السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الشيخ عجيب".. متى يستيقظ المجتمع من غيبوبة التطرف؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تطرح رواية "الشيخ عجيب" للكاتبة أماني فهمي، والصادرة عن دار النسيم للنشر والتوزيع، عددًا من المشكلات والقضايا التي عانى منها المجتمع المصري منذ تحوله مع المد الوهابي السلفي الذي رافقه تغلغل الجماعات المتطرفة على تنوع أسمائها.
وبات الربط -لدى تلك الجماعات- واضحًا بين الملابس الواسعة والطويلة والحجاب والطرحة وبين العفة والفضيلة، والعكس أصبح عدم الالتزام بهذه الملابس دليلا على العهر والرذيلة، وغير ذلك من أشكال العنف التي تعرض لها المجتمع، ولا سيما العنف الذي يقع على الأنثى: فيتم منعها من العمل، أو الذهاب للطبيب، أو مغادرة البيت دون إذن الزوج حتى في أصعب اللحظات والتي قد تتعلق بمسألة الحياة أو الموت، أيضا قطع علاقاتها بالصديقات أو الأقارب.. كل هذه الأمور وغيرها يتم فرضها على النساء بصورة تعسفية في محاولة ناجحة للرجوع بالمرأة إلى نقطة الصفر في طريق النضال من أجل حقوقهن المنطقية والطبيعية.
تشير أماني فهمي وفق تصورها في عملها الروائي "الشيخ عجيب" أن العنف الذي يتم ممارسته تجاه المرأة يخلق منها في وقت ما إنسانًا متمردًا، وذلك مثلما حدث مع زوجة الشيخ عجيب الأولى التي كانت على مشارف الموت، بعدما تم منعها من الذهاب للطبيب حتى مات الجنين في رحمها وأدى ذلك لاستئصاله، فكانت تصرخ وقتها تريد أن تموت مع طفلها، وبعدها دخلت في طريق تسلسلي بداية من هروبها من زوجها المتطرف، وصولا لتغيير دينها، ثم حاملة لطاقة سلبية وعدائية تجاه دين الزوج.. وربما ساقت الكاتبة مثل هذا التصور في شكل تحذيري لافتة إلى رد الفعل الفجائي والأكثر تمردًا وتطرفًا.
تستاء الرواية من الاستخدام الخطأ للدين، وتذهب إلى كون العفة والفضيلة لا يرتبطان بالملابس، وتتساءل: هل هناك زي للصوص وزي للفضيلة وزي للنمامين وزي للمتحرشين؟ موضحة أن اللص مثلا ليس كما نراه في قصص الأطفال يرتدي عصابة سوداء، بل هو في الواقع يحافظ على صورته ويقنع الآخرين بالعكس كي يسهل عليه استقطاب فريسته.
وعلى الرغم من أن شخصية الشيخ عجيب هى التي تصدرت العنوان، لكن الشخصية الأبرز والتي يتم النظر للأشياء من خلال رؤيتها ومفهومها هي شخصية "فوزية" التي اتسمت بحالة من الحلم والمثالية وأيضًا التمرد، لكن الغريب أن هذه المثالية لا تصل لتمامها، فهي عندما تنتقد العالم من حولها، وتقوم بمحاولة فاشلة -بحكم الظروف المحيطة بها- لتصنع مستقبلا مختلفًا عن كل التجارب المحيطة بها، نجد فوزية هذه تمتنع عن إبلاغ الشرطة عن زوجها المتورط في عملية إرهابية تهدد بنسف أحياء كبيرة في القاهرة، وفي الوقت نفسه تقوم بمحاولة مع ابنها لمنع حدوث تلك العملية.
يستطيع القارئ أن يلمس مثالية شخصية "فوزية"، فهي عندما تتحدث عن التنوع والاختلاف الذي هو أساس الطبيعة والكون، وأنها لا تشعر بالتعالي على الآخرين لكنها تؤمن بالفروق الفردية التي تعطيها الثقة في كونها مختلفة، كما أنه لديها القدرة على فهم دوافع الآخرين في الكذب أو التفاخر مثلما حدث مع "نهلة" بنت عمتها، وتبرر ذلك أنها مدفوعة بجرحٍ قديم، أيضا نجدها ترقب المباني الجديدة، وتؤكد على أهمية دخول النور والشمس للبيوت، تلتفت لحدود القرية مثلا التي التحمت بحدود المدينة فتحولت لما يشبه المدينة لكنها مدينة غير منتظمة الملامح، تتحدث عن بساطة الريف في مقابل ثقافة المدينة، وغير ذلك من الأفكار التي تتبناها بوضوح "أماني فهمي" التي خلقت في الأساس شخصية "فوزية".
