السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عن فك الاشتباك بين السياسي والإعلامي..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن الفصل بين ما هو سياسى وما هو إعلامى، عند الحديث عن عملية إصلاح شاملة تبعث الحياة مجددا في جسد الأمة.
كلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، ومع ذلك تبقى السياسة هى العامل الحاسم المحرك للمجتمع، وإن كان الإعلام يعد أحد المكونات الرئيسية لهذا المحرك؛ بعد أن أصبح الجمهور شريكا أساسيا في عملية اتخاذ القرار.
ولا يجوز بأى حال أن يصبح الإعلام هو المحرك الرئيسى للأحداث وصانعها؛ لأنه بذلك يكون قد جار على دور السياسى من ناحية، وجعل من الجمهور فريسة لرسائله لا كونه مستقبلا لها يقوم بإعادة تقييم مضامينها ليخلص إلى الرأى المناسب.
وبالمثل لا يجوز للسياسى أن يؤدى وظائف الإعلام المتعددة بين نقل الرسالة وشرح مضمونها وتحليل أبعادها ودلالاتها؛ لأن ذلك يجعله يعتقد أن لرسائله المباشرة تأثير الرصاصة في جمهوره، كما يقول عالم الاجتماع الأمريكى هارولد لاسويل، صاحب نظرية «الرصاصة السحرية» التى تقوم على إمكانية غرس فكرة معينة في جمهور من المتلقين الإيجابيين والعفويين من خلال الإعلام المكثف حولها، بشكل يشبه إطلاق رصاصات سريعة ومكثفة ومتلاحقة فيبدأ الإيمان القوى بها، ومن ثم التحرك الجماعى لتنفيذها.
وتكمن خطورة هذا المنهج في أن السياسى يتعامل مع الجمهور باعتباره وحدة متجانسة، وهى فرضية بات من الصعب الاعتقاد في صحتها، ذلك أن الجمهور وبفضل تطور وسائل الاتصالات الحديثة أصبح شديد التنوع والتعدد ولا يمكن التأثير في اتجاهاته اعتمادا على الرسائل المباشرة والمصمتة التى تعتمد فقط على المعلومة بغض النظر عن صحتها، علاوة على الخبرات السياسية التى اكتسبها الجمهور المصرى خلال العقدين الأخيرين منذ ظهور الحركات الاحتجاجية في عهد مبارك وحتى الآن.
العلاقة بين السياسى والإعلامى تكاملية، وجور أحدهما على الآخر يعنى وجود خلل جسيم، كان في رأيى السبب الرئيسى الذى جعلنا في مرمى سهام جنرالات حروب الجيل الرابع الذين سمموا نصالها بالشائعات والأكاذيب.
شهد العقد الأول من الألفية الثالثة بداية الخلل في العلاقة بين السياسى والإعلامى، فقد بدا الأول ضعيفا عاجزا عن الفعل سواء حزب حاكم وحكومة، أو أحزاب معارضة، حيث توهم الحزب الحاكم أن اصطناع مناخ إعلامى حر كفيل بمداراة جوانب تقصيره وضعفه وفقدانه القدرة على التأثير، وفى المقابل بات الصبى يعرف أحزاب المعارضة باعتبارها كيانات كارتونية لا تغنى ولا تسمن من جوع، وأصبح خطابها الداعى للديمقراطية وتداول السلطة مجرد نكتة سياسية سخيفة، فأغلب رؤسائها قابعون على كراسيهم منذ أمد بعيد، والحال لم يكن بأفضل في منظمات حقوق الإنسان، التى كانت ولا تزال تعرف بأسماء مؤسسيها وكأنها سلاسل تجارية أو محال بقالة عائلية.
وبسبب تلك الحالة من الضعف والاهتراء، قامت منظمات حقوق الإنسان بتأدية أدوار ووظائف الأحزاب السياسية، وأخذت تصدر بيانات ذات طابع سياسى لا حقوقى، بل وتدعو إلى تنظيم التظاهرات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، هنا وجد الإعلام فرصته؛ فقد غاب السياسى عن الساحة تماما، واعتمد على ما تصدره المنظمات الحقوقية من بيانات أو ما تنظمه من فعاليات سياسية بالدرجة الأولى في صياغة رسائل تحريضية لعبت دورا رئيسيا في صناعة بعض الأحداث.
