رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"داعش - تركيا".. الإخوة الأعداء ظهور البغدادي في بث مصور يكشف علاقة المصالح المتبادلة بين التنظيم الإرهابي وأنقرة.. والخلافة الإسلامية سلاح الخداع من الجانبين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار ظهور زعيم تنظيم داعش الإرهابى أبوبكر البغدادى فى ٢٩ أبريل ٢٠١٩، فى بث مصور نشره التنظيم، حالة من الجدل فى العالم، خاصة وأنه الظهور الأول له منذ ٥ سنوات حينما اعتلى منبر مسجد «النوري» فى الموصل، فى يوليو ٢٠١٤، وذلك بعد سلسلة الهزائم المتتالية التى تعرض لها التنظيم فى سوريا والعراق وخسارة التنظيم لكل الجيوب التي كان يسيطر عليها. وحاول التنظيم من خلال هذا البث إظهار قدرته على الاستمرار والانتشار رغم الهزائم المتتالية التى تعرض لها، وإعادة توحيد التنظيمات الفرعية للتوجه نحو استراتيجية جديدة لتحقيق استمرارية نشاطه الإرهابي، وجاءت دعوة زعيم التنظيم نحو مناطق جديدة، وكان من الأمور اللافتة فى هذا الأمر أن البغدادى ظهر وبيده ملف ورقى يحمل اسم «ولاية تركيا»، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول حقيقة هذه الولاية والدوافع من إعلانها بهذه الكيفية، بالإضافة إلى حدود نشاط وعمل هذه الولاية.
تداعيات الظهور
وخلال السنوات الماضية كان هناك العديد من الشواهد الميدانية التى تؤكد تورط تركيا فى علاقات وثيقة مع التنظيم وقياداته، خاصة ما كشفته وزارة الدفاع الروسية فى أوائل ديسمبر ٢٠١٥، بنشرها شريط فيديو يظهر مرور صهاريج نفط عبر الحدود السورية التركية دون أى عوائق من الجانب التركي، بجانب العربات التى تنقل النفط الذى اشترته أنقرة بثمن بخس من التنظيم، إلى جانب أنه بينما كان تنظيم داعش يحاصر بلدة كوبانى الكردية المحاذية للحدود التركية، عام ٢٠١٤، كان الجيش التركى يقدم الدعم الإيجابي للتنظيم عن طريق عدم مهاجمته، خاصة وأنه يقاتل المكون الكردى الذى يمثل لدى تركيا العديد من التخوفات، فى ظل المراهنات التركية على التنظيم لمواجهة الأكراد وطموحاتهم فى سوريا والعراق؛ حيث تريد أنقرة السيطرة على المناطق الخاضعة للأكراد خارج حدودها من خلال استخدام التنظيم الإرهابي، وكان هناك دعمًا قويًا له من قبل تركيا التى تحولت إلى ممر آمن ومقرًا لعناصره.
كما تناقلت العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية ووسائل الإعلام العديد من التقارير التى تؤكد تورط تركيا فى نقل المقاتلين للتنظيم، وفتح الممرات الحدودية للعناصر القادمة من أوروبا وآسيا الوسطى، ولعل الدافع الأكبر فى ذلك الأمر هو مواجهة الطموحات الكردية فى سوريا والعراق وحصارهم من جانب التنظيم، ومن ثم كان هناك دعمًا قويًا له من قبل تركيا التى تحولت إلى ممر آمن ومقرًا لعناصره، وقدمت تركيا الدعم اللوجستى الكبير باعتباره أهم فصيل فى المشهد السورى والعراقي، فى وقت كانت تريد تركيا الإطاحة بالرئيس السورى بشار الأسد، وتوظيفه فى خدمة المشروع الإقليمى التركي. وعليه انتقدت العديد من الدول الغربية، تركيا بسبب تعنتها فى الانضمام للدول المحاربة لداعش فى عام ٢٠١٤. بالإضافة إلى أن بعض الدول صرحت بأنها لا تستطيع أن تغض الطرف عن دخول مقاتلى داعش وخروجهم من الحدود التركية. كما وجدت ادعاءات بأن تركيا تدعم داعش وقت حصار عين العرب كوبانى بسبب عدم رغبة تركيا فى دعم وحدات حماية الشعب الكردي. هذه العلاقة يمكن أن تطرح فرضية أساسية، وهي أن هناك ظروفا موضوعية تمكن تركيا والتنظيم المتطرف من تكوين شراكة قائمة على المصالح المشتركة بين الجانبين، خاصة بعد السياسات التى تتخذها أنقرة برفضها التعاون مع التحالف الدولى لمجابهة التنظيم، وتوظيف التنظيم لخدمه المصالح التركية فى سوريا والعراق وكذلك فى العديد من دول المنطقة.
