رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد وحاضر يصون المستقبل «20»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا - دائمًا - كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عامًا من الأخلاق. 
الواقع - الآن - في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
................................................................
رسائل الاستعمار والسلطان العثمانى وبدايات الأكاذيب والشائعات لانقسام الجيش المصرى على نفسه وعزل السلطة السياسية
في ذات الاتجاه وهو الصالح العام لمصر اختلفت الآراء بين إبراهيم باشا قائد الجيش المصرى وبين والده والى مصر محمد على، الأول يرى أرض المعركة بوضوح جلى، ويدرس أخبار العدو التى تتواتر إليه سريعًا، وعلى دراية بطبائع وطموحات الشعوب المقهورة من جراء الاحتلال العثمانى، والأجمل أنه احترف القتال أمام القادة الأتراك وعساكرهم وتيقن من ضعفهم في المواجهة أمام الجيش المصرى الذى هو الآخر احترف قتال عسكر السلطان العثمانى وساندته دعاوى الشعوب المقهورة من البطش التركى الفادح، أما الوالى فكان سياسيًا أكثر منه عسكريًا، فهو الآخر يريد الصالح لمصر، ولكن باحترافه وعلمه بالظاهر والباطن من العلاقات الأوروبية البينية وسياساتها المعلنة والخفية تجاه مصر ويعلم يقينا من خلال عيونه وعملائه في دهاليز صناعة القرار السياسى بالدول الكبرى، ورغبة أوروبا في الإبقاء على رجلها الضعيف - تركيا - كما هو، وخوفها من تنامى قدرة الجيش المصرى ومنافسة أسطوله في البحرين الأحمر والمتوسط، لذا كان والى مصر يخشى من اندفاع الجيش وراء النصر السهل على العسكر الأتراك واحتلال الأستانة ومعاداة الدول الاستعمارية الكبرى التى تجد في نفسها الأحقية في اقتسام الميراث العثمانى، ومن هذا المنطلق تردد والى مصر في احتلال الأستانة التى كانت لقمة سائغة هينة بين أنياب الجيش المصرى.
من جانب آخر اعتمد السلطان العثمانى على رسائل الشائعات والأكاذيب بعد هزائمه المُنكرة والمتكررة أمام الجيش المصرى، وذلك لإحداث الفرقة بين الجيش المصرى وقادته من ناحية، ومن الأخرى الوقيعة بين والى مصر وقائد جيشه، أو بين الوالد المحنك الطموح وابنه المنتصر القوى، فأخذ سيل الرسائل من اتجاهات أوروبا وتركيا عبر القناصل والعيون والمستشارين الدبلوماسيين إلى محمد على من جانب، وإلى ابنه القائد إبراهيم من جانب آخر.
فقد علمت فرنسا برسالة القائد إبراهيم إلى والده والى مصر والتى يقول فيها بالحزم وأخذ الأمور بالقوة، وإيقاف الدول القوية أمام الأمر الواقع، واستأذن والده بالزحف على قونية ثم الاستانة واستعجال مُلاقة جيش السلطان وهزيمته استغلالا للنجاحات التى يحققها الجيش المصرى، بل ودعوة خطباء مساجد الولايات الشامية التابعة للحكم المصرى بإلقاء الخطب باسم والى مصر.
وفى الثامن من سبتمبر رد والى مصر على رسالة قائد جيشه: «تقول لى يا والدى إنك تريد أن تمسك المعدن وهو حام، وأن يخطب الدعاة في المساجد والمعابد باسمى» وكان هذا هو طلب إبراهيم باشا من والى مصر، إلا أن الوالى كان له رأي مخالف إذ أرسل معاتبًا: «.. فأعلم يا ولدى أنّا لم نصل إلى مركزنا الذى نشغله الآن إلا بقوة الوداعة وخفض الجانب، فإنه يكفينى أن أحمل اسم محمد على خالصًا من كل رتبة وزينة فهو أكبر لى من جميع ألقاب السلطنة والملك، لأن هذا الاسم هو الذى خوّلنى الشرف الذى يجللنى الآن،... وانت يا ابنى تحفظ اسمك «إبراهيم» وكفى، وعليك رحمة الله وبركاته».
وكان في الخطاب ما يفيد بتوقف إبراهيم عن استفزاز الدول الأوروبية وعدم السعى لاحتلال تركيا وإنهاء وطمس اسم سلطانها، وهذا ما تفهمته فرنسا من رد والى مصر، وقام عميلها المسيو ميمو قنصلها لدى مصر بإبلاغ محمد على بسوء عاقبة الأمر الذى يسعى إليه قائد جيشه من احتلال الأستانة بعد قونية، وأسر ميمو إلى محمد على: «.. وتكون نتيجة ذلك جعل مصير تركيا في كفة الأقدار، وهذا ما لا يخلو من الخطر عليك».
وبالطبع استفادت فرنسا من علمها برسالتى القائد والوالى وأبلغت السلطان: «إن إصراره على القتال لا يوصله إلى نتيجة، لضعف قوته دون قوة محمد على التى تتزايد برًا وبحرًا»، ورفض السلطان وساطة فرنسا بحجة أنه لا يستطيع مصالحة والى عاصيا وأصدر ضده فتواه بكفره من شيوخ الاستانة وعلمائها، في حين أنه بدأ يُهادن محمد على ويرسل في طلب مقابلته بالاستانة، ولم يبتلع والى مصر الطعم الذى يعلم فيه الخديعة ونصب الشراك، كما أخبرته زهرة هانم زوجة ابنه الثالث اسماعيل التى أرسلها إلى الاستانة لزيارة والدها عارف أفندى قاضى عسكر الأناضول، وهناك تأكدت من سوء نوايا السلطان تجاه محمد على رغم أغداقه عليها بالهدايا وإرسال أحد باشاواته الأميرالاى أحمد فوزى بصحبتها على الباخرة النيل إلى الإسكندرية، ليعرض الصلح على والى مصر، وهو في ذات الوقت يستمع لنصح روسيا وانجلترا وطلب دعمهم للقضاء على والى مصر، ومن جانب آخر يجهز جيشا لملاقاة إبراهيم باشا عند قونية بهدف القضاء على الجيش - أيضا - بدعم انجلترا وروسيا، وبدأ في وعود كاذبة لقائد الجيش لإحداث الوقيعة بينه مع والى مصر، 
وسنوالى نشر تلك الرسائل والوعود الكاذبة في العدد المقبل إن شاء الله.