الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المبيدات المغشوشة (1 -3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد أصبحت قضية غش المنتجات التجارية بمختلف أنواعها من القضايا المهمة التي تعاني منها جميع دول العالم. ومنذ فترة زمنية ليست بالقصيرة ظهر بالمجال الزراعي موضوع المنتجات المغشوشة غير الأصلية سواء كانت مبيدات أو أسمدة أو أعلاف وغيرهم من مستلزمات عمليات الإنتاج الزراعي والتي تعتبر من العمليات المهمة ذات الأهمية القصوى في حياة المواطن المصري. وفي حقيقة الأمر، فإن عمليات الغش لم تكن فقط في مستلزمات الإنتاج الزراعي وإنما في جميع المنتجات الصناعية وما تشمله من أدوية، صناعات إليكترونية، منتجات غذائية، مستحضرات تجميل إلى غير ذلك من قائمة طويلة من المنتجات التي انتشرت بجميع دول العالم.
في البداية يجب التنويه إلى أن كمية ما يتم استهلاكه في مصر من مبيدات قد وصل إلى 10 آلاف طن وهذه كمية لا يمكن التغافل عنها حي أنها تشمل جميع أنواع مبيدات الآفات من مبيدات حشرية، مبيدات فطرية، مبيدات حشائش ومبيدات قوارض ومبيدات نيماتودية وغيرهم من المبيدات يتم استخدامهم لمكافحة العديد من أنواع الآفات التي تهدد الإنتاج الزراعي وما قد ينتج عنه من انخفاض في كميات المحاصيل الزراعية الغذائية الإستراتيجية. لذلك، فيمكن القول بأن مبيدات الآفات تعتبر من السلع الإستراتيجية التي لا يمكن التغافل عن أهميتها كأحد مستلزمات الإنتاج الزراعي. من هنا كان وجود المبيدات المغشوشة ضمن المعروض من المبيدات الأصلية يعتبر من الأمور الشائكة التي تهدد عمليات الإنتاج الزراعي والتي يجب التصدي لها والحد من وجودها بل ومكافحة إنتاجها واستيرادها وانتشارها.
وفيما يتعلق بالمبيدات المغشوشة، فإنها تعتبر من أكثر المشكلات التي يواجهها العالم نظرًا لما تسببه من مشكلات صحية وبيئية واقتصادية قد تصل إلى كونها كارثية ويندى لها الجبين. وفي مصر تحديدًا، فإنه بإحدى الدراسات التي تم إجراءها بإشراف لجنة مبيدات الآفات بوزارة الزراعة، كشفت عن أن إجمالي المبيدات المغشوشة في مصر يصل إلى 17% من تجارة المبيدات في مصر. وقبل التعرف على المبيدات المغشوشة كان لا بد أولًا من معرفة معنى ومفهوم مصطلح الغش، عملية الغش يقصد بها أن المنتج (بما في ذلك المبيد الأصلي المطابق للمواصفات) يتم نسخه عن عمد وبشكل احتيالي فيما يتعلق بالهوية والمصدر و/ أو التركيب. والغش يمكن إجراءه في عدة مراحل بداية من الإنتاج أو التخزين أو التوزيع أو التداول. لذلك، فإن الغش باختصار هو تجارة في الممنوع. ولذلك، فقد أمكن تعريف المبيدات المغشوشة على أنها عبارة عن منتجات مزيفة غالبًا ما يتم إنتاجها وتعبئتها لتبدو وكأنها مثل المنتج الأصلي. كذلك، فإن المبيدات المغشوشة ربما تحتوي على مركبات كيميائية إما أن تكون قد تم إلغائها أو ذات استخدام مقيد (Restirected Use Pesticides، RUP) نتيجة احتمال خطورتها ومن ثم تشكل مصدر خطورة على صحة الإنسان والبيئة. أيضًا، فإن المبيدات المغشوشة غير مسموح ببيعها بعكس المبيدات الأصلية المنافسة لها. بناءً على ذلك، فيمكن أن تؤدي المبيدات المغشوشة إلى فقد كبير في المحاصيل مما يهدد معيشة المزارعين والمستهلكين. علاوة على ذلك، فإن المبيدات المغشوشة ربما تحتوي على منتجات لم يتم اختبارها ومواد فعالة غير معلنة مما يؤدي إلى مستويات من المتبقيات غير مقبولة مما يجعل المنتج غير قابل للتسويق.
وبالعودة إلى طبيعة تكوين أي مبيد من مبيدات الآفات الزراعية، سواءً كانت مبيدات حشرية، مبيدات فطرية، مبيدات حشائش، مبيدات نيماتودية، مبيدات قوارض أو غير ذلك من مبيدات، فإن أي مبيد تجاري يطلق عليه إســــــــــــم مستحضر المبيد (Formulation) الذي يتكون من عدة مكونات أســــــــــاسية، أهمها المادة الفعالة (Active Ingredient، ai) والتي يرجع إليها الفعل السام الإبادي للآفة المستهدفة ومضاف إليها بعض المواد المضافة (additive agents) والتي تختلف تبعًا لنوع المبيد. تلك المواد المضافة يتم إضافتها للمادة الفعالة بهدف تحسين خواصها وسلوكلها في البيئة ولتخفيف تركيزها ليكون المستحضر التجاري قابل للتطبيق الحقلي دون حدوث أضرار صحية وبيئية وزراعية. تلك المواد المضافة يجب أن تكون غير سامة ومن ثم فهى عدة أنواع مثل االمواد المستحلبة (Emulsifiers)، مواد مبللة (Wetting agents)، مواد مضادة للرغاوي (Antifoaming) وغيرهم الكثير. وبعد عملية خلط المادة الفعالة بالمواد المضافة أثناء عملية التصنيع والتجهيز، فيجب أن تتم عملية التعبئة (تعبئة المنتج النهائي والذي يطلق عليه المستحضر) في عبوات تتناسب وطبيعة هذا لمستحضر إن كان صلب أو سائل أو حتى غازي.
وفي الحقيقة، فإن عملية الغش قد تكون في جميع العمليات سالفة الذكر. بمعنى أن الغش يمكن أن يكون في عملية تخليق المادة الفعالة (إتباع تفاعلات كيميائية غير أصلية حيث يتم استخدام مواد أولية رديئة ومذيبات منخفضة النقاوة)، تجنب إتباع إجراءات التنقية المطلوبة والضرورية للمواد الفعالة (مما يؤدي إلى تكوين شوائب على هيئة مشابهات كيميائية غير مطلوب تواجدها مثل المشابهات الضوئية اليمينية أو اليسارية أو المشابهات الفراغية سيس أو ترانس).أو أثناء تصنيع المواد المضافة التي قد يتم تصنيعها بمواد خام ومذيبات منخفضة النقاوة. أو استخدام مواد سيئة منخفضة التكلفة في تصنيع مواد التغليف أو أن يتم إعادة تعبئة المبيدات الراكدة أو أن يتم غش بطاقة بيانات المبيد (البطاقة الاستدلالية الأصلية).. ونستكمل في المقال التالى.
.............................

*أستاذ كيمياء المبيدات والسموم
كلية الزراعة – جامعة عين شمس
عضو اللجنة الوطنية للسميات