السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المبيدات المغشوشة (2 - 3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استكمالًا لمقالنا السابق، يمكن القول إن مشكلة المبيدات المغشوشة ليست فقط في انخفاض نسبة المادة الفعالة وإنما في وجود الشوائب التي يمكنها أن تسبب ضرر معنوي بصورة أكبر من المادة الفعالة الأصلية وذلك حيث إنها شديدة السمية للإنسان والبيئة. والشوائب في حد ذاتها لها أكثر من مصدر. بمعنى آخر، فقد تكون مركبات كيميائية ثانوية مرافقة بالمادة الفعالة. 
تلك الشوائب تأتي أساسا من عملية التخليق والتي تعتمد بشكل أساسي على نوع وجودة مواد التفاعل ونوعية أو جودة التقنية المتبعة في تفاعل التخليق الكيميائي وكذلك ظروف تخزين المنتج النهائي أو نوع مواد التغليف التي يوضع فيها المنتج النهائي. علاوة على ذلك، فإن وجود الشوائب بالمبيد المغشوش يعون إلى أكثر من مصدر. على سبيل المثال عدم إجراء عمليات التنقية المناسبة للمادة الفعالة بعد إتمام تخليقها كيميائيًا، كذلك فإن الشوائب يمكن أن تصل إلى المنتج النهائي (المبيد) أثناء تصنيعه بخط الإنتاج أو أثناء عملية التعبئة خاصة إذا ما تم تغيير طبيعة خط الإنتاج من مادة (مبيد) إلى أخرى (مبيد آخر). ومن ضمن التأثيرات الضارة التي تحدثها الشوائب هي التأثيرات السامة على النبات (سمية نباتية Phytotoxicity) وهذا علاوة على خصائصها الفيزيائية التي تؤثر بالتبعية على خصائص المستحضر النهائي مما تكون نتيجته زيادة كمية المتبقيات من المبيد المغشوش على المواد الغذائية والمكونات البيئية.
كيفية التفريق بين المبيد الأصلي والمغشوش
نظرًا إلى أهمية تلك الجزئية، فيمكن الإشارة إلى أهمية التفريق بين المبيد الأصلي والآخر المغشوش والتي لاتتم إلا من خلال إجراء مجموعة من الفحوصات للشكل الخارجي لعبوة المبيد وإجراء مجموعة من التحليلات والاختبارات المعملية. بالنسبة لبعض التحليلات والاختبارات المعملية التي يتم بها التفريق بين المبيد الأصلي والمبيد المغشوش، فيمكن التعرف على المبيد المغشوش من خلال اختبارات كفاءة المستحضرات والتي تشمل اختبارات - نسبة المادة الفعالة في المستحضر - نقطة التجمد، - نقطة الانصهار، - درجة الانسياب، - التعلق، - البلل، - الاستحلاب، - الرغاوي، - نقطة الوميض، - الثبات عند درجة الحرارة المنخفضة، - الكثافة، - معدل انسياب المادة الفعالة، - الثبات عند التسخين. وفي النهاية، فإن الحكم النهائي على أصولية المادة الفعالة و/أو المستحضر لأي مبيد يعتمد على حقيقة أن لكل مبيد له البصمة الخاصة به.
