الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"ابن العمدة والعوين"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ربنا يجعله عامر يا عمدة»، جملة متكررة يسمعها ابن العمدة كل ليلة أثناء انصراف أهل القرية من الدوار، يستشيط غضبا ويقول لوالده جملة تتكرر هى الأخرى كل ليلة: «هم هيجوا ياكلوا ويشربوا كل يوم يا أبا العمدة،» فيرد عليه: «يا بنى إحنا فى رمضان ودى عادة إن أهل البلد ييجوا ياخدوا واجبهم »، لا يكف ابن العمدة عن الجدال: «بس يا أبا العمدة ده ما بيجبوش حاجة معاهم وبيقعدوا طول الليل ياكلوا ويشربوا»، وهنا استشاط العمدة غضبا ونهر ابنه وأمره بالكف عن الحديث، والانصراف من أمامه، جلس ابن العمدة على «المصطبة » أمام الدوار يقدح زناد فكره، ومع أن الشياطين كانت مسلسلة فى رمضان إلا أن بعض الإنس تولوا مهمتهم فى غيابهم تضامنا معهم فى الشهر الكريم حتى يفك الله أسرهم ويعودوا لممارسة عملهم، «حنكش » كان أشد مكرا من الشيطان نفسه، اشتم رائحة غضب ابن العمدة
فجلس بجواره ليعرف ما الأمر، وحينما قص عليه ابن العمدة ما كان من تجمع أهل القرية كل ليلة وخدمته لهم وغضب والده عليه، قال له حٍنكش: «الموضوع بسيط يا عمدة يا صغير، أنا هخليهم ما يجوش نواحى الدوار برجليهم بس ليا عندك مكافأة »، اعتدل ابن العمدة فى جلسته وأمسك بكتف حٍنكش وقال له:«أما لو عملتها يا حٍنكش هتبقى صاحبي، شوف البلد كلها مش طايقة سيرتك وبيقولوا عليك معفن وخباص، لكن أنا هصاحبك وهجيبك تقعد معايا فى الدوار كمان »، ابتسم حٍنكش بدهاء وقال له إدينى ودنك يا ابن العمدة وبدأ ينفث فيها وابن العمدة يطأطأ رأسه، مر الليل والنهار وقبل المغرب أخذ ابن العمدة يُجهز الدوار ويفرش الطعام بحماس حتى أن العمدة تعجب من تبدل حاله لكنه لم يُهبط عزيمته بل قال: «الله ينور عليك يا عمدة يا صغير، أهو كده تبقى سيد الرجال »، كان أهل القرية لديهم عادة بعد تناول الطعام وهى أن يضعوا إناء العسل الأسود على ركوة النار ويقلبوه حتى
يصبح مثل «الحاوة» فيأكلوها، وبينما ابن العمدة كان يُعد لهم إناء العسل وضع فيه «العوين؛ تُراب الركوة»، هكذا قال له حٍنكش، وكالعادة وضع الإناء على النار وأخذ أحد الرجال يُقلبه فاختلط العوين بالعسل، وانهال الرجال لأكل الحاوة كما تعودوا، وما هى إلا دقائق حتى أصدرت بطونهم أصوات تحذيرية
وبدأوا لا يتحكمون فى الطلقات التى تخرج من أردافهم، وكأن حربا قامت فى الدوار، تخبطوا للوصول إلى دورة المياه وأمام الزحام جروا فى شوارع القرية فاللحظات ثمينة وأى تأخير سيفعل الرجال فٍعلة العيال على أنفسهم، كان مشهدا لا ينسى فى القرية فالرجال كانت تنادى على أولادها: «إن حدث لنا شىء خذوا بالثأر،» ليلة كاملة قضاها رجال القرية فى المراحيض وقضاها العمدة غاضبا يقلب كفيه ويستوجب ولده عن سبب ما جرى، نجحت خطة حٍنكش فما عاد يأتي لدوار العمدة كائن ما كان ولا حتى بات الرجال يأكلون حاوة العسل.. ويبقى السؤال ألم يتغير طعم الحلاوة فى أفواههم؟ حنكش رغم سوء تفكيره إلا أنه أعمل عقله فهزم كل هذه البطون!.