الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

وهم إلغاء «لوزان».. «أردوغان» يعترف بأطماعه على قبر «أتاتورك».. التلويح باستعادة «الميثاق الملي» امتدادا لما قام به أسلافه.. داؤد أوغلو: مشكلات السياسة الخارجية سببها فشل الانسجام مع الإرث العثمانى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وقف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، منذ أيام قليلة أمام ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، ليخبره في فيديو متداول، عن مخططه المسبق للسيطرة على ثروات البحر المتوسط من سوريا وحتى ليبيا، قائلا: "أتاتورك العزيز، نحن أعضاء هذا المجلس نقف أمام ضريحك بمناسبة اجتماع مجلس الشورى العسكرى الأعلى لعام 2020، حيث نواصل العمل من أجل تحقيق الأهداف المنشودة لعام 2023 للجمهورية التركية التى أسستموها وأوكلتموها لنا".



وأضاف أردوغان إن "الإنجازات التاريخية التى حققناها على جبهات مختلفة بدءا من سوريا وليبيا ووصولا إلى شرق البحر المتوسط ومكافحة الإرهاب تظهر بوضوح قوة بلدنا وقدرات جيشنا".
وفى اليوم التالى على كلمات أردوغان أمام ضريح أتاتورك، صعد رئيس الشئون الدينية في تركيا، على أرباش، منبر آيا صوفيا بمدينة إسطنبول، حاملًا سيفًا بيده، متبعا عادة عثمانية ابتدعها السلطان محمد الفاتح في الجامع الكبير بمدينة أدرنة، قبل فتح إسطنبول، واتبعه السلاطين تباعا وذلك إيذانا بإحياء الدولة العثمانية من موتها.
وبربط المشهدين معا تظهر حقيقة الأطماع التركية في دول الجوار، وتؤكد أن أردوغان يحاول تجديد البالى وترميم المتهالك وتصدير نشوة النصر للأتباع لتقبيل اليد التى افتتحت المسجد ودعم اليد الأخرى في تفتيت المنطقة والوصول لأهداف الدولة التركية في ٢٠٢٣، وتحقيق حلم إلغاء معاهدة لوزان وتطبيق الميثاق الملي.
ففى نهاية الحرب العالمية الأولى ١٩١٨، تكبدت جيوش الدولة العثمانية الهزيمة أمام الحلفاء (بريطانيا، وفرنسا)، وأجبر قادة إسطنبول على توقيع «هدنة مودروس» مع أعدائهم، وبعد غزو اليونان لمدينة إزمير في ١٦ مايو ١٩١٩، أكد مصطفى كمال أتاتورك أن وحدة تركيا أصبحت على المحك، وأن الحكومة العثمانية في إسطنبول ضعيفة وعاجزة عن الدفاع عن مصالح الشعب التركي.


المؤتمر الوطني

وترأس أتاتورك المؤتمر الوطنى في مدينة أرضروم، واتخذ مجموعة قرارات حاسمة، أهمها تشكيل حكومة جديدة تكون هى المتحدثة باسم تركيا بديلا عن حكومة إسطنبول العثمانية، وفى ٢٨ يناير ١٩٢٠ أعلن عن الميثاق الملي، باعتباره وثيقة ترسم الحدود الجديدة لتركيا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. 
واعترف «الميثاق الملي» بخسارة الأتراك للولايات العربية، ولكنه استثنى إقليم كردستان بالكامل، إضافة إلى شمال سوريا (وعاصمته حلب)، وشمال العراق (وعاصمته الموصل)، حيث اعتبر الميثاق تلك المناطق جزءًا من الدولة التركية الجديدة، بزعم أن أغلبية سكانها من الناطقين بالتركية، وهو ما تكرر من قبل «الميثاق الملي»، عندما اعتبر تراقيا الغربية، وجزر بحر إيجة، إضافة إلى جزيرة قبرص بالكامل جزءًا كذلك من تركيا، وللأسباب نفسها. 
وأثارت الخريطة المنبثقة عن «الميثاق الملي» غضب الحلفاء، وقامت القوات اليونانية بالهجوم على الخط الغربى من الأناضول في ٣ مارس ١٩٢٠، بينما احتل الحلفاء العاصمة العثمانية إسطنبول في ١٩ مارس.


معاهدة سيفر

ونتيجة لتلك الأحداث المتلاحقة، وقعت الحكومة العثمانية في إسطنبول «معاهدة سيفر» مع الحلفاء في أغسطس ١٩٢٠، وأصبحت حدود تركيا، لا تتجاوز منطقة الأناضول، وتراقيا الشرقية دون الغربية، مع تقسيم الأقاليم العربية في سوريا والعراق، بما فيها مدن حلب والموصل، وكردستان العراقية والسورية بين بريطانيا وفرنسا.
رفض مصطفى كمال ورفاقه من القوميين الأتراك «معاهدة سيفر»، وأعلن من «الجمعية الوطنية التركية» التى كان قد ألفها منذ أبريل ١٩٢٠، عدم اعترافه بالحكومة العثمانية في إسطنبول متهما إياها بخيانة الميثاق الملي، ثم شكل حكومة جديدة في أنقرة، وأعقب ذلك اندلاع حرب الاستقلال التركية اليونانية، التى انتهت في ١١ أكتوبر ١٩٢٢ بانتصار الجيش التركي.
وتوجه وفد برئاسة عصمت إينونو إلى مفاوضات السلام الجديدة في مدينة لوزان جنوب سويسرا، الذى ربط توقيعه على المعاهدة بالموافقة على بنود «الميثاق الملي»، الأمر الذى قوبل بالرفض من قبل الحلفاء فرضخ أتاتورك للأمر الواقع ووقع على اتفاقية لوزان في ٢٤ يوليو ١٩٢٣، مقابل منح تركيا حكم مدينتى قارص وأردا خان، بينما خرجت باطوم من السيادة التركية.
لكن مصطفى كمال أتاتورك حاول لاحقا استعادة ما فقده في «لوزان»، ففى عام ١٩٣٩، أقدم على احتلال لواء الإسكندرونة السورى بعد تسويات سياسية مع حكومة الانتداب الفرنسى في دمشق، ولا يزال اللواء محتلًا من قبل تركيا إلى اليوم تحت اسم يمسخ هويتها الأصلية، وهو هاتاي، وفى عام ١٩٧٤، قام الجيش التركى باحتلال شمال قبرص، مؤسسًا لما يعرف بجمهورية شمال قبرص التركية، التى لا يعترف بها أحد حتى الآن سوى تركيا نفسها. 
وفى عام ١٩٩٠ حاول تورغوت أوزال احتلال شمال العراق وضمّه إلى تركيا أثناء حرب الخليج الثانية، كما أطلق شعار "الأدرياتيك إلى سور الصين" عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، مستغلا تفككه.


