الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محمد بدر الدين أبو العلا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرفت د. محمد بدر الدين أبوالعلا في صيف العام 2008 عندما اتصل بى هاتفيًا ليدعونى إلى المشاركة في فريق عمل المراجعة الأكاديمية لأحد برامج الإعلام بإحدى الجامعات بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، وهو أيضًا مَن فاجأنى دون سابق إنذار منذ أيام برحيله عن عالمنا، وحضورى لعزائه في مسجد الرحمن الرحيم عشية السبت الماضى مقدمًا واجب العزاء لزوجته الغالية د. صفية تمام رئيس البحوث بمركز البحوث الزراعية وشقيقها اللواء عبد الرحمن تمام الصديق العزيز، وما بين اللقاء والوداع دارت بيَّ الذكريات في عمق هذا الزمان الذى تعرفت فيه برجلٍ من أعز الرجال الذين أثّروا في مسيرة حياتى الأكاديمية وأثروها في الوقت ذاته.
إنه الأستاذ الدكتور محمد بدر الدين أبو العلا الأستاذ المتفرغ بجامعة المنصورة ومستشار وزير التعليم العالى بدولة الإمارات العربية المتحدة والمدير السابق لهيئة الاعتماد الأكاديمى بها لسنوات طويلة وأحد الرواد المؤسسين لها منذ تسعينيات القرن الماضي، ورئيس الشبكة العربية لضمان جودة التعليم، والمُحاضر بمركز الإمارات للدراسات السياسية والإستراتيجية، والمستشار السابق لوزير الشباب بدولة الإمارات ضمن أعباءٍ كثيرة أخرى قدم فيها خدماته بكل تفانٍ وإخلاص لدولة الإمارات الشقيقة، ومثّل فيها الدولة المصرية خير ما يكون التمثيل، حيث كان رمزا للعمل الجاد والفكر المستنير والصرامة الأكاديمية وتطبيق المعايير في كل خطوةٍ يخطوها وفى كل ملف يتعامل معه.
لقد ظل الرجل يعمل حتى لحظات عمره الأخيرة وهو مَن جاوز الثمانين من العمر الحافل بالعلم والعمل، كان يجوب الإمارات المختلفة ويتفقد مؤسسات التعليم العالى بها من جامعات وكليات ويشارك في المراجعة الأكاديمية للبرامج المختلفة، يقضى الساعات الطِوال في التنقل والترحال دون كللٍ أو ملل حتى صارت الإمارات أفضل الدول العربية في جودة التعليم العالي، وسبقت في ذلك دولًا كثيرة عربية وأجنبية، واستطاع أن يعقد مؤتمرًا دوليًا لهيئات ومفوضيات الاعتماد الأكاديمى على مستوى العالم في دولة الإمارات، لكى تستفيد الإمارات من التجارب العالمية في الجودة والاعتماد الأكاديمى.
وروى لى اللواء الدكتور عبدالرحمن تمام شقيق زوجته أن الراحل العظيم الدكتور بدر كان قد سافر لحضور مؤتمر بالمملكة العربية السعودية، وحضر بالفعل الجلسة الافتتاحية والجلسة الأولى من المؤتمر، وذهب إلى غرفته بالفندق لكى يستعد لحضور الجلسة الثانية من المؤتمر، إلا أن المنية قد وافته على غير توقع، وكأن الأقدار أرادت لهذا الفارس أن يظل ممتطيًا جواده حتى اللحظة الأخيرة وأن يظل واقفًا في شموخ حتى أتاه اليقين، لينزل الفارس من على صهوة جواده ويترجل ليصل إلى المكانة التى أرادها له الله في ملكوته ورحماته وفردوسه الأعلى التى جعلها الله للعلماء العالمين.. حقًا الأشجار تموت واقفة في شموخ وإباء وكبرياء تنظر من أعلى لكل مَن أرادها بسوء أو رماها بحجر، بل إن الأشجار العظيمة حين تُلْقَى بحجر تقذف إلينا بحُلو الثمر.
لقد نعى الراحل العظيم أعضاء الشبكة العربية لضمان الجودة في التعليم العالي، حيث تقدموا بخالص العزاء والمواساة إلى عائلة الأستاذ الدكتور محمد بدر الدين أبو العلا رئيس الشبكة العربية لضمان الجودة في التعليم العالى والذى وافته المنية مساء يوم السبت الموافق 30 من نوفمبر 2019، مقدمين صادق التعازى لأسرته الكريمة ولجميع الأهل والأصدقاء، حيث فقدنا شخصية لها دور بارز في تأسيس ثقافة جودة التعليم والتدريب في الوطن العربى والإسلامى.
