رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

يسار اليونان يواجه اختبارًا صعبًا في الانتخابات التشريعية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتوجه اليونانيون اليوم /الأحد/ إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية المبكرة التي تشهدها البلاد، والتي من المتوقع أن يتقدم فيها حزب الديموقراطية الجديدة المحافظ، برئاسة "كيرياكوس ميتسوتاكيس"، على حساب ائتلاف اليسار الراديكالي "سيريزا" الحاكم، بزعامة رئيس الوزراء اليوناني "أليكسيس تسبراس"، الذي يواجه اختبارا صعبا في هذه الانتخابات قد يفقده صدارته للمشهد اليوناني.
ويتنافس في انتخابات اليوم 20 حزبا سياسيا على 300 مقعد في البرلمان. ومن المقرر أن يحصل الحزب الفائز على 50 مقعدا إضافيا، حتى يتمكن من تشكيل الحكومة، كما يتعين على الأحزاب الحصول على نسبة 3% من أصوات الناخبين، من أجل ضمان تمثيلها في البرلمان القادم.
وكان رئيس الوزراء اليوناني "أليكسيس تسبراس" قد دعا إلى إجراء هذه الانتخابات، قبل موعدها الأصلي بثلاثة أشهر، بعد الفشل الذريع لحزبه "سيريزا" في انتخابات البرلمان الأوروبية والانتخابات المحلية التي شهدتها اليونان خلال جولتين في 26 مايو و2 يونيو الماضيين.
وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أنّ حزب الديموقراطيّة الجديدة سيفوز بنسبة 36% من إجمالي الأصوات، بينما سيحصل حزب "سيريزا" على 27% فقط من الأصوات. وفي حالة تحقق هذه التوقعات سيحصل حزب الديموقراطية الجديدة على أغلبية تتراوح بين 155 إلى 164 مقعدا، بينما ينخفض تمثيل "سيريزا" إلى ما بين 70 و82 نائبا مقابل 144 في البرلمان الحالي، ويبقى ذلك مرهونا بالنتائج التي ستحققها الأحزاب الأخرى.
كما تظهر معظم استطلاعات الرأي أن الأحزاب التي ستتمكّن من تجاوز العتبة البرلمانية البالغة 3%، تتراوح ما بين خمسة إلى سبعة أحزاب. فإلى جانب حزبي الديمقراطية الجديدة و"سيريزا"، هناك الحركة الاشتراكية الديمقراطية من أجل التغيير، والحزب الشيوعي، والحزب الوطني المتطرف، وحزب الفجر الذهبي اليميني المتطرف، فضلا عن حزبي الحل الشعبي اليوناني اليميني المتطرف، وحركة الديمقراطية في أوروبا 2025 اللذين يسعيان إلى الحصول على نسبة الـ 3% اللازمة لدخول البرلمان.
وفي حالة تحقق توقعات استطلاعات الرأي بفوز حزب الديمقراطية الجديدة وعدم تمكّنه من تشكيل الحكومة، فضلا عن فشل المفاوضات اللاحقة في التوصل إلى تشكيل ائتلاف حكومي، فمن المرجح حينها أن تتجه اليونان إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى في شهر أغسطس المقبل، وفي هذه الحالة، ستتم الانتخابات باستخدام نظام تمثيل نسبي بسيط، وبدون الحصول على مكافأة قدرها 50 مقعدًا للحزب الأول، مما يجعل تشكيلَ تحالف أمرًا ضروريا لتشكيل الحكومة.
ويرى المراقبون أن الانتخابات الحالية ستقلب المشهد السياسي في اليونان، في ظل تزايد التوقعات بالإطاحة برئيس الوزراء تسيبراس الذي تراجعت شعبيته مؤخرا بشكل ملحوظ نتيجة الإجراءات التقشفية التي اتخذتها حكومته، والتي أثارت استياء واسعا من قبل المواطنين وأدت إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات والإضرابات في جميع أنحاء البلاد.
فعلى مدار أربع سنوات، نفّذت حكومة تسيبراس سياسة تقشفية صارمة فرضتها على البلاد ترويكا الجهات الدائنة، وهي المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع الضرائب والرسوم المفروضة لتثقل كاهل المواطنين، خاصة الطبقة المتوسطة، وتتسبب في تراجع قدراتهم الشرائية ومستوياتهم المعيشية، كما فاقم هذا الوضع من معاناة الطبقة العاملة وشريحة المتقاعدين.
