إخراج فريد شوقي، وألحان محمد فوزي، وشاركتهما البطولة "سميحة توفيق، عبدالغني قمر، محمد رضا"؛ ومع الفرقة "الغنائية الاستعراضية" قدمت أوبريت "وداد الغازية" "٦٥ – ١٩٦٦" من تأليف جليل البنداري، وإخراج محمد سالم، سعد أردش، وشاركها البطولة "عادل أدهم، ثريا حلمي"، ثم أوبريت "الحرافيش" في ٦٧ – ١٩٦٨، من تأليف عبدالرحمن شوقي، وإخراج سعد أردش، وشاركها البطولة "محمد رضا، عبدالمنعم إبراهيم، صفاء أبوالسعود".
تستكمل "سلطان" تجاربها المسرحية بعد ذلك مع زوجها المخرج حسن عبدالسلام، فيقدما معا ثلاث مسرحيات، الأولى بفرقة "المتحدين" وهى مسرحية "مجنون بطة" في "٦٩/١٩٧٠" مع أمين الهنيدي، ومن تأليف أنور عبدالله وكتب الأغاني عبدالوهاب محمد، ولحنها بليغ حمدي، أما المسرحيتان الأخرتان من إنتاج فرقة "الريحاني" وهما: "باي باي" في ١٩٧٣، وشاركها البطولة "إبراهيم سعفان، عدلي كاسب، أبوبكر عزت"؛ "الملاك الأزرق" في ١٩٧٤ شاركها البطولة "عبدالمنعم مدبولي، فاروق فلوكس، ميمي شكيب" وهما من تأليف عبدالله فرغلي، ألحان الموسيقار حلمي بكر، وهكذا لم يستطع المسرح الاستفادة من تلك الموهبة الشاملة نظرا لندرة العروض الغنائية الاستعراضية لتطلبها إمكانيات مادية وقدرات فنية خاصة.
شاركت "سلطان" في بطولة العديد من السهرات والمسلسلات الإذاعية ومن أهمها مسلسل "بمبة كشر"، "سيد درويش"، بالإضافة إلى مشاركتها في الدراما منها: "زينب والعرش، لا يا ابنتي العزيزة، السيرة الهلالية، المسداوية، وداعًا ربيع العمر، دموع وشموع، زيزينيا، ثلاثية نجيب محفوظ، قصر الشوق، بين القصرين، السكرية، أرابيسك، الوتد، الليل وأخره". استطاعت "سلطان" من خلال عملها التليفزيوني أن تعوض غيابها عن الشاشة الفضية في السنوات الأخيرة، وأتاحت لها الدراما الاجتماعية فرصة الإبداع في أدوار الأم، التي للأسف تقدم كأدوار هامشية بالسينما.