وقبيل يناير 2011، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي الوسيلة الإعلامية الأكثر تأثيرا، بل والسياسى الذى يمتلك القدرة على إقناع الجمهور المتفاعل معه ودفعه للتحرك في التوقيت والمكان الذى يحددهما؛ لم لا وقد عملت أغلب المنظمات الحقوقية على تقديم صفحات فيس بوك وتويتر بوصفها الإعلام البديل، وتوصيف أصحابها بالنشطاء السياسيين تارة والزعماء تارة أخرى؟!
وجاءت أحداث يناير 2011، لينهار السياسى بكل أشكاله وصوره التقليدية، أو هكذا بدا المشهد، وشرع الإعلامى في لعب أدوار السياسى، بل إنه حرص على أن يبدو للجمهور وكأنه صانع الأحداث الأول لا ناقلها ومفسرها، ولم يتوان في سبيل ذلك عن اختلاق الأحداث والحكايات وصناعة الأكاذيب دون أن يراعى حرمات الدولة، وبلغ الأمر ببعضهم أن اعتبر نفسه مفجر الثورتين 25 يناير و30 يونيو، ويقدم نفسه كزعيم سياسى، معتبرا الشاشة التى يطل من خلالها منبرا سياسيا.
وقد استمرت هذه الحالة إلى ما بعد اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، بكل ما تخللها من فساد إعلامى تمثل في استسهال نشر الأخبار الكاذبة غير المحققة، والاعتماد على المصادر المجهولة، واعتبار صفحات فيس بوك وتويتر مصادر رئيسية للمعلومات، ناهيك عن اختلاط المفاهيم وعدم التمييز بين الرأى والمعلومة وعدم احترام مقتضيات الأمن القومى للدولة.
وقد تجسد ذلك في عدة وقائع، منها على سبيل المثال، هرولة أغلب المواقع الصحفية المصرية لنقل أكاذيب قناة «الجزيرة» عن أحداث الشيخ زويد في 1 يوليو 2015، دون التمهل لحين صدور بيان رسمى من القوات المسلحة المصرية، وذلك رغم علمهم يقينا أن كل ما تنشره «الجزيرة» يومها كان في سياق عملها كإحدى أدوات الإعلام الحربى لما يسمى بتنظيم «داعش»؛ ومنها أيضا استضافة أحد الإعلاميين والصحفيين المخضرمين لنشطاء ممولين لمناقشة تداعيات اغتيال الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، فتركهم يطلقون الاتهامات يمينا ويسارا معتمدا على وجود لواءات شرطة سابقين يردون الاتهام عن وزارة الداخلية، وكأن أمر توجيه التهمة في الإعلام يأتى تحت بند حرية الرأى والرأى الآخر.
هذه الأوضاع أفقدت الجمهور قبل الدولة الثقة في هذا الإعلام، فأدار الأول ظهره لجنرالات الشاشة، بينما الأخيرة بدأت تنظر بعين الحذر والريبة، لنشعر جميعا أن ضجيج الإعلام قد تحول فجأة إلى صمت مطبق.
إصدار التشريعات الإعلامية التى تنظم عمل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئتين الصحفية والإعلامية، ومبادرة الرئيس لدمج شباب الأحزاب مع شباب البرنامج الرئاسى في نموذج محاكاة الدولة، والانخراط في مجموعات عمل تراقب أسلوب الحكومة في رسم السياسات وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى، خطوات جادة للإصلاح السياسى والإعلامى، لكن ما جرى خلال السنوات الثمانى الماضية، وليس فقط الأسبوعين الماضيين، يعد درسا للجميع ليتعلم من أخطائه، ويعود أدراجه إلى حدود أدواره الطبيعية.