رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تراثيات.. سيرة ابن عربي كما يرويها محمد قجة

 الباحث السوري الدكتور
الباحث السوري الدكتور محمد قجة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد الباحث السوري الدكتور محمد قجة أن الشيخ محيي الدين بن عربي يتربع على قمة الهرم الفكري في الحضارة الإسلامية، علمًا وغزارة تأليف وشمول معارف.
وفي دراسة له بعنوان "الشيخ محيي الدين بن عربي وأثره الحضاري في حوض المتوسط" روى "قجة" تفاصيل سيرة شيخ المتصوفة الأكبر محمد بن على بن عربي، حيث ولد في مدينة "مرسية" في الأندلس، لأسرة عربية عريقة معروفة بالتقي والعلم، وانتقل مع أسرته إلى اشبيلية فدرس هنالك القرآن والحديث والفقه على يد أحد تلاميذ "ابن حزم" إمام المذهب الظاهري في الأندلس.
كانت نشأته الأولى نشأة فتى مترف في أسرة ثرية، فقد التفت إلى الصيد ومجالس الأدب، ولم تظهر عليه إمارات الزهد والتصوف. ولكن هذه الصورة تبدلت إثر زواجه من مريم بنت محمد بن عبدون بن عبد الرحمن الباجي. وكانت مثلًا صالحا في التقى والصلاح والورع.
بدأ ابن عربي تتراءى له في أحلامه عذابات جهنم، وفي تلك الفترة توفي والده، وتجمعت الأسباب لديه ليسلك طريق التصوف، وهو لا يزال في إشبيلية.
كانت بلاد الأندلس وقتها تحت حكم الموحدين الذين أسسوا دولة مترامية الأطراف عاصمتها «مراكش». وقد عاصر ابن عربي ثلاثة من خلفاء هذه الدولة هم: يوسف بن عبد المؤمن، ويعقوب المنصور، ومحمد الناصر.
كان الأندلس يغلي بالصراعات السياسية ضد القوى الأوربية الآتية من الشمال مهددة الوجود العربي في الأندلس.
وفي الوقت نفسه كان الأندلس ساحة للحركات الفكرية العميقة المستنيرة، وللحوار الفكري بين التيارات المختلفة، وكان خلفاء الموحدين، وبخاصة يعقوب المنصور، على قدر وافر من التسامح وسعة الأفق، ورحابة الثقافة. وقد عرف البلاط الموحدي أعلامًا كبارًا في الفكر من أمثال ابن طفيل وابن رشد وابن زهر وسواهم.
تتلمذ ابن عربي في التصوف على بعض أعلام عصره، وتعرف إلى عجوز تدعى فاطمة بنت المثنى القرطبية فلزمها وأخذ عنها رياضات النفس الصوفية. وتمثلت له شخصية «الخضر» في إطارها المتزهد المتعبد الورع.
غادر ابن عربي اشبيلية في جولة على مدن الأندلس والمغرب. فزار قرطبة، وبجاية. حيث التقى بن الحسن الاشبيلي المعروف بأبي مدين، وهو المتصوف المشهور في التاريخ الإسلامي، كما زار تلمسان وتونس، وأقام بعض الوقت في فاس. وعاد إلى الأندلس فزار بعض مدنه. وعاد إلى المغرب حيث زار مراكش عاصمة الموحدين وعاودته الأحلام والرؤى، ثم قصد بجاية ثانية، وتطورت رؤاه إلى حلم رأى فيه أنه يتزوج بنجوم السماء.
كان ابن عربي في الثانية والثلاثين من عمره حينما اتجه إلى المشرق لأداء فريضة الحج، ولم يعد من يومها إلى الأندلس ولا إلى المغرب.
أقام الشيخ ابن عربي في مكة ثلاث سنين تعرف خلالها إلى إمام الحرم المكي المعروف بأبي خاشه. وتزوج ابنته "نظام" وكتب فيها ديوانه "ترجمان الأشواق" وهو شعر رقيق في الغزل الذي يوحي بمعان صوفية رائعة من خلال صور الغزل الحسّي الجميل.
كانت بلاد المشرق تحت حكم الأسرة الأيوبية من سلالة صلاح الدين. وكان حكمهم يمتد على مصر والشام والحجاز، وقد قام ابن عربي برحلة طويلة زار خلالها مدن المشرق. وكان الصليبيون لا يزالون يحتلون أجزاء من أراضي المسلمين في الشام. ولا يزالون في إمارتي أنطاكية وطرابلس. وهذا ما يفسر لنا آراء ابن عربي المتشددة في هذا المجال وكراهيته الشديدة للأجانب الصليبيين.
في الموصل التقى ابن عربي الشيخ المتصوف " على بن جامع" ولبس بين يديه خرقة الصوفية.
وفي القاهرة قال بوحدة الوجود فتألب عليه الفقهاء، وأثاروا العامة، ولكن العادل الأيوبي صاحب مصر كان متسامحًا فلم يلحق أذى بابن عربي.
وفي قونية منحه ملكها دارًا يسكنها قيمتها مائة ألف درهم. وذات يوم طرق بابه سائل يطلب صدقة، فقال له ابن عربي: إنني لا أملك إلا هذه الدار فخذها لك.
وفي بغداد اجتمع حوله نفر من المتصوفة، وعاد إلى قونية ثم إلى ملطية، ثم قصد مدينة حلب أيام الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي، ولقي عنده ترحيبًا حارًا وإكرامًا رغم ضغوط الفقهاء المتشددين ومطالبتهم بطرد ابن عربي أو معاقبته.
استمرت إقامته في حلب حتى ٦٢٠هـ، ثم غادرها إلى دمشق التي لزمها حتى وفاته يوم ٢٨ ربيع الثاني ٦٣٨هـ الموافق ١٦ / ١١ / ١٢٤٠م، ودفن هناك.
وقد أحصى له الباحث عثمان يحيى ٩٩٤ مؤلفا بين كتاب ورسالة.