السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

متصوفة عاشقون| أبو عبدالله الشرقي.. العودة إلى أرض المنبت

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«كنت أقف على معتوه يتحدث وأستمع له؛ فإذا بيد تتسلل من بين الجموع فتمسك بأذني، وتخرجنى خارج الحلقة، قائلا: أنت تفعل ذلك؟! فخجلت ودخلت معه الجامع، قائلا: اعذرنى يا شيخ!». 
يذكر هذا الموقف ابن عربى للشيخ محمد أبو عبدالله الشرقي، الذى تميز بمواهبه الصوفية وفتوحاته الربانية، ورزقه الله محبة الناس، كما أعطاه الهيبة، كان أهل البلدة يخشون من سؤاله الدعاء، ولذلك احتالوا طريقة فهمها الشيخ وجاراهم فيها، فإذا رغب أحدهم فى الدعاء جلس بجواره فى المسجد ورفع صوته يضرع إلى الله، فى ذلك الوقت يسمعه الشرقي، وفى النهاية يقول: آمين. هكذا كان دعاؤه للناس.
تميز بمحبته للفقراء كما المتصوفة، فكان يقربهم ويجلس إليهم، ويخرج لهم ما فى بيته، وبينما هو يمشى فى السوق برفقة المريدين، رأى غلامًا يئن تحت مكتل يحمل فيه رازيانج - حبوب نبات الشمر تستخدم فى الطهو والمخبوزات- كان الغلام متحيرا، أقبل عليه الشيخ متسائلا: ما شأنك يا ولدي. فقال الغلام: يا عم مات أبى وترك أولادا صغارا وليس لنا شيء، فأصبحنا يومنا هذا وليس لدينا ما نأكله، وكان عند والدتى هذا الرازيانج فقالت خذه وبعه وسق لنا قوت اليوم إن كفى.
بكى الشيخ وأدخل يده فى المكتل يأخذ قدرا منه قائلا: يا صبى هذا شيء طيب قل لوالدتك إن عم الشرقى أخذ منه شيئا حتى أكون فى حل منه. فأخذ بعض التجار المكتل، وقال: شيء وضع الشيخ فيه يده فقد حلت بركته. فمشى إلى أم الصبى فدفع إليها فى المكتمل سبعين دينارا مؤمنية. عاش الشرقى فى إشبيلية قرابة الأربعة عقود، وارتبط بمسجد العديس، يشاهده الناس يصلى فيخشع فتنحدر دموعه فى صمت وتتساقط كما اللؤلؤ على لحيته، يبالغ فى العبادة، ويتحرى الصدق فى النصيحة لأبنائه، سكن موضعًا لا يوقد فيه سراج ولا نار، لم يتجرأ عليه أحد، وكانت له بركات وفتوحات معروفة، وعندما شعر بقرب الأجل، جمع أمتعته، وأخلى سكنه، قائلا لأصدقائه: أريد سفرا. فلما وصل إلى قريته مات من وقته رحمه الله. 
وجاء ذكر الشيخ الشرقى وصفاته وأخلاقه فى مؤلفات الشيخ الأكبر ابن عربى، ولا سيما فى رسالته «الروح القدس» التى ألفها فى مداواة النفوس، أثناء إقامته فى مكة المكرمة نحو عام ٦٠٠ هـ، وأرسلها إلى صديقه التونسى محمد بن عبدالعزيز المهدوي، يؤدى فيها حق النصيحة وذكر أبناء الطريقة الراحلين.