من الشخصيات الجميلة التي تحفل بها الرواية نجد "مدام جولييت"، وهي شخصية محببة لدى القارئ لكونها تتمتع بالسماحة والفهم السليم وحب الأطفال، يمكن وصفها بإحدى الشخصيات الأسطورية التي تحفل بها قصص الأطفال كما الساحرة في السندريلا مثلا، وتنفتح قصتها في متن الحكاية عندما تمر فوزية بمعرض للتحف والأنتيكات يضم صورة لمدام جولييت، الصورة هنا تأتي كحيلة فنية للدخول إلى عالم الشخصية الساحرة التي تحاول زرع المحبة والتسامح بين جيرانها.
كانت مدام جولييت تتمتع بمزيد من الانفتاح تجاه دين الآخرين، فهي توزع الهدايا في الكريسماس وأيضا الحمصية والسمسمية في المولد النبوي، وعندما سألها الطفل عن دينها كانت إجابتها رائعة حين قالت للسائل: وأنت تعرف دين الساحرة الطيبة أو حتى تعرف دين السندريلا أو ست الحسن أو سنووايت أو السندباد؟ فهي تحافظ بدورها على خصوصيتها كأنها شخصية خيالية في قصص الأطفال، وفي الوقت ذاته توجه الطفل لثقافة أكثر انفتاحًا دون أن تعرقلها الأديان.. وفي الحقيقة فإن شخصية مدام جولييت هي زاوية أخرى شديدة القرب من شخصية فوزية التي تُعد امتدادا لها بالأساس في تسامحها ومحبتها. 
يتسم سرد رواية "الشيخ عجيب" بالتدفق والسلاسة، كان ذلك واضحًا منذ البداية حين تم استخدام المزج بين الفصحى والعامية في المقاطع السردية وفي لغة الحوار بين الشخصيات، تجاور العامية والفصحى لم يخلق نوعًا من النفور حيث المستويات العالية والمنخفضة في اللغة تُشعر القارئ بالمطبات أو العراقيل؛ لأن التحول بين المفردات والعبارات كان في صورة هادئة وليس في شكلها الفج والنافر، أيضا أجادت الكاتبة التنقل بين الحكايات الفرعية والصغيرة التي كانت في أغلب المواضع تصنع نوعًا من الثراء في حين خلقت حالة من الثقل والترهل عطلت حيوية وانفعال المتلقي مع الحدث في أماكن أخرى. 
يعلو صوت العنف داخل الرواية، بينما نجد صوت فوزية يحلل الأسباب وينتقدها، فهي عندما تنقل لنا قصص مليئة بالمأساة مثل قصة نهلة بنت عمتها، أو قصتها هي نفسها حيث تعرضت لحوادث مرعبة أقلها تعنت الأب في التعامل معها وإجبارها على الزواج من تلميذه، حادثة الممر المخيف الذي تعرضت فيه للاغتصاب، حادثة ليلة الزفاف حين غضب الزوج منها لأنها غير مختونة، وعدها بطريقة مبتذلة "بضاعة معيوبة"، وأصر على ختانها.
يمكن الإشارة للفصل الأول الذي جمع خيوط الرواية كلها بشكل بارع، لتبدأ في الفصل الثاني الحكاية من بدياتها عن طريق تقنية الـ"فلاش باك"، أيضا الفصل الأخير الذي انتهى بصوت الانفجار الذي هز البيوت من حوله وقتل فيه الشيخ عجيب، ثم تنتقل "فوزية" إلى المستشفى؛ لتتمكن الكاتبة من إرباك المتلقي فيتساءل: هل كانت تهذي "فوزية" بكل هذه الحكاية والمواقف والتفاصيل لوجودها في المستشفى؟ وخاصة عندما تسألها خالتها: "مين عجيب ده اللي خوتانا بيه؟" إذن من عجيب وما هي حقيقة الحكاية التي تم سردها على لسان شخصية تقبع في المستشفى؟ ثم تترك الكاتبة حيرة القارئ ليكون هدفها الأكبر أن الغيبوبة التي أصابت فوزية ما هي إلا غيبوبة كبيرة سيطرت على مصر بأكملها، متمنية أن تكون كل هذه المشكلات والمصائب مجرد هذيان مريض لا أكثر.
وفي النهاية يمكننا القول إن الرواية تدين كافة أشكال العنف والتعنت ضد المرأة، وتنحاز لحريتها في العمل، في التعليم، في الملابس التي بات التصنيف من خلالها، حيث تؤكد الرواية على ضرورة فصل الفضيلة والرذيلة عن شكل الملابس، وضرورة فصل علاقاتنا الإنسانية مع الناس عن أديانهم، وضرورة الخروج من الكابوس أو الغيبوبة التي بات العرب وليس مصر محبوسين فيها تمامًا؛ نتيجة المد الديني المتطرف الذي سيطر على المجتمع بصورة شاملة.