الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التحرش ثقافة أم جريمة؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد التحرش ظاهرة عالمية تشكل خرقا لحق المجتمع في الشعور بالأمان والطمأنينة، فجميع دول العالم تعانى من مشكلة التحرش ولكن بنسب مختلفة، لكن الحقيقة المفجعة أن الدول العربية أصبحت تنافس دول أفريقيا وأوروبا وأمريكا في إحصاءات التحرش على الرغم من أن ظاهرة التحرش تخالف معتقدات وتعاليم وتقاليد المجتمع العربي، ففى دراسة ميدانية لوكالة رويترز عام 2018 في قضايا التحرش الجنسى (اللفظى والجسدي) بمواقع العمل، تصدرت الدول العربية من بينها مصر مراكز متقدمة من بين 24 دولة شملتها الدراسة و12 ألف امرأة شملتها العيّنة، وهيَ بذلك تسبق النسبة في الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا. 
لقد باتت قضية التحرش واقعا أليما ومأساة اجتماعية وأخلاقية يمر بها مجتمعنا المصرى على مدى سنوات عديدة مضت ولا يزال الأمر مفجعا وصادما لما يعكسه من تداعيات ونتائج تمثل جرائم مكتملة الأركان ليست من قبيل التحرش الجنسى وحسب وإنما التحرش الذى طال العديد من مناحى الحياة الاجتماعية والتربوية والثقافية بل والدينية على حد سواء وفى التفصيل إيضاح وإفصاح.
• التحرش بالمنظومة التربوية والتعليمية تشويه للمناهج وتدمير للعقول وافتقاد للأسس العلمية «التخطيط والسياسات» والعملية «الإمكانات والأدوات» إلى أن تم تحويل العملية التعليمية إلى سباق محموم لحصد الدرجات ونيل الشهادات بغض النظر عن الوسيلة وبدون الاعتبار بالمحصلة. 
• اغتصاب حقوق المواطن في الشوارع والطرقات بالاستيلاء على الأرصفة وأماكن المرور والعبور في تغافل تارة وتكاسل تارة أخرى من أجهزة الدولة ومؤسساتها.
• انتهاك خصوصية الأسرة المصرية من خلال المراتع الإعلامية التى تتخذ من فحش القول وتفاهة المضمون مادة لبرامجها، وما يقدمه البعض منها من إعلانات تروج لمنتجات تخدش حياء الأسرة وتولد لدى الأبناء استفهامات تعجز الأسرة عن توضيحها أو الإجابة عنها.
• التحرش بالذوق العام وتصدر الساحة الفنية كل ما هو مبتذل وهابط بتقديم جراح المجتمع وبعض سلبياته على أنها قضايا مهمة وظواهر عامة وبدلا من علاجها في أضيق الحدود يتم فتحها حتى تتقيح وتهدد باقى جسد المجتمع بالهلاك، فظهرت عاصفة من الأفلام الرديئة والأعمال الهابطة لم تقدم فنا أو إبداعا بقدر ما نفثت به في وجه المجتمع من سموم العنف والعُهر. 
• التحرش الدعوى وانتهاك صحيح الدين وتعاليمه السمحة وأخلاقياته السامية من خلال أئمة الشاشات وشيوخ الفضائيات والانشغال بتوافه القضايا وغرائب الأحكام عما يريده المتلقى من القرآن فهما ومن السنة اقتداء ومن السلف اتباعا. 
