الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان والعنف بين رسائل البنا وممارسة أتباعه (5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نجحت حركة الإخوان المسلمين في كتابة التاريخ وفي التسويق لمفاهيمها إزاء أحداث كثيرة مر عليها أكثر من تسعة عقود، بينما خلت الساحة من كتّاب ومؤرخين يفصلوا في هذه الحوادث أو حتى يوضحوا للناس الحقيقة دون أي تزيف، ولم تتح الفرصة للمتخصصين ولا المختصين في ملف التنظيمات المتطرفة لكتابة أوراق التاريخ من جديد.
الألة الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان نجحت في صناعة جدل مازال دائرًا داخل أروقة المناقشات، كلما ذكرت واقعة المنشية التي حاولت الجماعة فيها اغتيال الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في نهاية أكتوبر من العام 1954؛ فالجماعة سوقت إلى أنها تمثيلية أو مسرحية من إخراج الرئيس وقتها، وتبرأت في نفس الوقت من الذين حاولوا اغتيال الرئيس، نفس الحال جرى في حوادث كثيرة بخلاف هذه الحادثة، ولعل أهمها البيان الذي أصدره المؤسس الأول للجماعة حسن البنا "هذا بيان للناس"، والذي عرف بعنوان "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين"، عندما هموا باغتيال رئيس وزراء مصر، محمود فهمي النقراشي.
فالجماعة تملك بين يديها عدد من التناقضات، تمارس العنف وتنتقض ممارسيه في نفس الوقت، وللمناسبة من يمارسوا العنف هم الإخوان، وهنا تبدو الصورة أكثر وضوحًا عندما نتحدث عن فكرة توزيع الأدوار داخل التنظيم الكبير في حجمه، وهي ما نجحت الجماعة في صناعته طوال عقود طويلة من النشأة.
على كل الأحوال، ربطت الجماعة بين محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر وبين لفظة تمثيله أو مسرحية، كلما ذكرت حادثة المنشية، وهذا يعود لقدرة التنظيم على غسل تاريخها، واعتمادها على أله إعلامية جبارة نجحت من خلالها في كتابة التاريخ من جديد، فظهرت من خلاله كالضحية، بينما ارتكبت ما يمكن أن نسميه بالجرائم في حق المجتمع والناس، فليس أسوأ من القتل ولا أشنع من هذه الجريمة التي صنعها الإخوان من خلال أذرعها العسكرية.
تُضاف لجريمة القتل جرائم أخرى أهمها تزوير وتزييف الواقع والحقيقة، وهنا تبدو الجريمة متعاظمة عندما يكذب التنظيم ويتحرى الكذب، وهدفه الأساسي هو اغتيال الوطن، فليس أسوأ من تشويه التاريخ بعدما شوهوا الواقع والحاضر والمستقبل.
من الوقائع التي يمكن أن نستدل عليها في هذا السياق، وهي تبدو مجرد مثال فقط، مقتل حسن البنا والتي صورها الإخوان على أنها جريمة ضد التنظيم وضد الرجل، وعاشت على هذه المظلومية وربت أتباعها عليها أيضًا لعقود طويلة.
وهنا استخدمت حيل من عينة أن الرجل تُرك ينزف في المشفى دون أن يقترب المسعفين منه، فضلًا عن أن جريمة قتله اشتركت فيها دول كبرى مع القصر، وتم إنتاج عشرات الأفلام الوثائقية ومئات الكتب التي تروي الواقع وتؤصل لمفهوم المظلومية، والتي تصور مؤسس الجماعة بأنه شهيد كما نجحت في تصويره على أنه ملهم وموهوب.
عند قراءة تاريخ الإخوان، وتتبع هذه الحادثة على وجه التحديد تكتشف أنك أمام جريمة مكتملة الأركان ليست في حق الرجل طبعًا؛ وإنما جريمة ارتكبتها الجماعة، ويمكن تلخيصها في اغتيال رئيس وزراء مصر، محمود فهمي النقراشي، والمكلف وقتها بحقيبة وزير الداخلية، وتمت جريمة القتل في بهو وزارة الداخلية من قبل الذراع العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين أو ما أطلقت عليه الجماعة وقتها النظام الخاص.
وبالتالي مقتل المؤسس حسن البنا في 12 فبراير من العام 1949 كان مجرد رد فعل على اغتيال رئيس وزراء مصر وقتها في 28 ديسمبر من العام 1948، والمفارقة العجيبة التي لم يستوعبها الإخوان أنهم قتلوا رئيس وزراء مصر الدولة وليس مجرد مسؤول أو زعيم لتنظيم، وأن رد الفعل قياسًا كان قتل حسن البنا، زعيم الإخوان فقط.
نحن لا نحرّض على الدماء ولا كنا كذلك في يوم من الأيام، ولن نكون دعاة لذلك، فخصومتنا مع الجماعة لأنها تقتل وتستخدم الكذب في استباحتها للدماء، حتى وقع الكثير في براثن الفهم غير الصحيح لمدركات التنظيم في الداخل والخارج، حتى فوجئنا فيمن يبحث لهم عن وجود بعمل صفقات معهم أو إتاحة الفرصة لوجودهم، ثم يدعي بعد ذلك أنه يواجههم!
وهنا نجحت الجماعة في تزييف الواقع والحقيقة، بل عمدت في اغتيال هذه الحقيقة، كما اغتالت رئيس وزراء مصر، رغم ما صدر عن مرشدها من بيان لا قيمة له، والذي أعلن من خلاله بأن من قتلوا ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، فمرشد الجماعة اعترض على عملية اغتيال رئيس وزراء مصر من قبل الذراع العسكرية للجماعة، "النظام الخاص"، والحقيقة أن الرجل مات قبل أن يقوم بحل هذا النظام الخاص، كما أنه مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله وسلوكياته وكل الجرائم التي ارتكبها، وهو ما يجعلنا نتشكك في بيانه الذي أصدره.
التاريخ يكشف لنا بوضوح وجلاء بأن، مقتل حسن البنا كان مجرد رد فعل على عملية اغتيال رئيس وزراء مصر ووزير الداخلية، محمود فهمي النقراشي، هذا للعلم.. وللقصة بقية.