دوافع الظهور
يمثل الدافع الأول فى ظهور ولاية تركيا فى الوقت الحالى إلى فرضية أساسية باعتبارها دولة قوية فى المنطقة، عوضًا عن رمزيتها التاريخية فيما يتعلق بدولة الخلافة الإسلامية، وأن التنظيم على الرغم من الخسائر الميدانية التى تعرض لها إلا أنه تمكن من إنشاء ولايات فرعية جديدة فى دول قوية ومجاورة لمهد النشأة فى سوريا والعراق، كما يريد أن يستعيد الضوء من جديد إلى خلافته المزعومة، وأن التنظيم بات البديل الحقيقى للخلافة العثمانية، وأن دولة الخلافة هى دولة التنظيم.
كما أن زعيم التنظيم أعلن بصورة غير مباشرة عن وجود التنظيم فى ولاية تركيا، خاصة وأن تركيا تمثل للتنظيم محطة مهمة ساعدته من قبل على تحقيق التوسع والانتشار فى الدول المجاورة؛ حيث أسهمت تركيا فى تعزيز وتقوية التنظيم الإرهابي، من خلال السماح للمقاتلين الأجانب التوجه إلى مناطق القتال فى سوريا والعراق، ووفقًا لمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية فإن هناك نحو ٣٠ ألف مقاتل تمكن من اجتياز الأراضى التركية عام ٢٠١٣، والذى كان يسمى حينها الطريق السريع للجهاد، كما سهلت عمليات نقل المعدات والأسلحة للتنظيم، وتطور الأمر إلى التعاون الاقتصادى مع التنظيم، ومعالجة جرحى التنظيم فى المستشفيات التركية.
ويكمن دافع إنشاء هذه الولاية للضغط على تركيا التى تتعامل بصورة براجماتية مع مصالح التنظيم، وبغض النظر عن جدلية ارتباط تركيا بالتنظيمات المختلفة، إلا أن تركيا فى ظل الضغوط الإقليمية والدولية سمحت لدول التحالف الدولى باستخدام قاعدة «انجرليك» التركية لشن الهجمات على مواقع التنظيم فى سوريا والعراق، وذلك فى ظل السياسة التركية القائمة على توظيف تركيا لعلاقتها بتلك التنظيمات عبر حسابات توازنات المصالح بينها وبين غيرها من القوى الإقليمية من ناحية، والقوى الدولية من ناحية ثانية، إلا أن التنظيم بإعلانه ولاية تركيا فإنه يستهدف دفع أنقرة لفتح الطريق على الحدود المتاخمة لها مع كل من العراق وسوريا أمام عناصره ومقاتليه وتقديم الدعم لهم.
إن ما تم إعلانه من جانب زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادى عن ولاية تركيا، يطرح العديد من التساؤلات حول دوافع هذا الإعلان وتوقيته، وبالنسبة لدوافع الإعلان فإن أبرز هذه التوجهات ترتبط بصورة كبيرة برمزية دولة الخلافة، وإن كان من قبل لم يتم الإعلان عنه، ومن ثم يحاول التنظيم توظيف تلك الرمزية لتحقيق مكاسب إعلامية تمكنه من استمرار قدرته على جذب التابعين له، وأن هذا الإعلان ليس إلا محاولة فتح أراض جهادية جديدة.