السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفكر الدينى والمجال العام والخاص

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا نبالغ لو ربطنا مصادر الخطابات الثقافية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية بالخطاب الديني، وذلك لتأثير هذا الخطاب، وذاك الفكر على مجمل الخطابات والأفكار الأخرى لأهمية الدين وانتشار التدين وربط المقدس بغير المقدس، وقد ضربنا أمثلة من أنواع هذا الفكر الدينى الغيبى والأسطورى والخرافى تحت مسمى معجزات الرمل ونزول زيت من الصور، ناهيك عن بعض رجال الدين الذين يدعون إخراج الشياطين ومعالجة المرضى النفسيين في القنوات الدينية، هنا يمكن مناقشة هذه القضايا من زوايا متعددة ليست على مستوى الدين أو النص الدينى فقط ولكن في أبعاد أخرى تحيط بهذه القضايا، وأهمها حالة من حالات التمايز والقدرة على الإتيان بما لا يستطيع أحد الإتيان به، أى نوع من أنواع التمايز في الرد على الآخر يريد فيه أن يقول إن دينى وتدينى مميز ويأتى بالمعجزات، وهذا لا شك تعبير عن رد غير مباشر للإحساس بأنه لا يأخذ حقه أو كما يسوق المتاجرون بمشكلات الأقباط أن هناك اضطهادا أو أن السياق الاجتماعي والتاريخى المتراكم لا يجعل المسيحى عالى الصوت اجتماعيًا، وهو الشيء الذى بدأ في الانحسار بعد التغيير الملموس في المناخ المجتمعى بشكل عام إلى جانب الانفتاح التكنولوجى الذى فتح مساحات التعبير عن النفس والمعتقد، هنا هل عملية التمايز هذه تقتصر على الأقباط أو أصحاب دين واحد دون الآخر؟ لا. بكل وضوح كل طرف يحاول التمايز على الآخر بأساليب متعددة أهمها أن دين كل منهم هو الدين الذى يضمن لصاحبه الجنة الخالدة والسماء الموعودة، وكما قلنا سابقًا إن من الطبيعى أن يؤمن كل صاحب دين أن دينه هو الأهم والأحق والأصح وأن الجنة السماء هى ملك للدين،بل البعض يتصور وعلى امتداد الخط أن الجنة ملكه هو شخصيًا،يُدخل فيها من يريد ويحرم كما يريد، هذا طبيعى فلو أنا لم أتاكد أن الدين المسيحى هو الأصح فلماذا أتمسك به؟ ولماذا لا أعتنق دينًا آخر يقنعنى بأنه الأميز؟،ولذا نرى أن اليهود يرون أنهم شعب الله المختار دون سواهم، والمسيحيون يتأكدون أنهم الورثة الحقيقيون للسماء دون غيرهم، والمسلمون هم خير أمة أخرجت للناس فلا أحد أفضل منهم، وكل هذا طبيعى جدًا ومنطقى لأبعد حدود المنطق، ولكن يغيب عن الجميع وفى إطار خلط الخاص بالعام، والخاص هنا هو الخاص الدينى في المسجد والكنيسة والمنزل، والعام هو المجال العام الذى هو الوطن الذى يجمع كل المصريين بلا استثناء وبلا تفرقة وبلا تمييز أو تمايز بين مصرى وآخر حسب المادة 53 من الدستور التى تساوى بين المصريين بدون تمييز دينى أو طبقى أو لونى أو جهوي..إلخ، هنا ففى المجال العام الحكم بين الجميع هو الدستور والقانون، أما من سيدخل الجنة ومن يدخل النار فهذا لا علاقة له لا بالدستور ولا القانون، فهذا الخلط يتناقض مع القانون ومع حقوق المواطنة ويهدد التوحد الوطنى ويزعزع الانتماء للوطن، كيف؟ هناك بسطاء في الفكر ومنساقون وراء بعض رجال الدين المنغلقين والمتاجرين الذين يحاولون أن يصبحوا زعماء يحمون الدين ويدافعون عن المتدينين، هؤلاء البسطاء يخلطون في المجال العام بين التعامل مع المواطن الآخر وكأنهم في المجال الخاص فينظر إلى الآخر بأنه كافر وأنه لن يدخل الجنة، وهو محق، ولكنه مخطئ لخلطه بين المجال العام والخاص، وهناك مثال واضح هذه الأيام، فقد سبق أن قلنا إن الرمل لا يصنع معجزة ولكن الآن العقل البشرى الذى هو صنيعة الله والتقدم العلمى المذهل الذى وصل إلى أمور أصبحت بحكم السابق معجزات لا مثيل لها، والسير مجدى يعقوب صانع الأمل الذى أراد له الله بعقله وعلمه أن يصنع المعجزات، أنا لا أصفق للدكتور مجدى فالعالم يعلم ويقدر ومصر والمصريون يفتخرون ويرفعون رؤوسهم للسماء أن يكون مصريًا بهذا المستوى ليس العلمى والطبى فقط بل والإنسانى وهذا مهم، وبالطبع لا يمكن علميًا ولا يجوز أخلاقيًا ولا يصح قانونيًا أن أتعامل مع الدكتور مجدى يعقوب على أرضية الديانة باعتباره مسيحيا، أى أنه لن يدخل الجنة التى يملك مفاتيحها بعض السلفيين والمتطرفين الذين بسلوكهم يهددون سلامة الوطن، ودليل ذلك لا أتحدث عن صانع الأمل طبيبًا فهو الذى وضع قلبًا صناعيًا تسير به فتاة موضوعًا في شنطة على كتفها، ما هذا العلم ؟! وما هذا العقل الذى ميز به الله الإنسان صنيعته؟!، بل أقول إن الدكتور مجدى طُلب منه أن يقوم بعملية قلب لأحد الإرهابيين المحكوم عليهم بالإعدام وكان يتوقع من طلب هذا الطلب الرفض ولكن صانع الأمل قال «أنا لا علاقة لى بالدين ولكن علاقتى بالعلم والإنسانية» وقام بالعملية ومنح للمريض دواء لمدة ستة أشهر من عنده بالمجان، هذا هو المجال العام الذى يجب أن يحكم كل المصريين، ولكن أن يظهر بعض المتطرفين وكنوع من إثبات ما يسمى بالتمايز الدينى أو قل الكبر الدينى ويقول إن مجدى يعقوب لن يدخل الجنة بل سيدخل النار، قال الرجل «أنا لا أريد أن أدخل الجنة فأنا الآن في الجنة التى أساعد فيها المريض وأعطى الأمل لمن فقدوا الأمل»، هنا نقول لهؤلاء المتطرفين أؤمن كما يحلو لك بالجنة والنار فهذا شيء يخصك، ولكن أنت لا تملك أن تُدخل أو تُخرج أحدا، حتى أنت لا تضمن ذلك، ولا أعتقد أنك خائف على الدكتور مجدى يعقوب من النار، ادخل أنت جنتك واتركه هو لناره يا أيها المتشيخ المتطرف الذى لا يعنيك سلامة الوطن بقدر ما يعنيك تواجدك على أرضية المتاجرة بالدين الذى هو منك برأ، «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد». حفظ الله مصر، من المتطرفين، وطنًا لكل المصريين.