وأدت إصلاحات سوق العمل إلى ظهور جيل جديد من الفقراء يسمى "جيل الـ300 يورو"، في إشارة إلى الدخل الضئيل الذي يحصل عليه الخريجون الجدد، الأمر الذي دفع أعداد كبيرة من الشباب إلى الهجرة خارج بلادهم لانعدام إحساسهم بالأمان، ووصل عدد تاركي البلاد خلال الـ ـ 8 سنوات الماضية إلى نحو 800 ألف شاب.
وعلى الرغم من عدم شعبية الإجراءات التقشفية للحكومة، شهدت المؤشرات الاقتصادية في اليونان تحسنا ملحوظا خلال الأشهر الأخيرة، حيث تراجعت البطالة من 26 إلى 18%، وسجل الاقتصاد سجل نموًا بلغ 2% في 2018 منهيا بذلك سنوات طويلة من الانكماش، كما سجلت الحسابات العامة العام الماضي فائضًا أوليًا نسبته 4.4 % من الناتج، دون الأخذ في الاعتبار فوائد الدين العام، وتم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 650 يورو شهريًا.
وأدت هذه المؤشرات الجيدة إلى خروج اليونان العام الماضي من الوصاية المالية التي فُرِضت عليها من قِبَل المؤسسات المالية الأوروبية والدولية، بعد أن أكملت مرحلتها الثالثة والأخيرة من خطة الإنقاذ المالي، وهو ما أعتُبر مؤشرا إيجابيا على صعيد الاقتصاد اليوناني.
ونتيجة لذلك رفعت مؤسسة "موديز" درجة التصنيف الائتماني لليونان إلى "بي 1" بعد أن كانت "بي 3"، وهو ما ساعد بدوره حكومة أثينا من بيع سندات جديدة واستعادة ثقة المستثمرين.
وعلى الرغم من هذه المؤشرات الجيدة التي تعد نجاحا لرئيس الوزراء تسيبراس إلا أنها لم تساهم في زيادة شعبيته بل استمر الاستياء العام تجاهه، حيث اعتبر المواطنون أنه أخلف وعوده الانتخابية حول دفع قاطرة النمو الاقتصادي للبلاد، وتوفير حياة أفضل للمواطن، وفضَل تبنى إجراءات قاسية أدت إلى إفقار اليونانيين. 
ورغم ترشيح تسيبراس للحصول على جائزة نوبل للسلام، نتيجة توصله إلى اتفاق مع مقدونيا على إعادة تسمية هذه الجارة الشمالية لليونان، التي كانت جمهورية يوغوسلافية في السابق، وإنهاء خلاف بين البلدين استمر لمدة 28 عاما، إلا أن ذلك لم يساعده على استعادة ثقة المواطنين، حيث إن هذا الترشيح جاء كثمار لاتفاق أثار غضب اليونانيين مثله في ذلك مثل الإصلاحات الاقتصادية، على الرغم من إشادة المجتمع الدولي بها.
في مقابل ذلك ترتفع أسهم زعيم حزب الديموقراطية الجديدة، "كرياكوس ميتسوتاكيس"، الذي يقدم نفسه وكأنه المنقذ لليونانيين، حيث وعد بأن يتفاوض مجددا مع الاتحاد الأوروبي من أجل السماح لأثينا بتجاوز ميزانيتها والخروج من التقشف، في الوقت الذي وعد فيه بخفض ضرائب الشركات وتخفيف العبء الضريبي الذي يثقل كاهل الطبقة الوسطى.
كما نجح ميتسوتاكيس في استغلال المشاعر القومية لليونانيين، في أعقاب الاتفاق الأخير بشأن اسم مقدونيا الشمالية، ونجح في جذب ناخبين ينحدرون من المنطقة اليونانية في مقدونيا ويرفضون إعطاء هذا الاسم لغير "الإرث الهليّني" الثقافي، وحصل على دعمهم وهو ما مكنه من حشد أعداد كبيرة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية والمحلية.
في ضوء المشهد السابق، يتوقع فريق واسع من المراقبين أن تشهد الساحة اليونانية تغييرا كبيرا خلال الفترة المقبلة وأن انتخابات اليوم ستكون نقطة التحول التي تطوي صفحة اليسار وتعيد دفة الحكم من جديد إلى المحافظين، ليدفع رئيس الوزراء تسيبراس ثمن سياساته التقشفية غاليا، وتكون اليونان الدولة الأوروبية الأولى التي تضع مصيرها مجددا بين يدي حزب تقليدي بعد مرورها بتجربة حكم اليسار الشعبوي.