إن المشكلة أكثر بكثير وتتعدى إعمال القانون ومعاقبة المتحرش وإن كان بالطبع لازم وواجب، لكن الأهم هو استئصال الداء بأن يضطلع كل مسئول بواجبه وكل راع بما استرعاه الله من خلال العلاج الجذرى لهذا المرض اللعين الذى بات ينخر في جسد المجتمع ليل نهار، وما قد يترتب عليه من هتك الأعراض وإزهاق الأرواح، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال منظومة مجتمعية متكاملة أسوق بعض ملامحها وآلياتها:
1. صحوة دينية مجتمعية لأئمة الصلاح ودعاة الهدى على أساس صحيح الدين من أصول العبادات وفقه المعاملات وإعادة المؤسسة الدينية لدورها الهام والأساسى في إعادة صياغة وتشكيل الوجدان الأخلاقى بخطاب دينى واع يدرك أبعاد مشكلات المجتمع الآنية وتأصيل حلولها شرعيا وحياتيا بما يتناسب مع مقتضى الحال وتغير الأحوال.
2. إعادة النظر في المنظومة الإعلامية بتقويم الأداء الإعلامى ليصبح إعلاما هادفا لا هادما، فما يبنى في سنوات يهدمه برنامج تافه أو عمل هابط في سويعات قليلة، فالكثير من المواد الإعلامية خلت مما هو أحوج إليه المتلقى من الخبر الصادق والمعلومة الهادفة والحوار البناء. 
3. إعادة النظر في المنظومة التعليمية والمناهج الدراسية بما يسهم في العودة إلى مفهوم التعليم المرتكز على تربية الفكر وتقويم السلوك وإرساء منظومة قيمية تؤصل لمنتج تعليمى متميز «خريج» يصل إلى آفاق التنافسية، وذلك في إطار علمى وأخلاقى على حد سواء. 
4. الإفاقة العاجلة للأسرة المصرية من غفوتها العميقة وانشغالها المحموم بالصراع المادى على حساب التنشئة الحسنة والتربية السليمة على قواعد راسخة من الدين القويم والأخلاق الكريمة، واسترجاع منهج القدوة الحسنة في رب الأسرة، ومعلم المدرسة، وشيخ المسجد وراعى الكنيسة. 
5. رفض كل ما هو غث ورخيص من الفن الذى يهدم أجيالا ولا يبنى أوطانا، وذلك من خلال رقابة مجتمعية وذاتية ووازع أخلاقى لرواد الفن أمام وخلف الكاميرات بتقديم كل ما هو هادف وبناء ليضيف للذوق العام ويحفظ حياء الأسرة ووقار المجتمع. 
6. الاهتمام بالشباب من خلال مشروعات قومية توظف من خلالها الطاقات المهدرة في الفراغ المفضى إلى الضياع والتهلكة وتحويلها إلى طاقة هادفة وبناءة. 
7. فتح طاقات الأمل أمام المهمشين والطبقات الأولى بالرعاية لتشعر بأنها جزء أصيل من نسيج المجتمع ومكونه الاجتماعي لا طبقة منبوذة في العشوائيات وفوق القبور دون أسباب وسُبل للحياة الكريمة واللائقة، وقد ظهرت بوادر مبشرة من خلال المشروع القومى للإسكان الاجتماعي شرط أن يُراعى طبيعة تلك الطبقات واحتياجاتها الفعلية، وأن يتم العمل والإنجاز في ضوء رؤية الدولة المستقبلية وتنميتها المستدامة.
ختاما فإنه مِن المؤسف أنَّ الكثير مِن المدافعين عن المُتحرّش «بمفهومه المتسع على نحو ما تقدم» حتى يُفلت من المساءلة والعقاب، هم من يسهمون في تفاقم تلك الآفة الخطيرة بدعوى الخوف عليه من العقاب المادى «السجن» أو المعنوى «التشهير» لمكانته الاجتماعية أو الخوف منه بسبب سلطته الإدارية أو سطوته الإجرامية.
هذا هو الداء وهذا هو الدواء دون إخلال أو اختزال، فالأمر جد وخطير يحتاج إلى تحرك عاجل من كل سواعد المجتمع، فالكل مسئول ومحاسب أمام الله عما كلفه من رسالة وما استحفظه من أمانة، فلينظر كل منا هل أدى أم قصر، حفظ أم ضيع، أحسن أم ساء وأساء.