رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أردوغان وميراث الدم «1ـ 2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثبتت الأحداث الماضية أن الكابوس الكردى هو السبب المباشر فى التباعد أكثر فأكثر بين ترامب وأردوغان، وفى التقارب أكثر فأكثر بين تركيا وكل من إيران وروسيا.
كرد سوريا وقعوا فى خطأ التقدير، وذهبوا بعيدا فى الاعتقاد أن دورهم فى التصدى لـ«داعش» أعطاهم نوعًا من الحصانة، واعتقدوا أن القرار الأمريكى بالبقاء فى سوريا وربط سوريا ما بعد «داعش» بخطة احتواء إيران وتغيير النظام يوفر لهم حماية لأنهم يشكلون حاجة لواشنطن التى ليس لها من حليف أفضل منهم على الأرض السورية. بالإضافة إلى استقوائهم بالموارد النفطية والمالية الكبيرة التى حصلوا عليها بعد السيطرة على حقول نفطية ومنشآت استراتيجية فى دير الزور ووادى الفرات، وهو ما جعل مشروع أى كيان كردى قابلاً للحياة اقتصاديا. كما فسّروا خطأ اتجاه الأمريكيين إلى إقامة قوة عسكرية عربية رديفة للقوات الكردية يصل تعدادها إلى ٢٨ ألف مقاتل وتحويل نهر الفرات إلى خط حدودى مهمته منع القوات السورية من مهاجمة الكيان المزمع إنشاؤه، وبالتالى يكون هذا الجيش المنظم والمدرب أمريكيًا بمثابة حرس حدود لحماية مناطق الكرد.
لكن، تركيا كانت بالمرصاد للتطورات الجارية فى الشريط الكردى الحدودى ولـ«التحولات المتعاظمة»، وكانت تتحيّن لحظة الانقضاض واختيار التوقيت المناسب لضرب مشروع التواصل بين أعزاز وجرابلس من جهة وعفرين ومنبج من جهة ثانية.
وقد توافرت الظروف الملائمة للتدخل عسكريًا وفتح معركة عفرين بعدما ضمنت تركيا:
أولاً- الضوء الأخضر الروسي، فعملية كهذه لم تكن ممكنة لولا موافقة موسكو، وهذا ما يقول عنه الكرد إنه تُرجم على الأرض بسحب وحدات روسية من عفرين باتجاه تل رفعت فى ريف حلب، وإعلان الجيش الروسى أنه لن يتدخل فى العملية التركية. كان من الواضح أن روسيا كانت أمام موقف حرج، فهى داعمة للكرد ومعنية بضمهم إلى «مؤتمر سوتشي»، ولكنها فى النهاية غلّبت مصلحتها فى إنقاذ علاقتها مع تركيا، وهى تحتاج إلى هذه العلاقة لإنجاح خطتها السياسية وللحؤول دون عودة تركيا مجددا إلى الحضن الأمريكي.
ثانيًا- الإحجام الأمريكى عن التدخل فى هذه المعركة بحجة أن عفرين تقع خارج النطاق الكردى المشمول بالرعاية الأمريكية، ولكن السبب الفعلى هو المسايرة الأمريكية لتركيا حتى لا تندفع أكثر إلى المحور الروسى - الإيراني، وحتى لا تخسرها كحليف إقليمى بعدما نجحت أنقرة فى حشر واشنطن فى زاوية الخيار بين الأتراك والأكراد.
ثالثًا- السكوت الأوروبى باستثناء موقف رفع العتب من جانب فرنسا التى كان لها موقف مشابه إبان معركة كركوك. فبعد انطلاق الحملة العسكرية التركية فى عفرين، كانت باريس السبّاقة إلى دعوة مجلس الأمن للانعقاد للنظر بهذه المسألة، بينما كانت الأطراف الغربية الأخرى تطالب بالتزام ضبط النفس والتعبير عن القلق إزاء الضحايا المدنيين. فالأوروبيون يحتاجون إلى تركيا فى معركتهم ضد الإرهاب وفى احتواء ملف اللاجئين السوريين. كما أنهم معنيون، بعدم حصول فك ارتباط بين تركيا وحلف شمال الأطلسي.
استفادت تركيا من كل هذه العوامل والظروف واندفعت إلى عفرين السورية الحدودية فى عملية عسكرية استراتيجية لا رجوع فيها إلى الوراء. لكن، الهجوم التركى افتقد إلى «زخم الانطلاقة» وبدا فى أيامه الأولى يسير بخطى متثاقلة، فلم يحرز أى تقدم مهم أو اختراق نوعي، وحتى التلال الاستراتيجية التى سقطت فى الأيام الأولى للهجوم تمت استعادتها على يد القوات الكردية، هذا التباطؤ فى الهجوم يعود بالدرجة الأولى إلى عوامل وظروف ميدانية غير مساعدة أهمها:
- سوء الأحوال الجوية.
- طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة فى عفرين بخلاف المنطقة المنبسطة سابقا فى جرابلس وأعزاز حيث تسهل مناورة الدبابات.
– المقاومة وإرادة القتال لدى كرد عفرين فى تكرار لمعركة كوباني، مضافا إليها هذه المرة أن الكرد مزوّدون بسلاح حديث.
– عدم استخدام تركيا لسلاح الطيران بشكل مكثف فى ظل وجود ضوابط دولية تدفع فى اتجاه إبقاء العملية التركية تحت السيطرة.
هذه الضوابط الدولية من شأنها أن تقيد العملية العسكرية وتحدّ من اندفاعاتها وترسم حدودا لها، وهى متأتية من جهتين أساسيتين:
١- من جهة الولايات المتحدة التى حضت تركيا على ممارسة ضبط النفس وإبقاء عملياتها محدودة جغرافيًا وزمنيًا.
٢- من جهة روسيا التى تشكل «العقبة الأساس» لأن لا وجود عسكرى أمريكى مباشر فى منطقة عفرين، فلا يمكن لتركيا أن تشن عملية واسعة وجذرية من دون ضوء أخضر روسي.
خلاصة كل هذا الوضع، أن تركيا نالت عمليا «ضوءًا أصفر»، احتمال أن يتحول إلى ضوء أحمر أكبر من احتمال تحوله إلى ضوء أخضر، لأن الخطوط الحمر التى أحيطت بالعملية لا تسمح لتركيا بتحقيق أهدافها المعلنة، ولأن المناخ الدولى الإقليمى غير مؤاتٍ ويضغط عليها لإنهاء هجومها سريعا وتقديم تنازلات متدرجة، وتواصلت فى الاستجابة لطلب روسيا بالاكتفاء بمحاصرة المدينة وعدم اجتياحها ووصلت إلى إخراج «منبج» من جدول الأعمال التركى مع تمسك الأمريكيين بها.
لكن، الروس والأمريكيين يشعرون بأن ضغوط أردوغان بلغت حدّاً مربكاً، ولا يتوقّعون أن يلتزم بالحدود المرسومة له سواء فى عفرين أو منبج، بل سيترك للقادة الميدانيين إمكان التوغّل وتجاوز الخطوط الحمر، لكنهم سيترقّبون تورطه، فهذه الحملة لن تحلّ مشكلته الكردية فى سوريا، ولا فى داخل تركيا وهو الأهم والأخطر.. 
وللحديث بقية نستكملها فى مقالٍ آخر.