العثمانية الجديدة

وسار على دربه الرئيس التركى السابق عبدالله جول الذى يعد أول من استخدم مصطلح العثمانية الجديدة ومن أهم مؤسّسى حزب العدالة والتنمية إذ قال: أرى أن النقاشات حول مفاهيم مثل الجمهورية الثانية أو العثمانية الجديدة صحية جدا. 
بدوره أكد أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق، أن سبب مشكلات السياسة الخارجية التركية هو الفشل في الانسجام مع الإرث العثمانى من أجل تشكيل أرضية سياسية خارجية ملائمة لرسم سياسات جديدة. ويقول أوغلو: "نحن لنا إرث باقٍ من العهد العثماني، يقولون عثمانية جديدة، نعم نحن عثمانيون جدد، نحن يتحتم علينا الاهتمام بدول منطقتنا، كما الاهتمام بدول شمال أفريقيا، كما هى إنجلترا زعيمة لكومنولث إنجليزي من مستعمراتها السابقة، فلماذا لا تقيم تركيا من جديد زعامة في الأراضى العثمانية السابقة في البلقان والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وفى ٢٧ أبريل ٢٠١٢ أعلن أوغلو في خطاب أمام البرلمان أن تركيا ستقود موجة التغيير في الشرق الأوسط، لتحديد مستقبله.
كما رد أردوغان على منتقدِى تدخّل تركيا في الشأن السورى قائلًا: "يسألوننا عن أسباب انشغالنا بسوريا، الجواب بسيط للغاية لأننا بلد تأسس على بقية الدولة العلية العثمانية. نحن أحفاد السلاجقة. نحن أحفاد العثمانيين، نحن على امتداد التاريخ أحفاد أجدادنا الذين ناضلوا، إنّ حزب العدالة والتنمية هو حزب يحمل في جذوره العميقة روح السلاجقة والعثمانيين، إنّ الشعب السورى أمانة أجدادنا في أعناقنا، وسنصل إلى كل نقطة وصل إليها أجدادنا على ظهور الخيل وسنهتم بها.


استعادة الميثاق الملي

لذا، فإن تلويح أردوغان باستعادة «الميثاق الملي»، يعتبر امتدادا لما قام به أسلافه والفارق بينهما أنه وسع عمليات الاستعادة تلك، بالهجوم العسكرى على سائر البقاع المفقودة من خريطة «الميثاق الملي» في وقت واحد، حيث تمتلك تركيا القواعد العسكرية في شمال العراق، بينما تنفذ بصورة دورية عمليات عسكرية ضد الشمال السورى تمهد لسلخه تماما عند رسم القوى الكبرى لخارطة سوريا المستقبلية، وفى بحر إيجة، لا يتوقف سلاح الجو التركى عن التحرش بالقواعد العسكرية اليونانية فوق الجزر الإيجية. وفى قبرص، تتزايد عمليات التتريك للشمال القبرصى وطمس هويته الإثنية. 
وليس سرا أن جمعية مركز المدافعين عن العدالة للدراسات الإستراتيجية ASSAM التى يرأسها عدنان تانفيردي، حاولت الترويج لفكرة اتحاد إسلامى بقيادة أردوغان، خلال مؤتمر الاتحاد الإسلامى عام ٢٠١٩، زاعما أنه يمهد الطريق للمهدى الذى ينتظره العالم الإسلامى بحلول عام ٢٠٢٣.
وتنفيذًا لهذا المخطط أعد ASSAM، الذى يعتبر العقل التنظيمى لمشروع أردوغان في توظيف شعارات الإسلام السياسى وتشكيلات الإخوان من أجل الترويج لكونفدرالية إسلامية يرأسها خليفة مقره إسطنبول، دستور لدولة كونفدرالية إسلامية عاصمتها إسطنبول ولغتها الرسمية هى العربية، ويحتوى على بند خاص عن رئيس الدولة الكونفيدرالية الذى هو في الحقيقة الخليفة المزعوم.
وتُظهر قائمة الدول التى تحلم القيادة التركية بأن تكون كونفدرالية الخلافة التى يؤمها أردوغان، ٦١ دولة بينها ١٢ دولة من الشرق الأوسط هى البحرين والإمارات وفلسطين والعراق وقطر والكويت ولبنان وسوريا والسعودية وعُمان والأردن واليمن، ومن دول شمال أفريقيا تضم القائمة الجزائر وتشاد والمغرب وليبيا ومصر وتونس.