الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحقيق مفتوح المصدر لكل مواطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين تصبح صيادًا عليك أن تجيد فحص أسماكك، وإلا ستتحكم بك الأسماك وتصطادك هي. تلك هى القاعدة الأساسية التى تحكم التعامل مع الإنترنت، وفتحت هذه القاعدة فى الفترة الأخيرة الباب نحو ما سماه الكثيرون «تحقيقًا مفتوح المصدر». فما هذا التحقيق، وكيف يتعامل مع مصادره المفتوحة؟
يقوم أفراد متخصصون على كل موقع أو صفحة إلكترونية بتشكيل وتقديم مضامين مختلفة على الإنترنت، بأشكال إلكترونية مختلفة، منها النصوص وأشكال الجرافيك والإنفوجرافيك والمضامين الصوتية والفيديوية، ولكل شكل من هذه الأشكال صيغ إلكترونية مختلفة تختلف معها طرق التعامل معه تعرضًا له أو تحميلًا له. تمثل كل ذلك تجربة صيد متكاملة يقوم بها المستخدم من أجل الحصول على مبتغاه الذى يجهز له وقتًا وأدوات والمزيد من الرغبة فى الاكتشاف. لذا رأى بعض القائمين على الإنترنت أن هذه المواد المقدمة على الشبكة العنكبوتية تحتاج فى كثير من الأحيان لأن تخضع للفحص فى كافة أجزائها، ليصبح متاحًا قدر الإمكان أن تعرف من وضع المضمون ومتى وكيف ولأى غرض، وعائلة المضمون التكنولوجية أو حتى هويته الثقافية والاجتماعية وموقعه الجغرافى وأزمنة ظهوره وتحديثاته، بل إن هذه الأدوات التحقيقية تتيح لك أحيانًا فحص صيد لم تصطده من بحر الإنترنت.
يُسمى بعض الصحفيين، فى هذا الصدد، الصحافة التى تخضع لتحقيق مفتوح المصدر بـ «صحافة المصادر المفتوحة»، وهى بإيجاز صحافة تعتمد على عدد من الأدوات المجانية المنتشرة على شبكة الإنترنت، لإنجاز تحقيقات هدفها التأكد من صحة المحتوى المنتشر على شبكات التواصل الاجتماعى أو لإنجاز تحقيقات استقصائية معمقة بشكل عام. وأظهرت إحدى الدراسات أنهم يعتمدون فى ذلك على عدد من أدوات التحقيق، دليل AnyWho، وهو دليل صفحات بيضاء يعمل على تقديم البيانات المتاحة عن شخص ما من خلال رقم هاتفه، وهو ما يقوم به موقع AllAreaCodes، إلا أن هذا الموقع الأخير يتيح لك الحصول على بيانات عن أرقام غير مسجلة برسوم مالية بسيطة، أما Facebook Graph Search فيتيح لك معلومات عن أشخاص قد لا تعرف أسماءهم ولا أرقام هواتفهم، لكنه يوفر معلومات عنهم ترتبط بتلك التى تعرفها أيًا كانت سواءً العنوان أو السن أو ما شابه، لا أن تلقى له بقطع الـ Puzzle المتوفرة ليكملها هو بطريقته المبتكرة، وفى ذات الاتجاه يعمل موقع GoeSocial Footprint على توفير معلومات عن شخص ما عن طريق تسلسل دخوله فى الأماكن التى يسجل الدخول بها على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، ومن ثم يحصد المعلومات المرتبطة بكل ذلك فى تلك المواقع.
يهتم الصحفيون كثيرًا بلافتات الأبواب بأسماء أصحاب البيوت أكثر من البيوت ذاتها، هكذا علمتهم مهنتهم، وهكذا تم توجيهنا منذ أول أيام دراستنا للصحافة ففى الفرقة الأولى بالجامعة، فمعرفة من يتكلم هى التى تثبت إن كان يتكلم بشيء يمكنك الاعتماد عليه أو لا فى كثير من الأحيان فعليًا، لكن حين يتعلق الأمر بآخرين ستختلف أدوات التحقيق مفتوحة المصدر هنا لتشمل خدمات القمر الصناعى ورسم الخرائط وأدوات التحقق من الصور ومقاطع الفيديو ومواقع الويب لأرشفة الصفحات وأكثر من ذلك بكثير.
وتلقى أدوات التحقيق مفتوحة المصدر، شيوعًا خارج منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، وبدأ الأمر كمحاولات من الإعلاميين للتحقق من الشائعات والأخبار الزائفة، ومؤخرًا صدر عن مركز الصحافة الأوروبى كتاب «دليل التحقق من صحة المحتوى الرقمى فى حالات الطوارئ» للكاتب جريج سيلفرمان، الكتاب صدر بعدد من اللغات منها اللغة العربية لأهميته من وجهة نظر المركز الذى أصدره، وفى هذا الكتاب نرى للمرة الأولى عددا من الخطوات التى تتلاءم مع إمكانية تطبيق تحقيق مفتوح المصدر، ومنها خطوة التحقق من المصدر الأصلى ومن المحتوى (وذلك يتضمن الموقع الجغرافى والتاريخ والوقت التقريبي)، فكل من هذه الأشياء يتلاءم مع أداة من أدوات التحقيق التى تحدثنا عنها، وكذلك خطوة مقارنة معلومات المصدر الأصلى بمعلومات المصادر الأخرى، وهو أمر يتلاءم مع البحث عبر الإنترنت على المصادر المشابهة باستخدام أدوات التحقيق، وخطوة الحصول على الإذن من المصدر الأصلى لاستخدام المحتوى (صور، فيديو، تسجيلات صوتية) من مؤلف صاحب المحتوى الأصلي، وخطوة فحص العناصر الأربعة الأساسية: (الأصل: هل هذا هو الإصدار الأصلى للمحتوى؟ المصدر: من قام بتحميل المحتوى إلى الإنترنت؟ التاريخ: متى تم إنشاء المحتوى؟ الموقع: أين تم إنشاء المحتوى؟). وهذه العناصر تمكنك من إجراء تحقيق مفتوح المصدر بشكل أفضل حين تتوفر لك، إذ تلائم حينها العمل بكل أدوات هذا التحقيق.
أصبح التحقيق مفتوح المصدر أداة حيوية، وفى بعض الصحف فى الخارج يحتاج الصحفى للوصول إلى نتائج هذا التحقيق، بل وينفق عليه الكثير من الوقت والجهد حتى يطمئن لمصادره، وهو أمر بدأ مع مطلع القرن الحادى والعشرين، واستقر واتخذ أهمية مع مطلع العقد الثانى من القرن ذاته، لذا صار من الأهمية بمكان أن يأخذ مكانه فى تدريس وتطبيق علوم التعامل مع الإنترنت؛ لأنه يحمى من الكثير من المشكلات التى قد ينتج عنها نقل أخبار ومعلومات زائفة دون قصد، لكن علينا ألا نوقع الفرد فى دوائر الشك والخوف، بحيث ينفق على التحقيق أكثر مما ينفق على الإبداع فى الوصول إلى المعلومة ونقلها فنفقد المعلومة الصحيحة مع الزائفة.