كان د. بدر صارمًا في غير حِدة عطوفًا من غير ضعف، لقد كان يحرص أن يلتقينا كفريق مراجعة أكاديمية بصفته الرسمية ليعقد معنا في الفندق الذى ننزل به اجتماع عمل يوم وصولنا حول البرنامج الذى جئنا لتقييمه أو مراجعته أو اعتماده، وبعد انتهاء هذا الاجتماع الصارم، نجده بمثابة الأخ الأكبر الذى يدعونا إلى العشاء أو جولة في المدينة التى ننزل بها، سواء في دبى أو أبو ظبى أو العين، لنتعرف على معالم المدينة أو الدولة التى أحبها وأحببناها لأننا نظرنا إليها من خلال عيونه المحبة العاشقة لها بشرًا وحجرًا وقيمًا وأصالة وعراقة وتاريخًا ممتدًا في أعماق الزمان، تلك الدولة التى لم تنسَ ما قدمه لها طوال ما يناهز العقود الخمسة من عمره، فأرسلت وفدًا رسميًا لتقديم العزاء لأسرته، معربةً عن فقدان رمز مهم من رموز الجودة في مؤسسات التعليم العالى بالدولة.
ورغم عشق الراحل العظيم لدولة الإمارات الشقيقة إلا أن هذا لم ينسه حبه لوطنه مصر الذى كان يستغل أى إجازة لكى يقضيها في وطنه الأم، يجوب مدنه وقراه، ويملأ عينيه من مناظره البديعة، ويملأ صدره من نسماته العليلات، ويلتقى فيها أصدقاء عمره، ويحتفل مع أسرته بالأعياد، ويطمئن على أصحابه وخلانه. ورغم كل هذا الحب لمصر والمصريين، إلا أنه في العمل لا يحابى أحدًا حتى ولو كان مصريًا، يوجه ملاحظاته بكل صرامة وحِدة إذا كان هناك مساس بالمعايير والتنوع.
أذكر أننا كنا ذات مرة في زيارة للاعتماد المبدئى لأحد برامج الإعلام، ولاحظ أن رئيس مجلس أمناء الجامعة يحابى المصريين لعشقه لمصر والمصريين ولتلقيه تعليمه الجامعى في جامعة الإسكندرية؛ حيث كان كل مَن يعملون بالجامعة من المصريين بداية من العمال مرورًا بالإداريين وأعضاء هيئة التدريس وانتهاءً بعمداء الكليات ورئيس الجامعة، فكانت ملاحظته وعبارته الواضحة بضرورة أن يكون هناك تنوع في جنسيات الهيئة التدريسية مراعاةً للتنوع الثقافى وعدم احتكار أى جنسية حتى لو كانت مصرية للعمل في إحدى الجامعات أو مؤسسات التعليم العالي.
لقد كان د. بدر سعيدًا عندما دعوناه ذات مرة في العام 2010 لزيارة مدينة الإنتاج الإعلامى بالسادس من أكتوبر حيث تفقد في زيارة رسمية مناطق التصوير المفتوحة الريفية والحضرية والاستوديوهات، وأبدى إعجابه بما وصلت إليه مصر من تقدم في المجال الإعلامى والدرامى وقتها. وبقدر ما كانت سعادته بكل ما تنجزه مصر من مشروعات تضعها على خارطة العالم العربى والإقليم والعالم، بقدر ماكان حزنه من كل ما يشوه وجه الوطن، فقد أرسل يوم 17 نوفمبر الماضى قبل وفاته بأيام لى فيديو يوضح مدى ضحالة ثقافة الشباب في مدى أهمية مشروع الضبعة النووى للدولة المصرية، متحسرًا على الشباب الذى نعده لكى يمسك بزمام هذه البلاد لكى يقودها إلى المستقبل.
رحم الله الأستاذ الدكتور محمد بدر الدين أبو العلا وتغمده بواسع رحمته ورزقه الفردوس الأعلى من الجنة دون سابقة عذاب جزاءً وفاقًا لكل الجهود المخلصة التى بذلها من أجل دولتيْ مصر والإمارات والعالميْن العربى والإسلامي، وجمعنا به على خير، وألهم أسرته الكريمة الصبر والسلوان.