خاض عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين خلال تاريخه الطويل وأفكاره المختلفة عدة معارك، لم تكن فقط تتوقف عند الاختلاف أو إصدار المؤلفات ردًا على ما يتناوله، بل وصلت كذلك إلى ساحات المحاكم أو الاتهامت بالتخوين.
في ٣٠ مايو ١٩٢٦ تلقى النائب العمومى لمصر بلاغات تفيد بأن الدكتور طه حسين أستاذ تاريخ الأدب العربى بكلية الآداب بالجامعة المصرية قد تعدى بما أورده في كتابه "في الشعر الجاهلي" على الدين الإسلامي، أولها بتاريخ من الشيخ خليل حسين الطالب بالقسم العالى بالأزهر، والذى اتهمه بأنه تناول طعنًا صريحًا في القرآن العظيم "حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي".
وفى ٥ يونيو أرسل شيخ الأزهر خطابًا يبلغ به تقريرًا رفعه علماء الأزهر عن كتاب طه حسين "الذى كذّب فيه القرآن صراحة، وطعن فيه على النبى "صلى الله عليه وسلم"، وأهاج بذلك ثائرة المتدينين"، وطلب تقديم طه حسين للمحاكمة؛ وفى ١٤ سبتمبر تقدم عبدالحميد البنان أفندى عضو مجلس النواب ببلاغ آخر ذكر فيه "أن الأستاذ طه حسين نشر ووزع وعرض للبيع كتابًا طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي"؛ هكذا أجمل محمد بك نور رئيس نيابة مصر الاتهامات الموجهة ضد طه حسين في أربع نقاط، أنه أهان الدين الإسلامى بتكذيب القرآن في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل، وأنه طعن على النبى "صلى الله عليه وسلم" من حيث نسبه، وما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها، والرابعة أنه أنكر أن للإسلام أولوية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم؛ وقد حقق طويلًا مع طه حسين، وجادله، ثم قرر حفظ القضية رغم اختلافه مع ما جاء في الكتاب ومع طه حسين.
اتهم طه حسين كذلك بمحاباة الحركة الصهيونية، عندما أصدر مجلة "الكاتب المصري" في أكتوبر عام ١٩٤٥ بتمويل من شركة تملكها أسرة هرارى اليهودية المصرية، وهى شركة تحمل اسم "الكاتب المصري"، وكانت متخصصة في الطباعة وبيع الآلات الكاتبة وأجهزة تصوير المستندات وغيرها، وبعد أن صدرت المجلة بدأت حرب الشائعات القاسية ضد طه حسين ومجلته، وأخذ المنافسون الذين يحسدونه على ما وصل إليه من مكانة في المجتمع والأدب يشنون عليه حملات تتهمه بأنه يصدر مجلته بأموال الصهيونية التى ابتلعت فلسطين وتريد أن يكون لها دعاة في مصر وأجهزة إعلام تدافع عنها وتساند آراءها ومواقفها المختلفة؛ وتوقفت المجلة في شهر مايو ١٩٤٨، وهو الشهر الذى شهد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.
