الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنا شاهدك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا لو أصبحت مفردات الكوْن قيْد الحياة، الأرض والسحاب، البحر والقمر، الأشجار والشوارع، البيوت والجبال، الصخور والرمال، الزهور والعصافير، ماذا لو دبّت الروح في تلك الكائنات وارتدت ثوْب الحياة، ما عساها أن تقول ؟
البيوت أصدقاء، تُدوِّن أحداث حياتنا فوق جدرانها، تتردّد صدى أنفاسنا بين جنباتها، تبكي إن فارقناها وتتشقّق اعتراضاً على الغياب، فتقول حيطان البيوت : ستعودون الى أحضاني مهما طالت ليالي الإغتراب فالماضي لا يموت . 
والشوارع حواديت، تتمايل أشجارها لتصافحنا حين نُقبِل عليها، تقتفي أرصفتها آثار خطواتنا وتحتفظ بملمس الأحذية، حتى عندما تشتاق أقدامنا وتدق على طرقاتها، تفتح لنا بوابات العودة وتدق الدفوف إعلانا عن البهجة، وتقول في شوق : عادت حكايات الزمن الجميل . 
المدن أساطير بلا نهاية، روايات ابتلعها التاريخ وتناثرت سطورها في الأثير، حيث يرانا أبطالها من حيث ﻻ نراهم، توَد أن يعود بها الزمن لتسرد لنا ما خفي عنا، تحكي انتصارات وتروي عن خيبات وتمنحنا دروس وعلامات كي تهبنا نعمة البصيرة وتزيل عنا غشاوة الغرور.
والريف جنات الله على الأرض، يرتوي ويزدهر بالأخضر من النيل النجاشي الحليوة الأسمر الذي يجري من شرايين الملوك والملكات في البر الغربي الى قلوبنا الملقاة على جنبات الأهرامات الثلاثة وحارسهم الأعظم، حيث يرتقب توأمه وصولنا اليه في جنات السماء .
البحر بساطٌ ٌأزرق يحمل أمانينا الى حيث المرفأ والمرسى، يسحب أسرارنا من فوق الرمال ويحتفظ بها في مملكته حيث مستودع الذكريات، وتنساب أشعة القمر الفضية على صفحاته ليلا تؤنس وحدة العاشقين، وتختبئ الشمس في أحضانه عند الغروب لتطفئ لهيب الإنتظار، وتغرد العصافير أنشودة الصباح، لتتراقص الزهور وتتلون بلون الحياة معلنة عن يومٍ جديد .
أما الصخور فهي تتفتّت حزنا على فراق الجبال، والسحاب يصادق الغيوم فيتجسد على هيئة ملائكة تَسْبح في السماء، يستدعي لنا الأمس أو يُطلِعنا على الغد في مشهد تمثيلي رائع ﻻ يتلقّاه إلا ذو حظٍ عظيم، بينما ترتطم الأمطار بدموعنا الساخنة فتنهمر أنهاراً من غفران نغتسل فيها من خطايانا . 
لكننا نسب مفردات الكون بأفظع الشتائم ونستهين بها لمجرد أنها خالفت توقعاتنا، ورغم أنها لا تمتلك قلباً ينبض ، فإن لديها تكليف بمتابعتنا من حيث ﻻ نشعر، إذ ينطقها الله في اليوم الموعود لتشهد لنا أو علينا، تنظر الينا قائلة : اليوم أنا شاهِدَك .
فالأرض مستودع نيّاتنا، منها خُلقنا واليها نعود، ثم يتلقّانا ربٌ رحيمٌ ودود، يُرسل ملائكته لتستقبلنا وتفتح لنا أبواب السماوات مُهللة : طِبتم ، ادخلوها بسلامٍ آمنين .