وفيما يتعلق بالعبوات الخاصة بتعبئة مستحضرات المبيدات، فهي قد تكون ورقية أو معدنية مرنة لتعبئة المستحضرات الصلبة أو قد تكون العبوات معدنية صلبة أو بلاستيكية أو زجاجية لتعبئة المستحضرات السائلة للمبيدات. وبالنسبة للعبوات البلاستيكية للمبيدات الأصلية، فإنه تصنع من مادة بي في سي (PVC) عبارة عن مختصر لمادة راتنجية مخلقة (بولي فينيل كلورايد Polyvinyl chloride) وهى عبارة عن مادة بلاستيكية يتم تصنيعها من خلال تفاعلات بلمرة لمادة البولي فينيل. أو قد تصنع العبوات من مادة بي إي تي (PET) وهو مختصر لمادة بولي إيثيلين تيرفثالات (Polyethylene Terephthalate) وهى عبارة عن منتج بترولي يمتاز بأمانه وخفة وزنه ومرونته وقابليته لإعادة التدوير بنسبة 100%. وبغض النظر عن نوع العبوة، فإن طبيعة المواد المصنعة منها عبوة المبيد الأصلي تضمن الشركة المصنعة عدم حدوث تفاعل بين مستحضر المبيد وبين مكونات العبوة. إضافة إلى ذلك، فإن غطاء العبوة قد تم تصميمه بحيث يكون غير قابل لتسريب أي جزء من محتويات العبوة. ولضمان ذلك يتم إجراء العديد من الاختبارات على هذه العبوات مثل اختبار الإسقاط، اختبار التسرب، اختبار نفاذية الرطوبة، اختبار التحمل للحرارة والبرودة واختبار التحمل للضغط وغير ذلك من اختبارات متخصصة لضمان الحفاظ على محتويات العبوة من مبيدات. أما في حالة عبوات المبيدات المغشوشة، فهي قد تصنع من أردأ أنواع البلاستيك المعاد تدويره من منتجات بلاستيكية قديمة قد سبق استخدامها وبالقطع فلا تنجح في الاختبارات السابقة ومن ثم فهي غير مطابقة للمواصفات وبالتالي قد تتفاعل المادة البلاستيكية مع مستحضرات المبيدات لينتج عن ذلك نواتج ثانوية شديدة الخطورة على صحة الإنسان والبيئة. وفيما يتعلق بغش بطاقة البيانات الاستدلالية، فيمكن كشفها من خلال عدم اكتمال البيانات أو عدم مصداقيتها أو مصدرها أو افتقادها للصور التوضيحية أو كود التشفير التي تتواجد على بطاقة البيانات الخاصة بالمبيد الأصلي.
لماذا تتم تجارة المبيدات المغشوشة؟
في البداية لا بد من الاعتراف بأن تكاليف اكتشاف المبيد الأصلي الواحد قد وصلت إلى 286 مليون دولار (طبقًا لإحصائية عام 2016) والتي يتم إنفاقهم على مدى 11 عام لاكتمال الكثير من الاختبارات التي تثبت صلاحيته من حيث الفعالية البيولوجية والكفاءة الإبادية ضد الآفات المستهدفة والأمان النسبي على الإنسان وعدم الإضرار بالكائنات غير المستهدفة والكائنات النافعة والأعداء الحيوية والمكونات البيئية وغير ذلك من إجراءات شديدة التعقيد إلى أن يتم تسجيله في وكالة حماية البيئة (EPA) ومن ثم تسجيله في بلد المنشأ وبعدها يتم تسويقه على المستوى العالمي. أما المبيد المغشوش فهو لا يتعرض لأي من هذه التكاليف أو الاختبارات وبالتالي فإن تصنيعه يكون أقل تكلفة وبالتالي الأرباح من وراءه طائلة. لذلك فهناك العديد من الأسباب من وراء التجارة والترويج للمبيدات المغشوشة.
من هذه الأسباب أنها مبيدات يتم الحصول من خلال تجارتها على مكاسب مادية مرتفعة حيث إنها أرخص ثمنًا (أقل تكلفة كإنتاج وكسعر للمنتج النهائي)، تقريبًا لديها في بعض الأحيان نفس الكفاءة مع المبيد الأصلي، لا تتطلب إجراءات التسجيل. وقد اتضح أن بالكثير من دول العالم تكون هناك عصابات إجرامية وجريمة منظمة من وراء التجارة في المبيدات المغشوشة وبالتالي فهي مشكلة عالمية وليست محلية أو إقليمية فقط.
*أستاذ كيمياء المبيدات والسموم
كلية الزراعة – جامعة عين شمس.
عضو اللجنة الوطنية للسميات.